مصر: اقتراض بمعدلات فائدة غير مسبوقة

وسط أزمة تمويل خانقة تواجهها مصر، لجأت الحكومة لطرح سندات دولارية في بورصة لوكسمبورغ لاقتراض مبلغ 4 مليارات دولار

وقال وزير المالية عمرو الجارحي إن مصر ستحصل على حصيلة السندات الدولارية مطلع فبراير/ شباط المقبل، وإن السندات الدولارية المصرية تمت تغطيتها 3 مرات من قبل المستثمرين لتصل حوالى 12 مليار دولار ( الدولار يساوي 19 جنيها).

فقد طرحت الحكومة السندات على ثلاث شرائح بآجال مختلفة، ويصل العائد المتوقع على إصدار سندات أجل 5 سنوات فى نطاق 6.375% إلى 6.625% ، والعائد لشريحة سندات أجل عشر  سنوات في نطاق بين 7.625 و7.875%، وشريحة السندات أجل 30 عامًا بحجم 1.25 مليار دولار، تم تسعيرها بين 8.375%، و8.5%.

وكانت وزارة المالية أعلنت، في أكتوبر/ تشرين أول من العام الماضي، نيتها طرح سندات دولارية في السوق العالمي تتراوح ما بين 2 و2.5 مليار دولار لكنها رفعت قيمة الطرح إلى 4 مليارات دولار.

واختارت وزارة المالية بنوك استثمار ناتيكسيس الفرنسي، وسيتى بنك، وجى بى مورغان، و”بى أن بى باريبا” لإدارة طرح السندات.

كان وزير المالية قد أعلن قبل ذلك، أن حصيلة بيع هذه السندات ستتوجه لسد عجز الموازنة، بمعنى أنها لن تستثمر في أية مشاريع تنموية أو اقتصادية يمكن أن تحقق عائدا يمكن من خلاله سداد أقساط هذه الديون إضافة إلى فوائدها الكبيرة، والتي قال عنها أحد الخبراء الخليجيين إن عوائدها سخية سواء بالمقارنة للسندات المصرية السابقة، أو بالمقارنة مع عوائد سندات سيادية مماثلة من باكستان أو سيرلانكا، وكذلك بالمقارنة لمتوسط عائد السندات السيادية بالأسواق الناشئة.

كانت مصر قد طرحت سندات مدتها عشر سنوات في يونيو/حزيران 2015 بفائدة تقل عن 6 %، بينما تبلغ فائدة سندات العشر سنوات  في الطرح الحالي 7.6 %.

يقول الخبير الاقتصادي ممدوح الولي إنه رغم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، والذى قيل ضمن مسوغات تبريره إنه سيعطينا شهادة ثقة يمكن أن نقترض على أساسها من الأسواق الدولية، فكيف تزيد الفائدة بعد شهادة الثقة المزعومة؟

وأضاف أنه كان تصنيف مصر حسب وكالة فيتش في يونيو/ حزيران 2015 (B  سالب)، بينما في يناير/ كانون ثاني الحالي أصبح التصنيف لنفس الوكالة(   Bمستقرة)، فكيف تزيد الفائدة مع تحسن التصنيف عند نفس الوكالة؟ بل لقد طرحت سندات مصرية ببورصة أيرلندا في نوفمبر الماضي وقبل الحصول على قرض صندوق النقد، بمدد مختلفة منها شريحة مدتها 12 عاما بفائدة 7 %، فكيف تزيد فائدة السندات الأخيرة البالغة 7.6 % ومدتها عشر سندات، عن فائدة السندات المباعة قبلها بشهرين ولمدة زمنية أكبر؟

 

الفائدة المتحركة كانت أفضل

ولأن السندات الجديدة البالغ قيمتها 4 مليارات دولار مقسمة إلى 3 شرائح، إحداها لمدة خمس سنوات، وأخرى لمدة عشر سنوات، والثالثة ثلاثين عاما، فقد كانت فائدة سندات الخمس سنوات 6.1 %، أى أعلى من فائدة سندات يونيو 2015، ولعل هذا يذكرنا بودائع السعودية بمصر البالغ فائدتها حوالى  2.5% والتي كان كثير من الخبراء يرى فائدتها مرتفعة بالمقارنة لفائدة قروض مؤسسات التمويل الدولية.

أما الشريحة الثالثة ذات الثلاثين عاما فهي تمثل الكارثة الأكبر حيث بلغت فائدتها 8.4 %، أي أن الفائدة ستبلغ 252 % من قيمة السندات البالغة 1.250مليار دولار، أي ستصل إلى حوالى 3 مليارات دولار.

ويقول الولي إنه عندما يشير مؤشر بلومبرغ إلى أن فائدة السندات السيادية بالأسواق الناشئة 4.9%، فهم يشير إلى مدى الغبن الذى تعرضت له مصر، ومدى المخاطر الموجودة بالاقتصاد المصري حتى يتم تسعير سنداته بتلك الفائدة المرتفعة.

وهنا تثور تساؤلات عديدة.. لماذا يتم طرح سندات مدتها 30 عاما وبفائدة ثابتة عالية، أليس من المتوقع تحسن الاقتصاد بعد عدد قليل من السنوات بحيث يمكنه الاقتراض وقتها بفائدة أقل؟ ولن نقول تحسنه بعد ستة أشهر –بحسب ما قال رئيس النظام عبد الفتاح السيسي- باعتباره موعدا مشكوكا في صحته تماما.

 

والغريب أن من ضمن السيناريوهات التي توقعها صندوق النقد الدولي بتقريره الأخير عن مصر، تراجع نسبة الفائدة إلى 8.5 % بالعام المالي 2021، أي بعد خمس سنوات، فكيف نرتبط بفائدة  8.4 % على قرض دولاري بنفس الفائدة لمدة 30 عاما؟

فلماذا إصدار فائدة مرتفعة ثابتة خلال 30 عاما؟ وكان لدينا تجربة السعودية التي وضعت هامشا يزيد عن فائدة أذون الخزانة الأمريكية، عند إصدار سنداتها في شهر أكتوبر الماضي، والذى بلغ 1.4% لسندات الخمس سنوات، و1.7 % لسندات العشر سنوات، وهامش 2.15 % لسندات الثلاثين عاما، بحيث تكون الفائدة متحركة وليست ثابتة.

إن مخاطر سعر الصرف يمكن أن تضاعف تكلفة القرض، بغض النظر عن سعر الفائدة به، فإذا نحن نضيف إلى مخاطر سعر الصرف فائدة عالية سخية لقروضنا عبر السندات  !

المزيد من السندات بالطريق                     

وفى ضوء إعلان صندوق النقد الدولي مؤخرا بلوغ فجوة التمويل المصرية 35 مليار دولار خلال السنوات الثلاثة القادمة ، فإن هذا يعنى الاستمرار فى الاقتراض الخارجي بأشكاله المختلفة  بنحو 12 مليار دولار على الأقل سنويا ، بل أن الصندوق يشير الى توقعه زيادة الدين الخارجي لمصر 18.4 مليار دولار بالعام المالي الحالي ، ثم زيادته بنحو 16.3 مليار دولار بالعام المالي القادم ، ثم ارتفاعه بنحو 12.6 مليار دولار بالعام المالي 2018 /2019 .

 

وهنا يزداد الخطر على الموازنة من تفاقم تكلفة الدين الخارجي والمحلى على حساب الاستثمارات والأجور والدعم،

ومع غياب أي دور للبرلمان الشكل والإعلام الموالي للنظام الحاكم على طول الخط ، تزداد خطورة إسقاط مصر في فخ الديون الخارجية ، في الاقتراض من العديد من الدول والبنوك الدولية والصناديق الاقليمية ، وها هو وزير المالية يعلن عن التخطيط لبيع سندات جديدة بالين الياباني واليوان الصيني بخلاف السندات الدولارية المقرر بيعها في يوليو/ تموز القادم !


إعلان