مخاوف بين المسلمين في الهند بعد حكم قضائي بشأن مسجد تاريخي

أثار قرار أصدرته محكمة استئناف بشمال الهند جدلا واسعا في البلاد، ومخاوف بين المسلمين حول مصير العديد من المواقع الإسلامية التاريخية، كما أطلق تحذيرات من تصاعد التوترات الطائفية بين المسلمين والهندوس.
ورفضت محكمة استئناف مدينة الله آباد يوم الاثنين التماسا قدمته لجنة الإدارة الإسلامية لمسجد شاهي جامع في مدينة سامبال، بولاية أوتار براديش في شمال الهند، يطعن في أمر سابق أصدرته محكمة أدنى بمسح مباني المسجد.
وتتمحور القضية حول ادعاءات مجموعة من المتطرفين الهندوس، يزعمون أن المسجد، الذي بُني عام 1526 على يد الإمبراطور المغولي بابُر، قائم على أنقاض معبد هندوسي قديم يُقال إنه كان مكرسًا للإله الهندوسي كالكِي.
ووافقت محكمة ابتدائية على عجل على إجراء مسح للموقع في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، دون إعطاء الجانب المسلم فرصةً لإبداء رأيه، مما أثار اضطرابات واسعة النطاق. وبعد أسبوع واحد فقط، في 26 نوفمبر/تشرين الثاني، اندلعت اشتباكات عنيفة بين المجتمعات المحلية في سامبال، أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص بعد أن أطلقت الشرطة النار على المتظاهرين المسلمين.
وردًّا على الاضطرابات، أوقفت المحكمة العليا في الهند عملية المسح لفترة وجيزة، ثم أصدرت في وقت لاحق إرشادات مؤقتة في 12 ديسمبر/كانون الأول.
وتمنع هذه المبادئ التوجيهية المحاكم في جميع أنحاء الهند من إصدار أوامر بإجراء مسوحات جديدة أو تسجيل دعاوى قضائية جديدة تطعن في هوية أماكن العبادة.
ونتيجة لتدخل المحكمة العليا، توقفت المحاكم الأدنى في مختلف أنحاء الهند عن النظر في الالتماسات التي تطعن في الوضع الديني للمساجد التاريخية، مما ساعد في تخفيف التوترات الطائفية المتزايدة، ولكن في الوقت نفسه، قالت المحكمة العليا إنها سوف تدرس دستورية قانون حاسم، وهو قانون أماكن العبادة لعام 1991.
وكان هذا القانون، الذي أصدره البرلمان الهندي عام 1991 بعد هدم مسجد بابري على أيدي متطرفين هندوس، يقضي بحماية الطابع الديني لأماكن العبادة كما كانت قائمة في 15 أغسطس/آب عام 1947، وهو يوم استقلال الهند. وكان الغرض من القانون منع إعادة فتح ملفات المظالم التاريخية، وحماية الوئام الطائفي في أكبر ديمقراطية في العالم من حيث عدد السكان.

يُؤجج المشاعر ويُزعزع العلاقات
وقال هرش مندر، الناشط البارز في مجال الحريات المدنية المقيم في دلهي، للجزيرة مباشر: “الهدف الأساسي من هذا القانون هو منع القوى السياسية من استغلال التاريخ كسلاح. بمجرد أن تسمح المحاكم بهذه التحقيقات، فإنها تُؤجج المشاعر العامة حتمًا، وتنكأ الجراح القديمة، وتُزعزع العلاقات الهشة أصلًا بين المجتمعات”.
وشبّه ماندر قضية مسجد سامبال بالنزاع المستمر منذ عقود حول مسجد بابري في مدينة أيوديا، حيث زعمت جماعات هندوسية أن المسجد بُني على موقع مسقط رأس الإله رام. وبلغ هذا النزاع ذروته بهدم المسجد عام 1992، وصدور حكم من المحكمة العليا عام 2019 مهد الطريق لبناء معبد هندوسي في الموقع. وقد افتتح رئيس الوزراء ناريندرا مودي المعبد العام الماضي قبل الانتخابات العامة.
وقال مندر: “ما نشهده في سامبال هو جزء من حركة أيديولوجية أوسع. أولًا مسجد بابري، والآن سامبال، وهي حركة تستهدف مساجد العصر المغولي باسم ترميم المعابد. ولا تهدف هذه الحركات إلى تحقيق العدالة، بل إلى تعزيز سردية معينة”.
وأثار تدخل المحكمة العليا القلق بشأن المساجد والمواقع التاريخية الإسلامية، وقد أُجري المسح الذي أمرت به المحكمة لمسجد شاهي جامع، لكن نتائجه لا تزال سرية.
في غضون ذلك، قدمت لجنة المسجد التماسًا منفصلًا إلى محكمة الله آباد العليا، سعيًا لإلغاء المسح السابق ومعارضة أي مسوحات أخرى، لكن المحكمة الواقعة في مدينة الله آباد رفضت الاستئناف المقدم من المسلمين، رغم التوجيهات الصادرة من المحكمة العليا بشأن وقف إجراء عمليات المسح للمساجد.
سنلجأ إلى المحكمة العليا
وقال المحامي مسعود فاروقي، ممثل لجنة المسجد، للجزيرة مباشر: “رُفض التماسنا. سنتشاور الآن مع كبار المحامين في المحكمة العليا لتحديد خطواتنا التالية”.
وتحظى القضية بمتابعة دقيقة، وسط مخاوف لدى الأقلية المسلمة في الهند من أن يشجع حكم المحكمة العليا المتطرفين الهندوس على إعادة تنشيط حملتهم ضد المساجد والمواقع التاريخية الإسلامية.
وقال المتحدث باسم هيئة الأحوال الشخصية للمسلمين في عموم الهند، إس كيو آر إلياس، للجزيرة مباشر “من المؤسف والمقلق أن تصدر محكمة الاستئناف حكمًا بهذا الشكل، لا سيما في ظل التوجيه السابق للمحكمة العليا بوقف التحقيقات في أماكن العبادة. يجب إحالة هذه المسألة إلى المحكمة العليا، مع طلب نقض الحكم وضمان حماية مكانة المسجد”.
انتشار واسع للشرطة لمنع احتجاجات المسلمين
وقال شهود عيان إنهم لاحظوا منذ يوم الاثنين انتشارا واسعا للشرطة في المناطق ذات الأغلبية المسلمة بمدينة سامبال لمنع الاحتجاجات، عقب صدور حكم المحكمة ضد الجانب المسلم.
#WATCH | Sambhal, Uttar Pradesh: Flag march being conducted by police in Sambhal
Rejecting Muslim side's petition, Allahabad High Court today upheld survey order of Shahi Jama Masjid in Sambhal issued by trial court. pic.twitter.com/Ws20z2wAbp
— ANI (@ANI) May 19, 2025
وبينما تستعد المحكمة العليا للبت في الآثار الأوسع لقانون عام 1991، يحثّ المدافعون عن الحقوق المدنية المحكمة على الحفاظ على غرضها الأصلي.
وقال ماندر: “لا يمكن للهند أن تصبح ساحة صراع بين سرديات تاريخية متنافسة. يجب على المحكمة العليا أن ترسم خطًّا واضحًا يحمي الوئام الديني والوحدة الوطنية والأسس العلمانية للجمهورية”.
ووفقًا لإحصاءات حكومية، تضم الهند أكثر من 600 ألف مسجد، تتنوع بين مساجد صغيرة وأخرى تاريخية شيدها الحكام المسلمون عبر العصور. وهذه المساجد ليست مجرد أماكن عبادة، بل تمثل تجسيدًا حيًّا لتاريخ المسلمين وثقافتهم الدينية.
لكن السنوات الأخيرة، وخصوصا منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا اليميني المتطرف بزعامة ناريندرا مودي إلى الحكم عام 2014، شهدت تصاعد مطالبات المنظمات الهندوسية بشأن العديد من المساجد والمعالم التاريخية الإسلامية. وتستند هذه المطالبات إلى مزاعم بأن هذه المساجد والمعالم كانت في الأصل معابد هندوسية.