رويترز: تفاقم أوجاع المصريين بعد رفع أسعار الوقود

جاءت أحدث زيادة في أسعار الوقود في مصر لتصب الزيت على النار في وقت مازال فيه المصريون يحاولون التكيف مع موجة غلاء فاحش في الأسعار.

وأشعلت الزيادة الأخيرة في أسعار الوقود الغضب والإحباط بين مؤيدي الحكومة ومعارضيها على حد سواء.

وبدلا من الخروج للشوارع اليوم للاحتفال بذكرى 30 يونيو/حزيران، الذي شهد احتجاجات أسفرت عن عزل الرئيس محمد مرسي قبل أربع سنوات، لجأ المصريون لوسائل التواصل الاجتماعي للتعبير عن مشاعر الصدمة من القرارات الأخيرة التي أعلنت الخميس والتي تؤذن بمزيد من المعاناة وضيق العيش.

وتأتي أحدث زيادة لأسعار الوقود بنسب تصل إلى 100% في إطار برنامج إصلاح اقتصادي تطبقه الحكومة ضمن اتفاق مع صندوق النقد الدولي.

لكن الزيادات تأتي أيضا قبل عام من موعد الانتخابات الرئاسية التي يتوقع على نطاق واسع أن يرشح الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه فيها لفترة رئاسة ثانية.

ومن شعبية دفعت بالسيسي إلى سدة الحكم في 2014 بعد عام من انتهاء حكم الإخوان المسلمين بقيادة مرسي، توالت الأسباب التي أدت إلى تراجع شعبيته من مصاعب اقتصادية وتضييق هامش الحريات العامة إلى اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية التي دفعت بعض المصريين إلى اتهام السيسي بالتفريط في أرض مصرية بعد تنازل حكومته عن جزيرتي تيران وصنافير وفقا للاتفاق.

وتتباين آراء المحللين في مدى تأثير زيادات الأسعار على شعبية السيسي.

يقول حسن نافعة، المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة: “عندما تقارن التوقعات التي صاحبت مجيء السيسي للسلطة وما يحدث الآن تجد الفجوة كبيرة. أظن أن شعبية الرئيس بدأت تتآكل رويدا رويدا بسبب أخطاء فادحة آخرها زيادة أسعار الوقود”.

لكن حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية قال: “حالة التوتر أو الاستياء ستقف عند حد الحكومة ولن تتجاوزها إلى السيسي”.

وأضاف: “أقصى أماني أغلب المصريين تغيير الحكومة بحكومة أخرى تتعامل بشفافية وتجيد تفسير سياساتها”.

وفي غياب صوت المعارضة في وسائل الإعلام المرئية، تبارت القنوات التلفزيونية في تذكير المصريين بإنجازات السيسي فيما بدا لكثيرين انفصالا عن واقع الشارع المصري الذي بات ليلته مهموما مما تخبئه له الأيام ومتوجسا من موجة غلاء جديدة.

مرارة وسخرية ودعوات للاحتجاج

بدت المرارة الممزوجة بالسخرية واضحة في نبرة تعليقات كثيرة على فيسبوك وتويتر.

ولخص أحد التعليقات صدمة المصريين من زيادة سعر البنزين قائلا “بنك … يقدم ’قرض التفويل‘ (ملء خزان البنزين). فوّل سيارتك من أي محطة وقود الآن وسدد على خمس سنوات!”

بينما قال أحدهم “شعار المرحلة: واحشني بس البنزين حايشني (يمنعني من زيارتك)”.

أما السيسي فقد وجه الشكر والتحية للشعب على ما سماه “تفهم” القرارات الصعبة و”تحمل” عبء الإصلاح الاقتصادي.

وفي كلمة إلى الشعب في الذكرى الرابعة لمظاهرات 30 يونيو/حزيران، هنأ السيسي المصريين بالمناسبة وبما تحقق من إنجازات، دون أي إشارة لزيادة أسعار الوقود.

وأشاد بالشعب “الذي يتفهم بوعي وحكمة القرارات الصعبة التي يتعين اتخاذها، ويتحمل بشموخ وصبر مشاق الإصلاح الاقتصادي وأعبائه، ينظر إلى المستقبل بثقة، ويعلم علم اليقين أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا”.

الهجوم اللاذع على الحكومة واتهامها بتجاهل معاناة الناس لم يقف عند حد التعبير عن مشاعر الغضب والاستياء بل تعداه إلى دعوات للاحتجاج العلني على زيادة أسعار الوقود بإيقاف السيارات في الشوارع.

وتوقف عدد من السيارات بالفعل على كوبري 6 أكتوبر الذي يعد شريانا رئيسيا في القاهرة مساء يوم الخميس مما عرقل حركة السير لبعض الوقت احتجاجا على رفع الأسعار.

“نعيش إزاي!”

ويشكو مصريون من بين ملايين يعيشون تحت خط الفقر من إنهم قد لا يجدون قوت يومهم بعد زيادة أسعار الوقود مجددا.

وكان تهاوي قيمة الجنيه إلى النصف تقريبا مقابل العملات الأجنبية بفعل قرار التعويم وما صاحبه من زيادة في أسعار الوقود في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 قد أطلق العنان لموجة غلاء عاتية.

وقفز معدل التضخم السنوي إلى %32 في أبريل/نيسان مسجلا أعلى مستوى منذ 31 عاما قبل أن ينحسر قليلا في مايو/أيار.

وفي رد فعل سريع على قرارات الخميس، اندلعت مشاجرات بين ركاب وسائقي سيارات أجرة رفع بعضهم التعريفات بنسب وصلت إلى 80%. غير أن الحكومة وجهت المحافظين لاعتماد زيادات لا تتجاوز 20% في تعريفات الركوب.

واشتكى محمد أحمد، وهو عامل موسمي، من رفع سائقي سيارات الأجرة تعريفة الركوب بين مدينته بني سويف جنوبي القاهرة ومدينة السادس من أكتوبر غربي العاصمة من 18 جنيها (دولار واحد) إلى 28 جنيها (1.55 دولار).

وقال: “عندي أربع أولاد. أجيب منين؟ والله اللي بيحصل فينا دا حرام!”

ووصف البعض ما يحدث مع قفزات في نفقات المعيشة “بالموت البطيء”.

وقال السياسي الناصري حمدين صباحي الذي خسر أمام السيسي في انتخابات الرئاسة في 2014 في صفحته على فيسبوك: “إنها سلطة معادية للشعب… وتفقد ما تبقى من شعبية برفع الأسعار ورمي الناس بلا رحمة في جحيم الغلاء… الله وشعبنا يمهل ولا يهمل”.

ولتبرير الزيادة في الأسعار قالت الحكومة إن زيادة أسعار الوقود خفضت دعم المواد البترولية في موازنة السنة المالية 2017-2018 التي ستبدأ السبت من 145 مليار جنيه (8.05 مليار دولار) إلى 110 مليارات جنيه (6.1 مليار دولار).

وقال رئيس الوزراء شريف إسماعيل إن “تحريك” أسعار الوقود ضرورة” وإن “البديل سيكون أسوأ بكثير”.

وتقول الحكومة إنها تراعي البعد الاجتماعي وتدلل على ذلك بزيادة تقررت قبل أسابيع في دعم السلع التموينية للفقراء ورفع معاشات التقاعد بحد أدنى 150 جنيها (8.3 دولار) وحد أقصى 500 جنيه (27.7 دولار).

ويتفق الخبير الاقتصادي جلال الجوادي مع الحكومة في أن زيادة أسعار الطاقة ضرورية لخفض دعم المواد البترولية وبالتالي خفض العجز في الموازنة العامة للدولة.

لكنه يضيف قائلا” “المشكلة أن الخطوات متسارعة”.

وأثارت الزيادات الأخيرة حنق البعض حتى من مؤيدي الحكومة.

حيث قال رئيس لجنة الطاقة والبيئة في مجلس النواب طلعت السويدي إن وزير البترول لم يبلغ المجلس بنسب الزيادة في الأسعار قبل إعلانها، وإنه سيعترض رسميا على ذلك في المجلس.

وعاب السويدي، في حديث للصحفيين بالبرلمان، على الحكومة ما وصفه بالتقاعس عن اتخاذ إجراءات مسبقة لحماية الفقراء مما وصفه بمغالاة تجار في أسعار السلع ومغالاة سائقي سيارات الأجرة في التعريفات بعد زيادة أسعار الوقود.

وقال ياسر قورة مساعد رئيس حزب الوفد الليبرالي: “الحالة الاجتماعية والاقتصادية لا تسمح بمثل هذه الزيادات التي تتسبب في زيادات في جميع أسعار السلع والخدمات… الحكومة تضغط بشدة على المواطن الفقير والمواطن المتوسط الحال أيضا”.

وحذر سيد عبد العال، رئيس حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي اليساري، من انهيار اقتصادي جزئي أو كلي بعد زيادة أسعار الوقود.

إلا أنه قال: “موقفنا المؤيد للسيسي قائم كما هو. نخوض معا معركة واحدة ضد الإرهاب ونعمل معا على حماية الدولة ووحدة شعب مصر”.

وقال عبد العزيز الحسيني، أمين التنظيم في تيار الكرامة، وهو حزب قومي: “رفع أسعار الوقود يدفع مصر لمخاطر شديدة ويضع مؤشرات مرعبة لمستقبل الوطن في ظل أغلبية مسحوقة قابلة للانفجار”.

نادية السيد (55 سنة) أرملة وأم لأربع بنات تقول بمرارة: “احنا كده بنموت بالبطيء.. الأيام دي صعبة قوى… نعيش إزاي؟”

وبصوت جهوري غاضب قال عضو البرلمان السابق البدري فرغلي عبر الهاتف: “التوقيت خطأ والطريقة خطأ. القرار لم يراع الظروف السياسية التي تمر بها البلاد ولم يراع الأغلبية العظمى من الشعب. لم تعد هناك قدرة للإنسان على أن يواصل الحياة”.

ويضغط فرغلي منذ سنوات بصفته رئيسا لاتحاد فئوي من أجل زيادة معاشات التقاعد. وقال: “كنت من أوائل المؤيدين للسيسي في ثورة 30 يونيو لكني الآن لست مع سياسته ولا مع طريقة حكمه لنا”.

وأضاف: “كنا نحلم باستقرار اقتصادي وسياسي، لكن ما يحدث لنا بعيد تماما عن حلمنا. 30 يونيو ألف رحمة عليها”.

(الدولار = 18.05 جنيه مصري)

المصدر: رويترز

إعلان