بسبب التوتر بين نيودلهي وإسلام آباد.. المسلمون الهنود يدفعون الثمن وعلماء يدينون هجوم باهالغام

كيف يؤثر تصاعد نذر الحرب بين الهند وباكستان على حقوق المسلمين بالهند
كيف يؤثر تصاعد نذر الحرب بين الهند وباكستان في حقوق المسلمين بالهند (غيتي - أرشيفية)

تشهد الهند وباكستان مجددًا توترات حدودية متصاعدة، أسفرت عن تعليق التجارة، وخدمات التأشيرات، وغيرها من قنوات التواصل القليلة الباقية بين البلدين.

وساهم هذا التصعيد في تضييق مساحة الحوار والتفاهم، التي كانت محدودة أصلًا. وبينما يتأثر الشعب على جانبي الحدود اقتصاديًّا، واجتماعيًّا، ونفسيًّا، فإن الفئة التي تتحمل العبء الأكبر داخل الهند، غالبًا هي المسلمون الهنود.

خطاب الكراهية

وسلّط تقريرٌ حديث صادر عن “مختبر الكراهية في الهند” الضوء على ارتفاع خطاب الكراهية، كاشفًا عن وقوع 64 حادثة خطاب كراهية بين 22 إبريل/نيسان الماضي و2 مايو/أيار الجاري في 9 ولايات هندية.

وتلك الولايات هي (ماهاراشترا، وأوتار براديش، وأوتاراخند، وهاريانا، وراجستان، وماديا براديش، وهيماشال براديش، وبيهار، وتشاتيسغار) وإقليم جامو وكشمير الاتحادي.

وسجّلت “ماهاراشترا” أعلى عدد من الحوادث (17)، تلتها أوتار براديش (13)، في حين أبلغت كل من “أوتاراخند” و “هاريانا” عن 6 حالات.

وفي أعقاب هجوم باهالغام، أطلقت جماعات هندوتفا مثل فيشوا هندو باريشاد، وباجرانج دال، وأنتاراشتريا هندو باريشاد، وراشتريا باجرانغ دال، وهندو جان جاغريتي ساميتي، وساكال هندو ساماج، حملات كراهية منسّقة عبر هذه المناطق، شملت مسيرات وفعاليات عامة.

وأشار التقرير إلى أن الخطاب المستخدم خلال هذه الفترة اتسم بلغة مهينة وتحريضية، إذ وُصف المسلمون بألفاظ مثل: “أفاعٍ خضراء”، “خنازير صغيرة”، “حشرات”، و”كلاب”. وقد حرّض بعض المتحدثين علنًا على العنف ضد المسلمين.

الصمت يعني الاتهام

وأصبح وضع المسلمين في الهند أكثر هشاشة وخطورة. فالصمت في مثل هذه الأوقات قد يُفسَّر على أنه تعاطف مع ما يسمى “الإرهاب “، أو الولاء لباكستان.

في الوقت نفسه فإن التعبير عن الموقف الوطني أو إدانة الهجمات لا يُعفيهم من الاتهام، بل قد يُقابل بالاستهزاء على أنه “دموع تماسيح”، أو يتم تشويهه ويُحمَّل معاني لم يقصدوها، وقد يؤدي إلى اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم.

إحدى أبرز هذه الحالات هي حالة المعلمة زيبا أفروز، التي وُجهت إليها اتهامات بالإدلاء بتصريحات “معادية للهند”.

لكن كثيرين يرون أن منشورها قد فُسّر بشكل خاطئ، وأنها تتعرض لاستهداف غير عادل لمجرد دفاعها عن وطنية المسلمين الهنود وولائهم.

السؤال يجذب الاعتقال

ففي أعقاب الهجوم، ألقت السلطات الهندية القبض على ما لا يقل عن 24 شخصًا في 3 ولايات (آسام، ميغالايا، وتريبورا)، بينهم نائب في المجلس التشريعي، وصحفي، وطلاب، ومحامٍ، ومعلمون متقاعدون، بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي.

في ولاية آسام وحدها، تم تنفيذ 16 اعتقالا تحت حكم رئيس وزراء الولاية هيمانتا بيسوا سارما، المعروف بخطابه المتشدد ضد المسلمين.

من بين المعتقلين النائب المسلم أمين الإسلام، الذي وُجّهت إليه تهمة التحريض على الفتنة بعدما صرّح بأن هجومي بولواما (2019) وباهالغام (2025) كانا “مؤامرتين حكوميتين”.

وفي تطورات متصلة، اعتقلت شرطة “جهارخاند” شابًّا في 23 إبريل الماضي بسبب منشور على وسائل التواصل الاجتماعي اعتُبر دعمًا للإرهاب. كما تم اعتقال كل من وسيم خان وتنفير قريشي في ولاية ماديا براديش بتهم مشابهة.

أعمال العنف

لا يواجه المسلمون الهنود حملات الاعتقال من قِبل السلطات فحسب، بل يتعرضون أيضًا لأعمال العنف التي تنفذها جماعات هندوسية متشددة في مختلف أنحاء البلاد.

وسُجّلت موجة من الهجمات في عدة ولايات، حيث يُتهم متطرفون هندوس باستهداف مسلمين عشوائيين، فيما يزعمون أنه انتقام لهجوم باهالغام.

ففي 23 إبريل الماضي، قُتل عامل مسلم في ولاية أوتار براديش في مطعم بالرصاص وأصيب آخر بجروح.

وفي ولاية كارناتاكا، قُتل رجل مسلم بالضرب، إثر اتهامه بترديد شعارات مؤيدة لباكستان.

أما ولاية غوجارات، فقد شهدت أوسع حملة اعتقالات، إذ أعلن قائد شرطة الولاية اعتقال 6500 شخص، واصفًا إياهم بـ”المواطنين البنغلاديشيين المشتبه فيهم”.

في البنغال الغربية، أفاد عدد من سائقي التوك توك المسلمين معاناتهم من التهديد والترهيب.

وفي دلهي، تم الإبلاغ عن رفض دخول العمال المسلمين إلى المنازل، رغم إرسالهم لإصلاح أجهزة التكييف، وذلك فقط بسبب أسمائهم أو مظهرهم.

تكرار الهجمات

هذا النمط ليس جديدًا، فقد تكرر بعد هجمات 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2008، عندما اقتحم من يتهمون بأنهم “إرهابيون” باكستانيون مدينة مومباي، مما أسفر عن مقتل 166 شخصًا، بينهم 6 أمريكيين.

وأثار الحادث مخاوف من تصاعد التوترات إلى مواجهة عسكرية محتملة بين الهند وباكستان.

ورغم أن العلاقات بين البلدين شهدت بعض التحسن في عام 2014، فإن الحوار توقف فجأة في سبتمبر/أيلول 2016 إثر هجوم مسلح مميت استهدف قاعدة للجيش الهندي في أوري، أسفر عن مقتل 18 جنديًّا، وهو الهجوم الأكبر على القوات المسلحة الهندية منذ عقود.

ومع بداية عام 2017، استمر التصعيد حيث هاجم مسلحون معسكرًا بالقرب من مدينة سريناغار، وفي فبراير/شباط 2018 تعرضت قاعدة للجيش الهندي في مدينة جامو لهجوم أسفر عن مقتل 5 جنود ومدني واحد.

وفي فبراير 2019، انفجرت سيارة مفخخة في بلدة بولواما استهدفت قافلة من القوات شبه العسكرية، مما أسفر عن مقتل 40 جنديًّا على الأقل.

معارضة معاقبة المسلمين

في هذا السياق، أدان العالم البارز أرشد مدني، رئيس جمعية علماء الهند، بشدة هجوم “باهالغام”، واصفًا مرتكبيه بأنهم غير مسلمين كما انتقد استهداف المسلمين جماعيًّا، وخاصةً الكشميريين.

وتساءل مدني عن فشل الحكومة في منع الهجوم رغم الإجراءات الأمنية المشددة. كما عارض مدني “معاقبة المسلمين بدون أدلة، ودعا إلى معالجة جذور الإرهاب. وضبط النفس لتجنب مضايقة المواطنين”.

بدوره، ناشد النائب البرلماني المسلم أسد الدين أويسي “الحكومةَ القبض على مرتكبي هجوم باهالغام، بدلًا من السماح للبلطجية باستهداف المسلمين”.

وقال ممثل مسلم عن حزب المؤتمر للجزيرة مباشر، مشترطًا عدم الكشف عن هويته، إن ما يتعرض له المسلمون عقب الهجوم لا يعكس موقف الغالبية من الهندوس.

وأضاف “غالبية الهندوس مسالمون ويتطلعون للعيش في انسجام وتفاهم مع الجميع، غير أن هناك قلة تعيش على إثارة العداء وتقتات على أجواء الانقسام، وهي التي تقف وراء مثل هذه الاعتداءات”.

وشدّد على أن اللحظة الراهنة تتطلب من الهندوس الرافضين للكراهية أن يرفعوا أصواتهم بوضوح ضد أي اعتداء يستهدف المسلمين.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان