“كانوا يعرفونه جيدا”.. أبناء الدكتور مروان السلطان يكشفون أبعاد اغتياله ويوثقون آخر الحكايات (فيديو)
تعهّدوا: سنكمل ما بدأه.. والأرض ستعود

داخل خيمة بلاستيكية تجمع الأبناء الأربعة للدكتور مروان السلطان يحاولون جمع ما تبقّى من ذاكرتهم وقلوبهم بعد المجزرة التي اغتالت والدهم الطبيب، ومدير المستشفى الإندونيسي في شمال غزة، وزوجته و5 من أفراد عائلتهم في غارة إسرائيلية دموية، قالوا إنها لم تستهدف فقط الأجساد، بل أرادت أن تغتال الأمل وتكسر الروح.
في حديث خنقته الدموع، روى أحمد، أحد أبناء الشهيد، للجزيرة مباشر كيف انتقلوا من جباليا إلى شقة صغيرة في غرب غزة بعد أن قيل لهم إنها “منطقة آمنة”. كانوا قرابة 30 فردا في منزل واحد، جميعهم هربوا من الموت، ليجدوه في ما ظنّوه ملاذا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsهل ينتقد فيلم سوبرمان الجديد إسرائيل؟
من قلب غزة.. رسالة مؤثرة من طبيبها الشهير إلى أطباء العالم (فيديو)
قائد ميداني في سرايا القدس يكشف تفاصيل محاولة أسر جنود إسرائيليين (فيديو)
تفاصيل الاستشهاد
“غادرت الشقة قبل نصف ساعة من القصف”، قال أحمد، وهو يحدّق في الفراغ كأن الصور لا تزال عالقة أمامه، وتابع “عندما عدت، وجدت أختي تخبرني أن والدي قد استُشهد. تبعته أمي، وأختي، وعمتي، وزوج أختي. لم أستطع أن أصعد. بقيتُ في الأسفل أحدّق في الركام”.
“كانوا يعرفون مكان أبي”
أما لبنى، ابنة الطبيب وزوجة الشهيد محمد عماد السلطان -الأسير المحرر الذي لم تندمل جراحه بعد-، فقد كانت في الطابق السفلي تُحضّر الطعام عندما سقط الصاروخ على الغرفة التي تجمع والدها وزوجها. “كانوا يعرفون أين هو والدي. كانوا يعرفونه جيدا. استهدفوه لأنهم أرادوا أن يكسرونا”، قالتها بصوت متهدج.
لبنى، التي فقدت زوجها ووالديها وشقيقتها في لحظة واحدة، تحدّثت عن زوجها الشهيد محمد، الذي كان صحفيا ومحررا، أنهى مؤخرا دراساته العليا وكان يحلم بأن يكمل الدكتوراه. “قال لي يوما: يا لبنى، كنت أتمنى أن أُستشهد ولا أبقى في سجونهم لحظة. واليوم.. نالها. ونالها بكرامة”.

“لم يترك المستشفى”
أما عُمر، فاستعاد صورة والده الذي بالكاد كان يراهم في البيت، لأن المستشفى كان بيته الأول، يقول “كان محاصرا أكثر من مرة، لكنه أصر أن يبقى بجوار الجرحى. لم يكن يترك المستشفى حتى لو انقطع التيار أو غابت الإمدادات. كان يعتبر المرضى أمانة لا تُفرّط”.
ويتابع عمر “أمي كانت تخاف عليه دائما، تبكي وتترجاه أن يبقى معنا، لكنه كان يبتسم ويقول: المستشفى أولا، الناس أولا”.
وفي لحظة وداع أخيرة، كان الابن نمر أول من وصل إلى موقع القصف. وجد والده بين الركام، رافعا إصبعه بالشهادة، مسجّى بكامل هيئته، وكأن روحه صعدت على جناح نور. يقول “هذه كرامة من رب العالمين. الله اصطفاه شهيدا كما اصطفاه طبيبا للقلوب”.

“كفى قتلا وتجويعا”
في نهاية الحديث، رفعت لبنى صوتها برسالة نيابة عن غزة كلها “كفى. كفى قتلا وتجويعا وتشريدا. لم يُترك لنا حتى الوقت للحزن. لا نريد شيئا سوى أن نعيش، أن نرجع إلى بيوتنا، أن نشرب ماء نظيفا. كفى. نريد أن نُكمل طريق من رحلوا عنا.. والدنا لم يمت، ترك فينا رسالة، وسنحملها مهما طال الليل”.
تلك الرسالة التي كتبها الدكتور مروان السلطان بيده، خطّها في حياة من الإنقاذ والصبر، وختمها بالشهادة، تعيش اليوم في قلوب أبنائه، وفي كل مريض كان له فيها دواء، وفي كل دعاء ارتفع من ردهات المستشفى الإندونيسي.. وفي كل دمعة من غزة تقول: كفى.