انتخابات الجزائر.. بين رفض الشارع وإصرار السلطة
15/10/2019
ما إن أعلن رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح ضرورة استدعاء الهيئة الناخبة وانطلاق حملة مراجعة القوائم الانتخابية تأهبا للانتخابات الرئاسية حتى تعالت الأصوات بين معارض وداعم.
وتصدر الخلاف على إجراء الانتخابات من عدمه ساحات النقاش السياسي سواء كانت إعلامية أو شعبية في صفحات التواصل الاجتماعي وبين صفوف “الحراكيين”.
ماهية المعركة؟
- وجه الاختلاف وبؤرته يُجمِله متابعون في شرعية انتخابات ديسمبر/كانون الثاني 2019 القادمة، حيث يشكك معارضون في نزاهتها على اعتبار أن المشرفين عليها هم من فلول النظام السابق ومن المشاركين فيما يعتبرونه “تزويرا” للانتخابات في العشرين سنة الماضية، وعلى رأس هؤلاء الوزير الأول حاليا ووزير الداخلية الأسبق نورالدين بدوي.
- نقطة الخلاف الأخرى هي الشخصيات السياسية التي أعلنت ترشحها مؤخرا، وأبرزهم عبد المجيد تبون الوزير الأول الأسبق في عهد الرئيس المعزول عبد العزيز بوتفليقة وكذا علي بن فليس الوجه الأبرز في أغلب السباقات الانتخابية التي أجريت في العقدين الماضيين في الجزائر، أي طيلة حكم بوتفليقة، وهو ما يدفع الكثير من شباب الحراك إلى اعتبار أن قيادة الجيش تسعى لإعادة إنتاج النظام السابق بطريقة أو بأخرى.
هل يعود النظام السابق؟
- ترى حدة حزام مديرة صحيفة الفجر الجزائرية وإحدى الناشطات السياسيات، أن نظام بوتفليقة سقط فعليا بسقوط الشخصيات الأساسية التي كانت تمثله فسجن “الحراش” حاليا يقبع فيه رئيسا حكومة سابقان، وأكثر من 10 وزراء ومستشارين سابقين.
- لكن حزام تعتبر أن الأسماء التي تتصدر قوائم المترشحين للرئاسة حاليا هي شخصيات سياسية لها وزنها في الساحة الجزائرية، وعلاقتها مع النظام السابق أمر طبيعي، ولا يمنعها من خوض سباق الرئاسيات، فلا مجال ـ حسب حزام ـ للقول إن النظام يعيد إنتاج نفسه.
- بالمقابل يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر إسماعيل بومعراف، أن إعادة إنتاج النظام السابق لنفسه لا تقتصر على المترشحين فقط، بل على من يدير ويشرف على الانتخابات القادمة، فقايد صالح رئيس الأركان وعبد القادر بن صالح رئيس الدولة، ونورالدين بدوي الوزير الأول، والعديد من المسؤولين السامين والفرعيين الحاليين، هم نتاج نظام بوتفليقة ورموزه.
- يؤكد بومعراف أن ما يُتّهم به هؤلاء شعبيا من تزوير وعدم شفافية فيما سبق من مواعيد انتخابية، لا يتيح لهم أن يقودوا مرحلة جديدة من تاريخ الجزائر، فالمرحلة التي يريدها الجزائريون تشمل قطيعة تامة مع كل ما يمت لنظام بوتفليقة بصلة.
- يؤكد بومعراف أن كل محاولات قيادة الجيش للتشويش على الأصوات المعارضة لإجراء الانتخابات من قبيل التخويف بالتدخل الخارجي، وزعزعة استقرار البلد وإحلال الفتنة فيها، ما هي إلا أساليب عقيمة “مجترّة” عما كان يروج سابقا، تصديا لكل تحرك معارض للسلطة.
معركة الحراك والسلطة
- في ظل المعارضة التامة لمشروع السلطة الفعلية في الجزائر، والتي تتجسد أسبوعيا في شعارات المتظاهرين في قلب العاصمة ومحافظات أخرى عديدة، يسعى بالمقابل الإعلام الرسمي وحتى الخاص إلى الترويج لرؤية قيادة الأركان والتأكيد على أن مسار الانتخابات هو المخرج الوحيد للأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، ولحالة الفراغ والانسداد السياسي.
- حيث يرى الناشط المدني حازم عيساوي أن الغياب شبه التام للتغطية الإعلامية لمظاهرات، الجمعة، وإقصاء الوجوه والشخصيات المدنية والسياسية المعارضة من الساحة، ما هو إلا تعتيم إعلامي تمارسه السلطة لإبعاد الحراك من بؤرة التركيز، وتصدير دعاوى مؤيدي الانتخابات وقرارات السلطة إلى الواجهة.
- يرى عيساوي أن الاعتقالات المستمرة للناشطين الإعلاميين، والتضييق على مراسلي وصحفيي القنوات والصحف والمواقع الأجنبية الناقلة لفعاليات الحراك وصوته، يعتبر انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان وحرية التعبير، وسلوكيات سلطوية تؤكد على عدم نزاهة وصدق دعاوى من يدير البلاد حاليا، وهم الذين يكررون في كل مناسبة أن السلطة والأجهزة الأمنية مرافقة للحراك وحريصة على تنفيذ رغبة الجزائريين في التغيير.
هل يبطل الحراك الانتخابات؟
- مع استمرار المظاهرات والاحتجاجات كل، يوم جمعة، تزداد حدة المواجهات ميدانيا وسياسيا، فالسلطة الحاكمة حاليا مصرة على مواقفها ومسارها، والحراك في الشارع لم يتراجع عن مطالبه الأساسية وعلى رأسها رحيل كل رموز النظام السابق؛ وفي ظل هذه الأجواء المحتقنة تتسع الهوة بين الشعب والسلطة.
- حسبما أوضحته الصحفية والناشطة السياسية حدة حزام، فإن العلاقة بين الطرفين غير ودية تماما، وهو ما يدفع الطرفين يوما بعد يوم إلى التمسك بالمطالب والمسارات التي اختارها كل منهما.
- أضافت حزام أن خروج الجماهير أسبوعيا يقف حائلا بين السلطة والانتخابات، بل ويعِد بتعطيلها وإفقادها شرعيتها الشعبية، خاصة مع انتشار دعوات مقاطعة الانتخابات القادمة وعدم الاعتراف بها، واتهام مرشحيها بموالاة النظام السابق وتقوية أركانه من جديد.
- لكن مع ذلك ترى حزام أن السلطة تمتلك كل الوسائل الناعمة والخشنة من إعلام وانتشار أمني، وقوانين رادعة، تقف بصرامة أمام أي تحرك قد يعرقل إجراء الانتخابات في موعدها ناهيك عن إبطالها، فالسلطة حسب حزام تسير بخطى ثابتة نحو تمرير الانتخابات الرئاسية مهما كان حجم الرفض الشعبي كل يوم جمعة في الميادين.
- في هذا الإطار يرى بومعراف أن القبضة الأمنية ستشتد أكثر في الأيام القادمة، ضد قياديي الحراك، وضد التغطية الإعلامية له، وأن الجهات الأمنية لن تتورع من ارتكاب انتهاكات في حق المتظاهرين سواء بالضرب أو الاعتقال والإهانة في المراكز الأمنية وهو ما تثبته العديد من الحالات والشواهد التي حدثت في الأسابيع الماضية.
- ورغم هذا كله يؤمن العديد من الفاعلين في الساحة السياسيّة، والنشطاء في الحراك الشعبي، أنّ المظاهرات الأسبوعية والزخم الذي تحدثه، تستطيع الصمود في وجه كل التضيق الأمني والحصار الإعلامي، ما يعني الوقوف أمام مسار الانتخابات القادمة، المزمع إجراؤها في ديسمبر/كانون الثاني المقبل.
المصدر : الجزيرة مباشر