“يجر تونس للعنف ويرى نفسه مبعوث المشيئة الإلهية”.. الشابي يوجه رسائل إلى سعيّد ويحذره من مصير الأسد (فيديو)

أصدرت محكمة تونسية، السبت، أحكامًا بالسجن تتراوح بين 4 و66 عاما على 40 متهما في قضية “التآمر على أمن الدولة”، بينهم 22 حُكم عليهم حضوريًّا، و18 حُكم عليهم غيابيًّا.
وتعود القضية إلى فبراير/شباط 2023، عندما قُبض على عدد من السياسيين المعارضين والمحامين وناشطي المجتمع المدني ورجال الأعمال، ووُجهت إليهم تهم تشمل محاولة المساس بالنظام العام وتقويض أمن الدولة، والتخابر مع جهات أجنبية، والتحريض على الفوضى أو العصيان.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالنهضة: أحكام “التآمر” فضيحة ومهزلة قضائية وانتقام سياسي يهدد مستقبل تونس
في الذكرى الثانية لاعتقاله.. الغنوشي: المعارضون فرقتهم السياسة وجمعهم سجن الدكتاتورية وقيود الاستبداد
تونس.. سعيّد يتهم “لوبيات” باختراق رئاسة الحكومة ويقيل كمال المدوري ويعيّن سارة الزعفراني خلفا له (فيديو)
“الحكم حُضّر مسبقًا”
وفي هذا الصدد، رأى أحمد نجيب الشابي رئيس جبهة الخلاص الوطني (الذي حُكم عليه بالسجن 18 عامًا) أن “الحكم حُضّر مسبقًا وهو غير مفاجئ”.
وخلال مشاركته، مساء الأحد، في برنامج (المسائية) على الجزيرة مباشر، أبدى الشابي “حزنه الشديد على وضع القضاء في تونس وحالة الحريات”، مؤكدًا عدم وجود أي دليل مادي بشأن تلك الاتهامات.
وأكد رئيس جبهة الخلاص الوطني أن “السلطة السياسية ممثلة في الرئيس قيس سعيّد تقف وراء هذه الإجراءات القضائية، وأن المتهمين تم الحكم عليهم مسبقًا من قبل الرئيس قبل أن تنظر المحكمة في ملفاتهم”.
معارضة النظام “جريمة”
واعتبر الشابي أن المحاكمة “صفعة في وجه القانون. جلسة محاكمة تمت عن بُعد، جرت من خلف الشاشات، بدون حضور المتهمين”.
الشابي أشار إلى أن القضية تمت في ظل “تعتيم إعلامي كامل”، حيث مُنع الصحفيون (المحليون منهم والأجانب) من حضور الجلسات، وهو ما اعتبره دليلًا على وجود إرادة واضحة “لإخفاء الحقيقة”.
وأضاف “هذه القضية مدبرة” لاستهداف قادة المعارضة، وتوصيل رسالة مفادها أن “معارضة النظام جريمة يجب اجتنابها”، في محاولة لبث الخوف بين الناشطين والسياسيين.
والجمعة، انعقدت الجلسة الثالثة والأخيرة من هذه المحاكمة التي لم تشهد تونس مثلها من حيث عدد المتهمين والتهم الرئيسية الموجهة إليهم، وسط حضور أمني كثيف وفي غياب الصحافة الدولية التي مُنع مراسلوها، وكذلك الدبلوماسيون الأجانب، من دخول قاعة المحكمة، رغم السماح لهم بحضور الجلستين السابقتين.
واعتبر القضاء أن بعض المتهمين أقاموا “اتصالات مشبوهة بدول أجنبية، خاصة عبر دبلوماسيين”.
واعترض المحامون أمام القاضي بعد تلاوته لائحة الاتهام وطرحها للمداولة، من دون أي مرافعات من جانب الدفاع.
انتقام من المعارضين
وتعليقًا على الاتهامات، قال الشابي بنبرة حاسمة “لم أُتّهم بالتآمر طوال 50 عامًا من عملي في السياسة، لكني الآن أواجه حكمًا بالسجن 18 عامًا رغم أنني لم أفعل شيئًا”، مؤكدًا أن الحكم بسجنه لن يوقفه أو يقلقه.
واعتبر الشابي أن ما يحدث ضده وضد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية هو “إرادة فتك وانتقام بحق المعارضين”.
وفي 5 فبراير/شباط الماضي، أصدرت محكمة تونسية حكما أوّليًّا بسجن الغنوشي، ضمن آخرين، 22 عامًا بقضية تعرف إعلاميا باسم أنستالينغو (وهي شركة إنتاج إعلامي)، والتزمت الحكومة الصمت حيال الأحكام.
واعتقل الأمن الغنوشي في 17 إبريل/نيسان 2023، إثر مداهمة منزله، ثم أمرت محكمة ابتدائية بإيداعه السجن في قضية التصريحات المنسوبة إليه بالتحريض على أمن الدولة.
اغتيال قضائي
في هذا السياق، حمّل الشابي، الرئيس سعيد المسؤولية السياسية المباشرة عن هذه الأحكام، مشيرًا إلى أن معظم قادة المعارضة اليوم خلف القضبان، في ظل حكم فردي حيث “يمارس الرئيس السلطة وحده، ويتوعّد المعارضين علنًا في لقاءاته بوزيرة العدل”.
وأردف “هذا ليس حكمًا قضائيًّا، بل اغتيال قضائي. ليست عدالة، بل أوامر سياسية نفذها قضاة السلطة، ووزيرة عدل تحوّلت إلى ذراع تنفيذية لرئيس السلطة التنفيذية”.
في الوقت ذاته، أقرّ الشابي بأن المعارضة السياسية لم تنجح في قيادة مرحلة الانتقال الديمقراطي بعد الثورة، وخرجت “مفكّكة”، مما أتاح للرئيس سعيد فرصة لتعزيز نفوذه.
وأوضح أن الجيش التونسي يقوم بما سماه “تطبيع السلطة الحاكمة”، لكنه ليس طرفًا مباشرًا في الحياة السياسية.
“يرى نفسه مبعوث العناية الإلهية”
ووصف الشابي الوضع في تونس بأنه “أزمة سياسية عميقة”، مشيرًا إلى تراجع ثقة المجتمع بالنخب السياسية، في ظل غياب أي نيّة من الرئيس للحوار، حيث يرى قيس سعيد نفسه “مبعوث العناية الإلهية”، بحسب تعبيره.
ووفق هذه الرؤية، لم يستبعد الشابي “بروز أعمال عنف في فترة من فترات اشتداد الصراع السياسي”، في ظل اعتقاد الرئيس أن من يعارضه “يعارض المشيئة الإلهية”.
ووجّه الشابي رسالة مباشرة للرئيس التونسي، قائلًا “خبرتك السياسية ضعيفة لأقصى حد، والله يمهل ولا يهمل” مطالبًا إياه بأخذ العبرة من انهيار نظام الأسد.
ملف القضية فارغ
ومنذ بدء المحاكمة في الرابع من مارس الماضي، طالب محامو الدفاع في مرافعات حادة بمثول جميع المتهمين حضوريًّا أمام المحكمة، وقد أعلن بعضهم إضرابًا عن الطعام في السجن احتجاجًا على حرمانهم من هذا “الحق الأساسي”، بعد أن طلبت منهم المحكمة الإدلاء بشهاداتهم عن بُعد.
ووصفت هيئة الدفاع ملف القضية بأنه “فارغ”، في حين قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” غير الحكومية إن المحاكمة أقيمت في “سياق قمعي استفاد منه الرئيس قيس سعيّد لاستغلال النظام القضائي التونسي لمهاجمة المعارضين السياسيين”.
كما دعت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السلطات التونسية إلى “وقف جميع أشكال اضطهاد المعارضين السياسيين، وإلى احترام الحق في حرّية الرأي والتعبير”، مطالبة بـ”الإفراج الفوري لأسباب إنسانية عمن هم في سن متقدمة وعن الذين يعانون مشاكل صحية”.
في المقابل، أعربت تونس عن “بالغ الاستغراب” لهذه الانتقادات، مؤكدة أن الأشخاص الذين أشارت إليهم الأمم المتحدة أُحيلوا إلى المحاكم “من أجل جرائم حق عام لا علاقة لها بنشاطهم الحزبي والسياسي أو الإعلامي أو بممارسة حرية الرأي والتعبير”.