الخامسة خلال 3 سنوات.. زيادة الحد الأدنى للأجور في مصر وسط سباق لا ينتهي مع الأسعار

يقضي مصطفى سعيد، وهو عامل في مصنع بمدينة 6 أكتوبر القريبة من العاصمة المصرية القاهرة، استراحته خلال يوم عمل في تصفح المواقع الإلكترونية بحثًا عن الحدّ الأدنى للأجور وآلية الصرف.
وأعلن المجلس القومي للأجور في مصر رفع الحد الأدنى للأجور من 6 آلاف جنيه (نحو 119 دولارا) إلى 7 آلاف جنيه (نحو 138 دولارا) شهريا.
وشكا سعيد للجزيرة مباشر من عدم تطبيق الحد الأدنى للعام الماضي، موضحا أن النقاش مع إدارة المصنع في هذا الصدد لم يصل إلى نتيجة.
وعلى بعد خطوات من سعيد يتكرر النقاش مع مجموعة من العاملين في مصنع لإنتاج المنظفات الصناعية وسط إجماع على أن الزيادة لا تتناسب مع الضغوط الاقتصادية المتزايدة.
وقال مجدي حسن، وهو مشرف جودة بالمصنع، للجزيرة مباشر إنه يتقاضى راتبا أكثر من الحد الأدنى المقرر، لكنه لا يكفي احتياجاته المعيشية.
وأضاف أن راتبه الذي يبلغ 10 آلاف جنيه (نحو 197.5 دولارا) لا يوفر الحد الأدنى من متطلبات أسرته المكونة من أربعة أفراد، معربًا عن اعتقاده أن الأزمة ليست في زيادة الرواتب، بل في قفزات الأسعار المتتالية وانهيار قيمة الجنيه.
وبينما يؤكد كثيرون أن الحد الأدنى الجديد -7 آلاف جنيه- قد يكفي شخصا بمفرده، لكنه لا يؤمّن إعاشة أسرة؛ أكدت الحكومة على لسان رئيسها مصطفى مدبولي أن الزيادة الأخيرة مناسبة.
وينتظر العاملون بالقطاع الخاص تطبيق الزيادة الجديدة بدءًا من أول مارس/آذار المقبل، طبقا لقرار المجلس القومي للأجور، الذي أعلن أيضا أن الحد الأدنى لقيمة العلاوة الدورية يبلغ 250 جنيهًا شهريًّا (أقل من 5 دولارات).
ولأول مرة يقرر المجلس القومي للأجور وضع حد أدنى للأجر للعمل المؤقت “جزء من الوقت”، بحيث لا يقل أجر العامل عن 28 جنيهًا صافيًّا في الساعة (55 سنتا).
وبينما تتحدث أرقام المجلس القومي للأجور عن أكثر من 20 مليون شخص يعملون بالقطاع الخاص يترقبون تحسن الظروف المعيشية وسط سباق لا يتوقف مع الأسعار، يشير الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام إلى أن الأمر يتعلق بسلّة عوامل لخفض تكاليف معيشة المواطن، أحدها زيادة الحد الأدنى للأجور.
وقال عبد السلام للجزيرة مباشر إن هناك خطوات أخرى أبرزها إتاحة السلع والخدمات بسعر مناسب يتفق مع دخول المستهلكين ومعدل التضخم القائم، ومع زيادة القدرة الشرائية للمواطن عبر استقرار سوق الصرف وتحسن سعر العملة المحلية.
كما طالب عبد السلام بزيادة الإنتاج المحلي والصادرات الخارجية، قائلا: “إذا لم تتحقق تلك الخطوات مجتمعة فإن زيادة الأجور سواء من قبل الدولة أو القطاع الخاص تصبح خطوة غير كافية”.
وتساءل عضو مجلس النواب إيهاب منصور في صفحته على فيس بوك عن مراقبة التزام القطاع الخاص بتطبيق الزيادة في الأجور.
لكن الصحفي هيثم هلال يرى على فيسبوك أيضا أن “رفع الحد الأدنى للأجور على ورق يقابله غلاء أسعار جديد”.
مخاوف العمال
ووسط مخاوف من تفريغ الزيادة من قيمتها المرجوة، توقع عبد السلام تفاقم المشكلة في حال زيادة سعر الدولار أو ارتفاع معدل التضخم بنسب تفوق الزيادة في الأجور والرواتب، كما ستتفاقم في حال استمرار اعتماد الأسواق المحلية على الواردات الخارجية التي تتأثر أسعارها بما يدور في أسواق الصرف الأجنبي.
بدوره، أعرب علي يسري، وهو مندوب توزيع بشركة لصناعة منتجات الألبان، عن تخوفه من “الارتباط المعتاد” بين زيادة الأجور ورفع الأسعار. وشكا للجزيرة مباشر من احتمال عدم التزام الشركات الخاصة بقرارات رفع الأجور قائلا إن النتيجة تتوقف على مدى نجاح ضغوط العمال على الإدارة التي تشكو هي الأخرى من تفاقم مشاكلها في الإنتاج والتسويق.
وتعليقا على ذلك شكا ياسين كمال، وهو عضو مجلس إدارة شركة إنتاج ألبان، في حديثه للجزيرة مباشر من صعوبات العمل والإنتاج في ظل عدم استقرار سعر الصرف، مشيرا إلى أن ارتفاع تكلفة الإنتاج يعقد أزمة الأجور.
وأقر كمال بحق العمال في زيادة الرواتب، معترفا بأن ما يتقاضونه لم يعد يكفي للوفاء بمتطلبات المعيشة، لكنه أضاف: “مجرد استمرار الإنتاج والرواتب بمعدلاتها الحالية يعد إنجازا كبيرا”.
وهنا يشير الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام إلى أنه لا يوجد إلزام حقيقي للقطاع الخاص بتطبيق الزيادة الأخيرة رغم إقرارها من قبل المجلس القومي للأجور بحضور جميع رؤساء الاتحادات، ونقابات العمال والوزراء المعنيين.
ويوضح أن الشركات تتهرب بزعم زيادة كلفة الإنتاج والأعباء التي تتحملها مع خفض الدعم الحكومي وأسعار الوقود والضرائب.

الزيادة الخامسة
وهذه هي الزيادة الخامسة للحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص خلال آخر ثلاث سنوات، إذ ارتفع المرة الأولى من 2400 جنيه (نحو 47.5 دولارا) في يناير/كانون الثاني 2022 إلى 2700 جنيه (53.4 دولارا) في الشهر ذاته من عام 2023، وزاد في يوليو/تموز من نفس العام إلى 3 آلاف جنيه (59.4 دولارا)، وارتفع إلى 3500 جنيه (نحو 69 دولارا) مطلع 2024، ليزيد بعدها بأربعة شهور إلى 6 آلاف جنيه (نحو 119 دولارا) بداية من مايو/أيار 2024.
ثم جاءت الزيادة الأخيرة لتصل إلى 7 آلاف جنيه (138 دولارا)، في حين يقترب سعر الدولار مقابل الجنيه حاليا من 51 جنيها، بعد أن تذبذب سعر الجنيه مقابل العملة الأمريكية عدة مرات خلال السنوات الخمس الماضية ليخسر أكثر من نصف قيمته.
وقلصت الحكومة مؤخرا الدعم عن الكثير من الخدمات والسلع الرئيسية، لتقليل عجز الموازنة وتجنب عودة أزمة الدولار، كما رفعت بشكل متكرر أسعار البنزين والسولار وتذاكر القطارات ومترو الأنفاق، لتتبعها زيادات في أسعار كثير من السلع والخدمات الأخرى، كان آخرها خدمات الاتصالات.