نهاية الرجل الغامض: البغدادي رحلة بين القاعدة والخلافة

27/10/2019
تجزم الولايات المتحدة بأنها قتلت أمير تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي، وهو جزم لا يجد ما ينفيه، حيث لم يصدر حتى الآن أي نفي عن التنظيم الذي تزعمه البغدادي طيلة تسع سنوات.
استطاع البغدادي خلال السنوات الماضية أن يكون الاسم الأكثر “رعبا وإثارة في منطقة الشرق الأوسط إن لم يكن العالم كله”.
بمقتل أبي بكر البغدادي تنهي واشنطن حياة واحد من أبرز خصومها، وأهم المطلوبين لها خلال السنوات الأخيرة، حيث رصدت لمن يدلي بمعلومات عنه جائزة بقيمة 25 مليون دولار.
الحسيني الرياضي
- ولد إبراهيم عواد إبراهيم السامرائي البدري المعروف بالبغدادي في مدينة سامراء سنة 1971، لأسرة متدينة، وتخصص في تجويد القرآن الكريم، حيث كان إماما في بغداد لمدة أربعة عشر عاما، وغادرها بسبب خصام مع باني المسجد وسكان الحي وفق ما هو متداول من سيرته الغامضة والقليلة المصادر.
- ينتمي البغدادي إلى عشيرة آل البدري التي ينتهي نسبها المعلن إلى الصحابي الجليل حفيد النبي صلى الله عليه وسلم الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
- لكن البغدادي لم يكن شيعيا، بل اختار التوجه السلفي وأذاق بعض التنظيمات والجماعات السلفية مر التفجيرات والاغتيالات.
- تفيد بعض المصادر أنه انتقل إلى العاصمة بغداد في سن الثامنة عشرة، وحصل على شهادته الجامعية الأولى والماجستير من جامعة العلوم الإسلامية، ثم حصل على الدكتوراه في القانون الإسلامي من الجامعة ذاتها في عام 2000، في حين تشكك مصادر أخرى في ذلك وتؤكد أن الرجل لم يدرس العلوم الشرعية قطْ.
- نقلت وسائل إعلام عن سكان منطقة البغدادي أنه كان أفضل لاعب كرة قدم ضمن فريق المسجد، وكانت هي الرياضة الوحيدة تقريبًا التي يمارسها.
- وتذكر بعض وسائل الإعلام أن الجيش العراقي أعفى أبا بكر البغدادي من التجنيد الإجباري مطلع التسعينيات، وذلك بسبب “قصور في النظر” كان يعاني منه، لكن موازين الأقدار تحركت في حياة الرجل، وجعلته قائدا ومقاتلا لأبرز التنظيمات العسكرية الإسلامية التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين.
من القاعدة إلى تنظيم الدولة
- لا يعرف الكثير عن المراحل التأسيسية في حياة البغدادي، لكن المؤكد أنه برز كأحد الشخصيات القيادية في تنظيم التوحيد والجهاد الذي أسسه الأردني أبو مصعب الزرقاوي والذي تحول بعد ذلك إلى فرع لتنظيم القاعدة في بلاد العراق.
- وظل البغدادي ينشط ضمن الكتائب القتالية في تنظيم القاعدة إلى حين اعتقاله على يد القوات الأمريكية في 2006 لمدة أربع سنوات.
- لكن بعض التقارير الإخبارية التي ينشرها مناصرون للبغدادي تؤكد أنه كان عضوا في مجالس علمية واستشارية تابعة لعدد من التنظيمات المقاتلة في العراق والمحسوبة على أهل السنة ومن بينها مجلس شورى المجاهدين في العراق، وجيش أهل السنة والجماعة.
التمدد والتوسع
- أسس أبو بكر البغدادي تنظيم الدولة بديلا عن القاعدة، وذلك عقب اغتيال أميرها أسامة بن لادن، حيث رفض البغدادي مبايعة زعيم القاعدة أيمن الظواهري.
- وأعلن عن نيته الانتقام لابن لادن بتنفيذ 100 عملية ضد المصالح الأمريكية.
- وقبل ذلك انتهز البغدادي فرصة اندلاع الثورة السورية ضد الرئيس بشار الأسد 2011، فأرسل مساعده أبا محمد الجولاني إلى سوريا لكي يوجد لتنظيم القاعدة موطئ قدم هناك، وشكل “جبهة النصرة” التي أعلنت عن نفسها بسلسلة تفجيرات فباتت رقما صعبا ضمن المعارضة المسلحة التي تقاتل نظام الأسد.
- وفي التاسع من أبريل/نيسان 2011، ظهر تسجيل صوتي منسوب للبغدادي أكد فيه أن جبهة النصرة في سوريا هي امتداد لدولة العراق الإسلامية، وأعلن توحيد اسميْ “جبهة النصرة” و”دولة العراق الإسلامية” تحت اسم واحد هو “الدولة الإسلامية في العراق والشام”.
- ومع الزمن تسارع نفوذ وقوة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، قبل أن تتوسع لاحقا إلى سوريا مع القيادي التنظيم الدولة أبو محمد الجولاني الذي أسس تنظيم النصرة، ورفض لاحقا تبعيتها للبغدادي لتبدأ حرب واسعة بين الطرفين استنزفت كثيرا من الأرواح والوسائل ودمرت مناطق واسعة من العراق وسوريا.
- وكانت المحطة الأكثر أهمية في حياة البغدادي في العام 2014 حين أعلن تنظيم الدولة يوم 29 من يونيو/حزيران 2014 قيام ما وصفها بـ “الخلافة الإسلامية”، وتنصيب أبو بكر البغدادي “إماما وخليفة للمسلمين في كل مكان”، ودعا ما سماها “الفصائل الجهادية” في مختلف أنحاء العالم إلى مبايعته.
- ظهر البغدادي لأول مرة بشكل علني خطيبا يوم الجمعة 4 من يوليو/تموز 2014 على منبر المسجد الكبير في مدينة الموصل خلال شريط مصور بثه تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن الحكومة العراقية شككت في صحة التسجيل قائلة إن البغدادي أصيب في غارة جوية وإنه يتلقى العلاج في مكان مجهول بسوريا.
مسار طويل من المطاردات
- في حياة البغدادي وخصوصا العشرية الأخيرة من عمره مسار حافل بالمطاردات، حيث أعلنت واشنطن جائزة لمن يدلي بمعلومات عنه، وأعلنت مصادر مقربة من حكومة بغداد أكثر من مرة عن اعتقاله أو اغتياله ليتبين لاحقا أن الأمر غير دقيق.
- وظل تحديد موقع وجود البغدادي الشغل الشاغل للولايات المتحدة الأمريكية طوال السنوات الماضية، خصوصا بعد أن استطاعت القوات العراقية مدعومة بالتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة كسر شوكة التنظيم في معظم مناطق العراق وإبعاده عن مراكز نفوذه في الموصل بعد أن احتلها سنة 2013، وظهر البغدادي وهو يلقي خطبته المشهورة، ويطل من على منبر جامعها العريق على العالم في أول خروج إعلامي له لإعلان قيام الخلافة الإسلامية.

بين البغدادي وبن لادن
- استطاع البغدادي أن يأخذ زخما كبيرا في حياته وكذلك بعد موته، وتشابهت النهايات بينه وبين مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وإن اختلفت البدايات، فإذا كان ابن لادن ابن أسرة ثرية وتاجرا موسرا اختار أن يتجه إلى المواجهة العنيفة مع الولايات المتحدة، فإن البغدادي كان شخصا مغمورا جدا وفقيرا ولم يشتهر قبل مقتل ابن لادن.
- عاش الرجلان أيضا مرحلة مطاردة قوية، وتراجعا شديدا في قوة تنظميهما، وانتهى بهما المطاف إلى الاختباء في مناطق غير متوقعة، مع اعتقال عدد من المقربين منهما.
- تولت المخابرات الأمريكية ونظيراتها الإقليمية، متابعة الرجلين والبحث عنهما في كل الأمكنة المفترضة، وتمت تصفيتهما بمتابعة وتنسيق من الرئيسين الأمريكي باراك أوباما، ودونالد ترمب.
- اشترك الرجلان أيضا في القتال حتى آخر لحظة، حين هوجما ليلا في مخبأيهما من طرف وحدة أمريكية خاصة، فيما أنهى البغدادي حياته بنفسه، حيث قام بتفجير سترته الناسفة، وفق إحدى الروايات المتداولة حتى الآن.
المصدر : الجزيرة مباشر