حصون من رمال (3).. كيف أصبحت السعودية في أضعف حالاتها الدفاعية؟

الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت مع الملك عبد العزيز آل سعود على متن السفينة الأمريكية كوينسي

تلجأ السعودية لمعالجة انكشافها الجغرافي إلى طريقتين يمكن أن تحمي بهما سيادتها على أراضيها وتحافظ على تأمين تجارة النفط فيها. وهما:

  1. الاستعانة بالقوات الأمريكية لحماية التراب والنفط السعودي.
  2. دعم الحركات المناهضة لإيران للقيام بالحرب بالوكالة في الدول المحيطة.
العلاقات السعودية الأمريكية
  • التقى الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في 14 فبراير/ شباط 1945 بالملك عبد العزيز على ظهر البارجة الامريكية كوينسي في الخليج. ووافق الملك السعودي على طلب الرئيس الأمريكي بالسماح للقوة الجوية الأمريكية بتأسيس قواعد لها في السعودية، كما أعيد بناء المنشآت النفطية التي تضررت بالقصف الإيطالي خلال الحرب العالمية الثانية، وأصبحت تتمتع بحماية أمريكية.
  • في عام 1951، وبموجب اتفاقية دفاعية مشتركة وقعها البلدان، أسست الولايات المتحدة بعثة تدريب عسكرية دائمة في السعودية.
  • في عام 1962، هاجمت القوات المصرية الأراضي السعودية من اليمن إبان الثورة اليمنية، نتيجة ما وصف بالدعاية المضادة للثورة التي كان السعوديون يبثونها. حدا ذلك بالرئيس الأمريكي كنيدي الى ارسال طائرات حربية أمريكية إلى المنطقة في يوليو/ تموز 1963 لدعم القوات السعودية.
  • في عام 1975، وقع الجانبان على اتفاقات عسكرية بلغت قيمتها ملياري دولار تضمنت تزويد السعودية بـ 60 طائرة مقاتلة.
  • في يناير/ كانون الثاني 1979، أرسلت الولايات المتحدة طائرات مقاتلة إلى السعودية “للدفاع عنها ضد الشيوعية”. وكان البلدان في ذلك الحين يساندان القوى الإسلامية في أفغانستان.
  • بعد انتهاء الحرب الباردة عام 1989، ازدهر التعاون بين البلدين، إذ حولت السعودية 100 مليار دولار إلى الولايات المتحدة لقاء المشروعات التي تنفذها الشركات الأمريكية في السعودية، والبعثات الدراسية للطلبة السعوديين في الجامعات الأمريكية.
  • تعززت العلاقة بين البلدين بشكل كبير عقب الاحتلال العراقي للكويت وحرب الخليج. وأرسل الأمريكيون أكثر من نصف مليون من جنودهم إلى السعودية لمساعدتها في درء غزو عراقي مزعوم وتحرير الكويت لاحقا.
  • تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بحماية السعودية ضد أعدائها، وذلك مقابل صفقات السلاح الملياريّة التي بلغت 450 مليارا والتي أعلن عنها بعد قمة الرياض في شهر مايو/ أيار 2017.

حصون من رمال: الجغرافيا السياسية للسعودية (الحلقة الأولى)

ويمكن القول إن السعودية تعوّل على تقديم أمريكا الدعم والحماية لها، مقابل ما تدفعه من الأموال الطائلة.

بيد أن هذه العلاقة لا يمكن أن تشكّل استراتيجية بعيدة المدى يقوم عليها تأمين البلاد لسببين:

  • فهي مرهونة أولًا باستفادة الولايات المتحدة من النفط السعودي، ومتى استطاعت الولايات المتحدة الاستقلال بنفطها، فلن تعود بحاجة في الاستمرار في هذه العلاقة الدفاعيّة.
  • أما ثانيًا، أن الولايات المتحدة كثيرا ما تتخلف عن الوفاء بوعودها عن حماية السعودية إذا تعارضت مع مصالحها الاستراتيجية، ويتضح هذا بتخلّفها عن الرد على هجمات إيران على المصافي السعودية في سبتمبر/ أيلول الماضي، وذلك لسياسة ترمب الانسحابية من الشرق الأوسط، وثانيا لاقتراب الانتخابات الأمريكية التي يحرص فيها الرئيس أن يدخلها بدون المخاطرة بتوريط نفسه في حرب جديدة.
تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بحماية السعودية مقابل صفقات السلاح المليارية
العراق
  • كانت السعودية ترى في العراق بوابة لصد العدو الإيراني. فكانت استراتيجيتها تدفعها لدعم الحكومة العراقية لتقوم بدور حماية حدودها الشرقية. وقد اتخذ هذا الدعم عدة أشكال، بينها المنح الحكومية التي لا تسترد، أو القروض الميسرة والتجارية، وصولا إلى المساعدات اللوجستية لبيع النفط العراقي في الخارج واستخدام الموانئ الخليجية لإيصال البضائع بجميع أنواعها إلى العراق.
  • خلال حرب العراق مع إيران التي اندلعت عام 1980، ساندت السعودية والدول الخليجية العراق، ماليًا واقتصاديًا، حتى بلغت بعض التقديرات لهذه المساعدات 50 مليار دولار.
  • ازداد هذا الدعم مع تراجع القوات العراقية في 1984 عندما وصلت القوات الإيرانية إلى نقاط جعلت بغداد في مرمى المدفعية الإيرانية.
  • بعد نهاية الحرب الإيرانية العراقية، شنّ صدام حربا على الكويت واتجه نحو الأراضي السعوديّة، فاستغاثت السعودية بالقوات الأمريكية والتي استطاعت تحرير الكويت ورد التقدّم العراقي باتجاه السعودية في 1990.
  • استمرت العلاقات متوترة بين السعودية والعراق، حتى الغزو الأمريكي 2003، ولسوء إدارة السعودية للخلاف العراقي السعودي، فقدت السعودية العراق الذي تركته القوات الأمريكية لقمةً سائغة للنفوذ الإيراني من خلال مليشياتها الشيعية.
فقدت السعودية العراق الذي تركته القوات الأمريكية لقمةً سائغة للنفوذ الإيراني من خلال مليشياتها الشيعية
لبنان
  • كانت لبنان من مراكز النزاع بين السعودية وإيران. فبعد انشاء حزب الله كمليشيا على أيدي قوات الحرس الثوري الإيراني بداية الثمانينيات، أخذت السعودية في دعم رفيق الحريري كممثل للسنة في لبنان.
  • تعود علاقة الحريري مع السعودية إلى نهاية الستينيات، حين جاء إلى السعودية كمعلّم، ثم دخل إلى عالم الأعمال مع الحكومة ببنائه لفندق للملك خالد في الطائف، وتأسيسه شركة المقاولات الكبيرة سعودي أوجيه.
  • خلف سعد الحريري منصب والده، ولكن بفعّالية أقل؛ فقد أصبح حزب الله الحاكم الفعلي للقرار السياسي في لبنان، مما أزعج الحكومة السعودية ودفع ولي العهد محمد بن سلمان إلى استدعائه واحتجازه في الرياض حيث أعلن استقالته في سابقة دوليّة.
كان رفيق الحريري يؤدي دورًا جيدًا في معارضة أجندة إيران في لبنان قبل اغتياله عام 2005
سوريا
  • كان موقف السعودية في الثورة السورية مضطربًا، في البداية دعمت الرياض الحكومة السورية بوضع 4 مليارات دولار في البنك المركزي السوري لوأد الثورة.
  • رأت السعودية لاحقًا أن الثورة السورية تشكّل فرصة مواتية لكسر المحور الذي تشكله سوريا مع إيران وحزب الله، وتقليم أظافر إيران في المنطقة. فأخذت بدعم المجموعات المسلحة السلفية دعمًا سخيًا للتخلص من نظام الأسد وحلفائه.
  • لكن بسبب سوء إدارة الملف، وتشتت الدعم، وغياب الخطاب السياسي المساعد للعمل الميداني، خسرت السعودية الرهان، وتركت المجال لإيران لتمد جسرًا بريًا بين أراضيها مرورًا بالعراق وسوريا وانتهاء بلبنان.
اليمن
  • بعد أشهر من انقلاب مليشيا الحوثي على الحكومة الشرعية في اليمن والسيطرة على العاصمة صنعاء وطرد الحكومة الشرعية في أغسطس/ آب 2014، استفاقت الحكومة السعودية على وجود مليشيا شيعية عقائدية، ذات صلة مباشرة بإيران على حدودها الجنوبية، فأطلقت حملة عسكرية على الحوثيين تحت اسم “عاصفة الحزم” في مارس/ آذار 2015.
  • رغم كل الدعاية التي صحبتها من أن الحملة لن تستغرق وقتًا طويلًا وستحقق أهدافها التي تتلخص في القضاء على الحوثيين، إلا أنه وبعد أربعة أعوام من انطلاق الحرب، مازال الحوثي مسيطرًا على الأوضاع في اليمن، ويشكل خطرًا حقيقيا على التراب السعودي، بعد وصول صواريخه للعاصمة الرياض ولمصافي النفط في المنطقة الشرقية، خُتمت بعملية نوعية بعد استهداف طائرات مسيّرة لحقلي خريص وبقيق في شهر سبتمبر/ أيلول من العام الجاري، وأعلن الحوثي عن مسؤوليته عنها.
  • بالنظر إلى جميع هذه المناطق التي خاضت فيها السعودية حروبًا بالوكالة ضد إيران، نجد أن السعودية خسرت نفوذها مقابل الحضور الإيراني. فتغوّل الدور الإيراني في الهلال الخصيب في شمال المملكة وحضورها الممثل بمليشيا الحوثي في اليمن، يجعل السعودية في أضعف الأوضاع الدفاعية التي لم تشهدها البلاد عبر تاريخها منذ تأسيسها عام 1932.

حصون من رمال.. السعودية والجغرافيا المكشوفة (الحلقة الثانية)

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان