مع استمرار الحراك الشعبي.. بوتفليقة بين عزلتين

Published On 21/3/2019
بعد عزلة شعبية سببها انتفاضة متواصلة منذ أسابيع، يواجه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عزلة سياسية بعد ركوب أحزاب ومنظمات، ظلت ركيزته في الحكم، موجة التغيير.
التفاصيل
- يعيش أكثر رؤساء الجزائر مكوثا في الحكم، ما يشبه “عزلة” شعبية وسياسية غير مسبوقة منذ توليه مقاليد الرئاسة عام 1999، وذلك على بعد 37 يوما من انتهاء ولايته الرابعة قانونيا في 28 أبريل/ نيسان القادم، في ظل رفض لعرضه بتمديد عهدته لإقامة “إصلاحات”.
- منذ 22 فبراير/ شباط تعيش البلاد على وقع انتفاضة شعبية اندلعت بشكل مفاجئ بعد ترسيم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، ورغم تراجعه عن خوض السباق وتأجيله، يرفض المحتجون أن يشارك مع نظامه في الإشراف على المرحلة القادمة.
- قدم بوتفليقة في عدة رسائل للجزائريين ورقة طريق، تبدأ بتمديد ولايته من أجل تنظيم مؤتمر حوار جامع يقود إلى تعديل دستوري عميق، وتنظيم انتخابات رئاسة لن يترشح فيها، لكن الشارع والمعارضة رفضاها “باعتبارها محاولة التفاف على مطالب تغيير النظام”.
- إلى جانب ذلك، تشير المعلومات المتداولة في الجزائر إلى أن رئيس الوزراء المكلف، نور الدين بدوي، وجد نفسه في مهمة “شبه مستحيلة” لتشكيل طاقم كفاءات كما قال، كون أغلب الأحزاب المعارضة والنقابات رفضت حتى عقد لقاءات تشاور معه.
- مقابل ذلك تطورت مواقف الجيش الذي يعد أهم ركائز الدولة بشكل مضطرد، من التحذير من انحراف المظاهرات، إلى الإشادة بها، وفي النهاية إعلان واضح عن الوقوف إلى جانب الشعب والاستعداد لحمايته، والمطالبة بحل عاجل للوضع القائم.
- انعكست مواقف المؤسسة العسكرية في تصريحات متتالية لقائد أركان الجيش، الفريق قايد صالح، خلال زيارات للمناطق العسكرية، كان المثير للانتباه فيها مؤخرا، تفاديه ذكر عبارة “فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة قائد القوات المسلحة” التي كانت لا تخلو خطاباته منها سابقا.

الموالاة تغير خط سيرها
- خلال الساعات الماضية، تسارعت الأحداث على مستوى الأحزاب والمنظمات الموالية لبوتفليقة، بظهور نبرة “تغير” مكشوفة في المواقف نحو دعم الحراك الشعبي.
- أمس الأول، فجر شهاب صديق، الناطق باسم التجمع الوطني الديمقراطي (حزب رئيس الوزراء المستقيل أحمد أويحيى) ما وصف بـ”القنبلة” في حوار مع قناة تلفزيونية محلية، عندما اعتبر ترشح بوتفليقة خطأ وانعدام بصيرة.
- رغم أن حزبه عاد ونشر توضيحا يقول إن الرجل تعرض لاستفزاز خلال الحوار، إلا أن الأمين العام للحزب أحمد أويحيى سبق هذه التصريحات أيضا برسالة يدعو صراحة إلى “الاستجابة لمطالب الشعب في أقرب وقت”.
- نفس الخطوة اتخذها الحزب الحاكم، أمس الأربعاء عندما صرح منسقه العام، معاذ بوشارب، لأول مرة أن حزبه “يساند وبصفة مطلقة الحراك الشعبي” وهي عبارة تحمل نبرة تحول كبيرة في خطابه تحت تصفيقات كوادر الحزب في رسالة عن ارتياحهم للقرار.
- يعيش الحزبان خلال الأيام الأخيرة ضغطا داخليا كبيرا من الكوادر على القيادة لتعديل موقفهما من الحراك، تجلى ذلك في استقالات وعرائض تطالب بتغيير القيادة أيضا.
- يعيش الاتحاد العام للعمال الجزائريين (أكبر نقابة في البلاد) نزيفا داخليا، حيث لا تتوقف بيانات انشقاق في صفوفه من قبل فروع محلية، احتجاجا على تواصل دعمه لبوتفليقة.
- يعيش منتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تنظيم لرجال الأعمال) الذي يقوده علي حداد، المقرب من المحيط الرئاسي، على وقع استقالات متتالية، اضطرت رئيسه إلى تحديد نهاية مارس/آذار الجاري موعدا لعقد اجتماع مجلسه التنفيذي، للنظر في الوضع وسط توقعات بتقديم استقالته.
- عشرات من شيوخ الطرق الصوفية التي كانت أهم وعاء ديني رافق بوتفليقة منذ وصوله إلى الحكم العام 1999 أعلنت بدورها أمس الأربعاء، دعمها للحراك وطالبت بحلول دستورية بعيدا عن الفوضى، وكذا حفظ كرامة رئيس الجمهورية في تلميح إلى نهاية حكمه.

انقلاب على بوتفليقة
- جاءت هذه التحولات في بيت الموالاة بالتزامن مع نشر صحيفة النهار المقربة من الرئاسة قبل يومين خبرا مفاده أن الرئيس اختار المغادرة مع نهاية ولايته في 28 أبريل/ نيسان بعد رفض ورقته للحل.
- نفس الصحيفة عنونت اليوم تقريرا لها بشأن ما سجل من مواقف في صفوف الموالاة بـ”ليلة الانقلاب على بوتفليقة” ونفس التعليق أيضا نقلته صحف أخرى على غرار “تفكك حلف بوتفليقة”، و”الموالاة تترك بوتفليقة وتغرق”.
- عجت شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت أيضا بتعليقات عن هذه التطورات، تدور في فلك الحديث عن “قفز” الموالين من “سفينة غارقة” وتخلي المنتفعين من فترة حكم بوتفليقة عنه، مع تحذيرات من “اختراقهم للحراك”.

انتفاضات سابقة
منذ استقلالها عن فرنسا، في 5 يوليو / تموز 1962، عرفت الجزائر محطات مفصلية صنعها الشعب في الشارع، واستطاع بعضها تغيير توجهات سياسية للبلد، بينما فشلت في إحداث تغيير جذري لنظام الحكم.
- في 20 أبريل / نيسان 1980، بدأت المسيرات الاحتجاجية تظهر في الجزائر، حين شهدت منطقة القبائل (شرق)احتجاجات رفعت مطالب تتعلق أساسا بالهوية الأمازيغية، لكنها لم تأخذ بعدا وطنيا.
- في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد (1979-1992) عرفت الجزائر انفجارا شعبيا تجاوز المظاهرات، وسُمي في الذاكرة الجماعية بـ”أحداث 8 أكتوبر 1988″. وأجمع مؤرخون وساسة على أنها نقلت الجزائر من حكم الحزب الواحد، وهو “جبهة التحرير الوطني” الحاكم، إلى التعددية السياسية والإعلامية، بعد إقرار أول دستور تعددي، في 23 فبراير / شباط 1989.
- حقق حزب “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” الذي قاده عباس مدني، نتائج مبهرة في انتخابات بلدية أجريت في يونيو/ حزيران 1990. هذا الفوز الساحق دفع الدولة إلى تغيير قانون الانتخابات، منتصف 1991، وهو ما لم تتقبله الجبهة، فنظمت احتجاجات وإضرابات.
- حقق حزب “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” الذي قاده عباسي مدني الفوز في انتخابات بلدية ونيابية، أجريت عامي 1990 و1991، لتتسارع الأحداث، ويتم حل البرلمان القديم، ليعلن المجلس الأعلى للأمن، في اليوم التالي، وقف المسار الانتخابي. وردت الجبهة الإسلامية بمظاهرات رافضة لما أسمته “الانقلاب على مسار التغيير”، تحولت سريعا إلى أزمة أمنية خطيرة سُميت بـ”العشرية السوداء”، وراح ضحيتها 200 ألف قتيل وخسائر اقتصادية بـ30 مليار دولار، وفق تقديرات رسمية.
- عام 2001 تطورت مظاهرات للأمازيغ تطالب بالاعتراف بلغتهم وهويتهم إلى مظاهرات ضخمة وصلت العاصمة واعتُبرت أول وأضخم مسيرة شعبية ضد حكم بوتفليقة، الذي انتخب عام 1999، وانتهت بتعديل جزئي للدستور، في 2002، جعل الأمازيغية لغة وطنية.
- مطلع يناير/ كانون الثاني 2011، وقعت أحداث ما تسمى بـ”أحداث الزيت والسكر” بالتزامن مع بدايات موجة “الربيع العربي”، التي أطاحت بأنظمة حاكمة في دول عربية. وانطلقت احتجاجا على رفع سعر الزيت والسكر، وهما المادتان الأساسيتان اللتان تدعم الحكومة أسعارهما. وخلفت أعمال العنف ستة قتلى، وشكل البرلمان لجنة تحقيق لمعرفة أسباب الأحداث، غير أن تقريرها النهائي ما يزال حبيس الأدراج، ولم ينشر للرأي العام.
المصدر: وكالات