جدل في مصر بعد إعلان جامعة الأزهر بحث تدريس الطب باللغة العربية

“لا دخان من غير نار” بهذه الكلمات حاول محمد عماد، طالب السنة الأولى بكلية الطب بجامعة الأزهر في مصر، تلخيص ما يثار من جدل وغموض بشأن موقف الجامعة من تعريب دراسة الطب والصيدلة.
وقال عماد للجزيرة مباشر إنه ضد فكرة التعريب تماما، موضحا أنه لا يناسب العصر الحالي، “وخصوصا أن الطب حاليا يأتي من الغرب وليس عربيا كما كان في الماضي”. لكن زميله أسامة أشرف رحَّب بفكرة التعريب، وقال للجزيرة مباشر إن “تجارب تركيا وسوريا وإسرائيل حققت نجاحا”.
ويعكس الخلاف عاصفة الجدل التي لم تهدأ رغم اتخاذ جامعة الأزهر خطوة إلى الوراء في مواجهة انتقادات لقرار تشكيل لجان لبدء تعريب العلوم، ما أثار قدرا من القلق والارتباك، حسب أحمد ثابت، الطالب بكلية الصيدلة.
وفي مؤشر على الارتباك، أوضحت جامعة الأزهر في بيان أن “ما يتم حاليا هو مجرد دراسة ‘اقتراح’ حول إمكانية تعريب العلوم في ضوء دراسات المجتمع التي تقوم بها الجامعة بشكل دوري”.
وسعيا للانتصار للغة العربية، وتعزيز الانتماء والهوية، وزيادة مساحة الإبداع والابتكار، وجَّه رئيس جامعة الأزهر بتشكيل لجنة تبدأ أولى خطوات التعريب من قسم الطب النفسي في كلية الطب.
لكن التراجع جاء بسبب الجدل المتصاعد بشأن الاقتراح، كما قال للجزيرة مباشر رضا رشدي، أستاذ الطب النفسي والرئيس السابق لقسم الطب النفسي بكلية الطب بجامعة الأزهر، موضحا أن الرؤى تباينت بشأن هذا الاقتراح، وهو “ما يتطلب الهدوء” بشأنه.
وأضاف رشدي للجزيرة مباشر “عند طرح أي موضوع للمناقشة تتباين وجهات النظر، فكل شيء له مميزات وعيوب، وتسفيه أي رأي غير مطلوب”. وعبَّر رشدي عن تأييده للتعريب قائلا “هناك من يهاجم الأزهر على طول الخط بشكل غير مبرر”.
تعريب جزئي
وعرض رشدي لما سمّاها مميزات دراسة الطب باللغة العربية، موضحا أنه خاض تجربة ومحاولات التعريب خلال الأربعين عاما الماضية تحت قيادة الدكتور محمد شعلان، مؤسس وأول رئيس قسم للطب النفسي بجامعة الأزهر.
وقال رشدي إن التعريب يسمح بسهولة الفهم والاستيعاب، ويعزز التواصل بين الأطباء والمرضى بلغتهم الأم، معربا عن اعتقاده أن التعريب يقلل الحاجة إلى تعلُّم لغة أجنبية بشكل مكثف أثناء الدراسة فضلا عن دعم الهوية الثقافية بتعزيز مكانة اللغة العربية.
لكن رشدي اعترف بأن المناهج الطبية العربية لا تزال غير مكتملة مقارنة بالإنجليزية، ما يدفع إلى الاعتماد على المصادر الأجنبية. وأشار أيضا إلى صعوبات العمل بالخارج ومشكلات التكيف مع الأنظمة الطبية الدولية التي تعتمد الإنجليزية.
ولفت إلى أن التجربة بدأت بتدريس الطب النفسي جزئيا باللغة العربية، بينما يجري تدريس منهج الأعصاب باللغة الإنجليزية، مشيرا إلى أنه “كان هناك تصميم على ألا نتكلم بالإنجليزية في تقديم الحالة أو الامتحانات”، معترفا بوجود معاناة في الترجمة وخصوصا في مرحلة ما بعد الماجستير.

من جهة أخرى، دافع مصطفى العسال -جرّاح التجميل بمستشفى المطرية التعليمي بالقاهرة- عن تعريب الطب، وقال للجزيرة مباشر إن الطب باللغة العربية يُعَد إضافة كبيرة للدراسة باللغة الانجليزية “ودمج اللغتين يثري الفهم ويعمقه”، على حد تعبيره.
ورأى العسال أن التعريب يمثل “خطوة مهمة كمشروع مواز مع التطوير البحثي الذي ما زلنا بعيدين عنه في مصر”، واقترح بداية التنفيذ بدراسة الطب بالعربية اختياريا بالكليات مع الإنجليزية على أن يرافق التعريب بعض المحفزات.
وأضاف العسال “التجربة يمكن أن تستمر 20 عاما، يُفترض خلالها أن تكون بلادنا منتجة للأبحاث الطبية”.
في المقابل، رفض استشاري الأمراض الصدرية سيد بركات تعريب الطب، ووصفه بأنه “خطوة للوراء”، وقال ساخرا “نحن أصلا لا نتحدث اللغة العربية بشكل سليم”.
وأضاف بركات أن اللغة الإنجليزية أسهل في عرض المصطلحات الطبية التي اعتادها الدارسون، موضحا أن مصطلحا إنجليزيا واحدا قد يحتاج إلى سطرين باللغة العربية لشرحه وتوضيحه.
وأشار إلى صعوبة مواكبة التطور السريع في العلوم الطبية، وترجمة كم هائل من الكتب والمراجع.
ولفت بركات إلى أن الأطباء المصريين من دارسي الطب بالإنجليزية يشكلون ثلث الأطباء في بريطانيا وربع الأطباء في ألمانيا، ويستطيعون مواكبة الأبحاث والعلوم الطبية والمشاركة بفعالية في المؤتمرات الدولية.
وذكر بركات أن أستاذه في علم التشريح بكلية طب قصر العيني بالقاهرة محمد الرخاوي كانت له محاولة لم تنجح قبل نحو 50 عاما في تقديم هذا العلم باللغة العربية، ووضع كتابا في تشريح اليد “لكن استيعاب المصطلحات والأفكار كان صعبا واستحال البناء عليه في باقي العلوم الطبية”، وخصوصا أن لغة المؤتمرات والرسائل العلمية هي الإنجليزية.
وأشار بركات إلى أن التجربة السورية لم تحقق نجاحا في التعريب، بينما بدأت تركيا وإسرائيل منذ وقت مبكر جدا، وحققتا تقدما في اعتماد لغتيهما. وخلص إلى أن الهدف من الاقتراح هو إشغال الناس عن قانون “المسؤولية الطبية” الذي يضع الأطباء في دائرة الاشتباه والتجريم.
تحرك برلماني
وبالتوازي مع الجدل المتصاعد بشأن تعريب الطب، شهد مجلس النواب مناقشات في محاولة للحصول على رد حكومي حاسم.
وقال النائب أيمن أبو العلا في طلب إحاطة أمام البرلمان إن القرار قوبل بمواقف مختلفة بين مؤيد ومعارض “وهو الأمر الذي يتطلب حوارا مجتمعيا قبل تطبيقه حرصا على مكانة الطبيب المصري بين بلدان العالم”.
وأكد أبو العلا، وفقا لما نقلته صحف محلية، أن الاقتراح يحتاج إلى دراسة مستفيضة يشارك فيها الخبراء المختصون حرصا على مستقبل القطاع الطبي في مصر.
وردَّت جامعة الأزهر بأن “الذي يتم حاليا هو دراسة علمية متأنية حول إمكانية تعريب العلوم الطبية، ومدى قابلية ذلك للتطبيق، مع الأخذ بعين الاعتبار جميع الأبعاد التقنية والتطبيقية لضمان أفضل معايير التعليم الطبي، وتلبية احتياجات الطلاب والمجتمع على حد سواء”.
وبينما قال بيان للمركز الإعلامي لجامعة الأزهر إن الهدف هو تطوير العملية التعليمية، رأى الأمين العام لمجمع اللغة العربية الدكتور عبد الحميد مدكور أن جامعة الأزهر تستحق الشكر على هذا التحرك، لكنه قال في تصريح لصحف محلية إن الأمر يتطلب خطوات تمهيدية أهمها الترجمة وتدريب الطلبة والمعلمين.
وأضاف مدكور “التحرك يعيدنا إلى أصالتنا حيث كانت اللغة العربية هي لغة العلوم الأولى لخمسة قرون”. وخلص إلى إمكانية اعتماد اقتراحات مختلفة “مثل تدريس الطب في كتاب واحد على عامودين أحدهما بالعربية والثاني بالإنجليزية”.