“جنى” و”غزل” وجهان للتعامل مع الإهمال الطبي في مصر

واقعتان متتاليتان كشفتا عن واقع الخدمة الصحية في مصر، سواء في القطاع العام أو الخاص، وعن التناقض في التعامل الحكومي مع كل منهما.

الواقعة الأولى كانت وفاة الطفلة “جنى” ذات السنوات الست، الجمعة الماضية نتيجة ورم سرطاني في المخ، بعدما رفضت مستشفى “57357” المختصة في علاج السرطان، علاجها، وتعاملت بشكل سيء مع والدها.

يقول الوالد إن نجلته توفيت داخل الرعاية المركزة بمعهد الأورام القومي، بعد إجراء عملية جراحية لاستئصال ورم بمستشفى أبو الريش، مضيفا أنها كانت تحتاج إلى جلسات علاج كيماوي وإشعاع ذري ولا توجد هذه الإمكانات بأبو الريش، وتم تحويل الطفلة إلى معهد الأورام القومي، إلا أن قوائم الانتظار كانت طويلة.

كانت جنى قد فقدت الحركة والنطق بعد إجراء جراحة لاستئصال ورم بالمخ، وتعرضها لإهمال طبي بحسب والدها.

ونادى محمد فؤاد، مدير المركز المصري لحماية الحق في الدواء، بإنقاذ الطفلة قبل وفاتها، مضيفا أن جميع المستشفيات أكدت أن علاجها في مستشفى “٥٧٣٥٧”، وأن أباها ذهب بها إلى هناك للمرة الخامسة، وظل طوال اليوم منتظرًا أمام المستشفى ولم يستجيبوا له”.

وقال عضو برلماني سابق للجزيرة مباشر إن الجهات الحكومية لم تتحرك لمحاسبة المسؤولين عن وفاة جنى، ربما لفقرها، أو لكون والدها واحدا من عامة الشعب، أو لأن المتسبب في الوفاة مستشفى حكومي.

لكن أحد نواب البرلمان تقدم ببيان عاجل لوزير الصحة، للمطالبة بالكشف عن حقيقية ما حدث للرأي العام ومحاسبة المسؤولين في حالة وجود تقصير.

وقال النائب أحمد عبده الجزار في بيانه: “للأسف الشديد هناك حالة من الإهمال يعاني منها المواطن في جميع المستشفيات الحكومية، وهو شيء معلوم لوزير الصحة وجميع النواب”، مؤكدا أنه يتلقى مئات الشكاوى من المواطنين في الدائرة تشتكي من سوء المعاملة والإهمال في المستشفيات الحكومية.

وأشار إلى أنه تقدم بالعديد من طلبات الإحاطة والبيانات العاجلة ضد وزير الصحة الحالي للمطالبة بالنهوض بالمستشفيات الحكومية ولكن لم يكن هناك أي استجابة، مضيفا أن قطاع الصحة في مصر أصبح من أكبر قطاعات الفساد والإهمال في الدولة.

غزل

الواقعة الثانية كانت وفاة الراقصة غزل التي أجرت جراحة لتنظيف الرحم بعد وفاة الجنين الناتج من زواج عرفي فى بطنها نتيجة الإجهاض،  فأصيبت بنزيف حاد بعد الجراحة تسبب فى وفاتها، وأصدرت النيابة قرارا بضبط وإحضار مدير المستشفى والطبيبة التى أجرت العملية الجراحية و 3 ممرضات من الفريق الطبى المعالج، للتحقيق معهم حول الاتهامات التى أسندت إليهم وهي الإهمال الذى تسبب فى وفاة الراقصة والقتل الخطأ، وتم إلقاء القبض عليهم، وبعد التحقيقات تم إخلاء سبيل مدير المجمع الطبى وفريق التمريض بضمان الوظيفة، وإخلاء سبيل الطبيبة بكفالة 20 ألف جنيه.

كما تم إغلاق المجمع الطبى بعد إجراء معاينة من قبل النيابة، ولجنة منتدبة من وزارة الصحة، والتي أثبتت وجود مخالفات جسيمة بداخله مع عدم وجود تصاريح للعمل.

وتأتي الحادثتان بينما لم ينس المصريون  بعد قصة السيدة المصرية التي اضطرت إلى ولادة طفلها في الشارع بسبب رفض إدارة المستشفى إدخالها لعدم امتلاكها المال الكافي لعملية الولادة، فهي تشبه قصة جنى وقصص ملايين المصريين الذين يعانون من تردي الخدمات الصحية رغم الزيادات التي تعلنها الحكومات المتعاقبة في النسبة المخصصة لقطاع الصحة في الموازنة العامة للدولة.

وتسبب انقطاع الكهرباء عن مستشفى القصر العيني فى وفاة 24 طفلا فى حضانات مستشفى القصر العيني الفرنساوى، وسط تجاهل من المسؤولين الذين حاولوا نفي الحادثة ووصفوها بالإشاعة المغرضة أطلقها “أنصار الإخوان المسلمين” للنيل من السلطة الحالية، بحسب تصريحات مسئولي وزارة الصحة المصرية.

تراجع

يذكر أن مصر تراجعت إلى المركز 71 في مستوى الصحة عالمياً، وفق إحصاء منظمة الصحة العالمية لعام 2011.

وكشف تقرير صادرعن لجنة محلية لحقوق الإنسان في يونيو/ حزيران 2014، بالاستناد إلى إحصاءات “الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء”، أن نسبة الوفيات بالمستشفيات العامة بلغت 1% العام 2011.

ويموت نحو 2100 مصري سنويا نتيجة الإهمال الطبي، وتنظر النيابة العامة في 900 قضية إهمال ضد الأطباء سنوياً، بمعدل 3 قضايا يوميا، بحسب ما جاء في التقرير.

وفي مجال الرعاية الصحية جاء ترتيب مصر رقم 186 من بين 220  دولة لعام 2016.

وبحسب عضو في مجلس نقابة الأطباء المصرية، فإن الخدمات الصحية في مصر ليست جيدة، والمستشفيات الحكومية تقدم خدمات رديئة للمواطنين، فضلا عن النقص الشديد الذي تعانيه في الأجهزة الطبية والأدوية العلاجية ووسائل السلامة والنظافة والعناية بالمرضى.

نصوص معطلة

ويأتي هذا التردي رغم نص “دستور 2014″، في المادة 18 على أنه “لكل مواطنٍ الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية”.

كما ينص الدستور على أنه “يجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان في حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة“، ومع ذلك لم تلتزم الحكومة منذ إصدار الدستور بالنسبة المقررة للصحة أو التعليم في موازناتها.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان