“حصار داخل الحصار”.. اجتياح الاحتلال لشمال الضفة يهدد مستقبل آلاف الطلاب (فيديو)

يعرقل العملية التعليمية

في ظل اجتياح الاحتلال الإسرائيلي المتواصل لمدن جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها شمالي الضفة الغربية، ضمن ما أسماه “عملية الجدار الحديدي”، وجد آلاف الطلاب أنفسهم خارج مقاعد الدراسة، مع تعطيل العملية التعليمية على أعتاب الفصل الدراسي الثاني.

ورغم انسحاب الاحتلال من طوباس، استمر الاجتياح لمدينتي جنين وطولكرم، متسببًا في شلل تعليمي واسع النطاق، امتد من المخيمات إلى الأحياء السكنية.

وبحسب الناطق الإعلامي باسم وزارة التربية والتعليم، صادق الخضور، فقد حُرم نحو 26 ألف طالب في المدارس الحكومية وحدها من التعليم الوجاهي (الحضور في المدارس)، مؤكدًا أن التأثير الأكبر طال طلبة الثانوية العامة والمراحل الأساسية (الأول إلى الرابع)، كما حيث وجد الكثير منهم صعوبة في الوصول إلى التعليم الإلكتروني.

نعيمة موسى: طالبة ثانوية عامة - الفرع الأدبي

حصار داخل الحصار

تصف نعيمة موسى، طالبة الثانوية العامة من مخيم طولكرم، كيف تحولت حياتها إلى عزلة خانقة بسبب الاجتياح، وقالت للجزيرة مباشر “حُوصرنا 11 يومًا في البيت.. لم يتوفر طعام أو ماء أو كهرباء، وكان الجنود يقتحمون المنازل بشكل متكرر. عشنا توترًا شديدًا جعلنا على أعصابنا طوال الوقت”.

وعقب نزوحها إلى أحد مراكز الإيواء، لم تتمكن نعيمة من متابعة دراستها بشكل فوري، ما أدى إلى تراكم الدروس عليها.

وتابعت نعيمة “عندما وصلنا إلى مركز الإيواء، لم يكن الإنترنت متاحًا لنا كطلاب، وعندما تم توفيره كنت قد فقدت الكثير من الدروس. حتى بعد عودتي إلى التعليم الوجاهي ثلاثة أيام أسبوعيًا، ما زلت أعاني من آثار هذا التأخير”.

وأشارت نعيمة إلى أن تحدياتها لا تقتصر على التأخر الأكاديمي فقط، بل تشمل أيضًا ارتفاع تكلفة المواصلات، مما يمنع بعض زميلاتها من العودة إلى المدرسة، وأضافت “كان لدي شغف وطاقة للدراسة، لكني الآن أجبر نفسي على الاستمرار، لأنني مضطرة لإكمال ما بدأته”.

التعليم الإلكتروني.. حل غير متاح للجميع

وبسبب الاجتياح الإسرائيلي لجأت مديريتا التربية والتعليم في جنين وطولكرم إلى اعتماد التعليم الإلكتروني في 72 مدرسة حكومية و10 مدارس تابعة لوكالة (الأونروا)، لكن هذا الحل لم يكن متاحًا لجميع الطلاب، فالانقطاع المتكرر للكهرباء، ونقص الأجهزة الإلكترونية، أجبر العديد من العائلات على المفاضلة بين أبنائها في متابعة الدراسة.

<a class=

قطر الندى موسى، طالبة في الصف الثامن، أوضحت للجزيرة مباشر حجم الصعوبات التي تواجهها بعد نزوحها مع عائلتها التي تضم 6 أشقاء إلى مركز إيواء، وقالت “ليس لدينا هواتف أو أجهزة لمتابعة التعليم الإلكتروني، وهو ما يجعلنا غير قادرين على الدراسة بانتظام”.

أما طلبة المراحل الأساسية الذين يفترض أن يكونوا في طور تعلم الكتابة والقراءة، فقد وجدوا أنفسهم أمام تحديات مضاعفة.

مريم أبو طافش: طالبة في الصف الرابع الأساسي

مريم أبو طافش، الطالبة في الصف الرابع الأساسي، قالت للجزيرة مباشر “في المدرسة كنا منضبطين ونحل الواجبات يوميًا، أما الآن فقد ننشغل عن أدائها. أحيانًا ينقطع الإنترنت أو الكهرباء، وأحيانًا أخرى نسمع انفجارات أو إطلاق نار، أو حتى استشهاد أحد أقاربنا”.

شكوى مريم كررها شقيقها يوسف (الطالب في الصف الثالث الأساسي) الذي قال إنه يشعر بأنه سجين في منزله، وأضاف “اشتقنا للمدرسة وللخروج، كنا نلعب كرة القدم هناك… كانت أيامًا جميلة”.

هدى أبو طاحون: والدة مريم ويوسف

أما والدتهما، هدى أبو طاحون، فتؤكد أن تجربة التعلم الإلكتروني قلّلت من تركيز أطفالها بشكل كبير، وقالت للجزيرة مباشر “في المدرسة، كان تركيزهم 100% وكان لديهم شغف بالدراسة؛ لأنهم يشاركون بالأنشطة ويلتقون بأصدقائهم. الآن، لا يتجاوز تركيزهم 40%، وخصوصا أننا بجوار مخيم طولكرم ونتأثر بما يحدث فيه”.

المعلمون ليسوا استثناء من المعاناة

لم تقتصر المعاناة على الطلبة، بل امتدت إلى المعلمين الذين وجدوا أنفسهم عالقين وسط النزوح والاجتياحات الإسرائيلية المتكررة.

جنى عقّاد، طالبة الصف الرابع الأساسي، تتذكر كيف تأثرت معلمتها بشكل مباشر خلال إحدى الحصص، وقالت “لدينا معلمة لم تستطع تدريسنا لأنها كانت نازحة، وذات يوم بينما كنا في حصتها، بدأ الجيش يهدم منزلًا بجوارها. وفجأة، توقفت عن الشرح وقالت: حسبي الله ونعم الوكيل، الجيش يهدم المنزل بجانبنا، وقد يقتحمون بيتنا في أي لحظة”.

وأضافت بحزن “اشتقت لمدرستي… اشتقت لدخولها ورؤية بابها مفتوحًا لاستقبالنا”.

العودة إلى التعليم الوجاهي

بعد أكثر من شهرين من انقطاع الطلاب بشكل كامل عن الحضور في المدارس، أعلنت مديرية التربية والتعليم في طولكرم عن استئناف التعليم الوجاهي في المدارس الحكومية عقب عطلة عيد الفطر.

لكن هذا القرار لم يُنهِ الأزمة، بل أثار تساؤلات حول مصير الطلبة النازحين غير القادرين على الوصول إلى مدارسهم، وخصوصًا في مدارس (الأونروا) الواقعة داخل المخيمات، والتي تستمر في إغلاق أبوابها بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية.

محمد أبو سريس" طالب ثانوية عامة - الفرع العلمي

محمد أبو سريس، طالب الثانوية العامة النازح من مخيم نور شمس، عبّر عن قلقه من العودة للمدرسة، وتساءل “هل مدارس الأونروا في المخيمات ليست ضمن أولويات وزارة التربية والتعليم؟ هل هناك حلول بديلة؟ ما مصير زملائنا الذين لا يستطيعون استئناف تعليمهم أو حتى تحمل نفقات التنقل؟”.

وتُعد مدارس (الأونروا) ملاذًا تعليميًا لآلاف الطلبة اللاجئين من الصف الأول الأساسي حتى التاسع، ليكملوا لاحقًا تعليمهم في المدارس الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم الفلسطينية، ومع استمرار الاجتياحات والقيود الأمنية الإسرائيلية، يبقى مستقبل هؤلاء الطلبة معلقًا بين التعليم المهدد والانقطاع القسري.

ويواصل الاحتلال منذ أكثر من 70 يوما عدوانه على مدن ومخيمات شمال الضفة، وسط عمليات تجريف وإحراق منازل، وتحويل أخرى إلى ثكنات عسكرية، وقد أسفرت العملية العسكرية الإسرائيلية عن نزوح أكثر من 40 ألف شخص، واستشهاد العشرات.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان