هل تحمي “المتاريس” الثورة وميدان الاعتصام في السودان؟!

شيد المعتصمون أمام قيادة الجيش حواجز حجرية للحيلولة دون فضه بواسطة القوات الأمنية.

الناظر إلى المشهد السياسي السوداني، يلحظ أن العلاقة بين المجلس العسكري، وقوى إعلان الحرية والتغيير، تعيش حالة من الفتور يصل إلى الجفاء، رغم تأكيدات المجلس أنه ماض في التفاوض.

تباين في المواقف

من يتأمل ذلك المشهد، فسوف يصل إلى قناعة راسخة بأن الهِزة التي شهدتها علاقة المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، تعود إلى اختلاف الرؤى بخصوص “المتاريس” المنصوبة حول مقر الاعتصام، بالقيادة العامة للقوات المسلحة السودانية.
ومفردة “المتاريس” التي يجري تداولها بصورة مكثفة في المشهد السوداني حالياً، تعني الحواجز الحجرية التي يقوم الثوار بتشييدها، حول مقر الاعتصام للحيلولة دون فضه بواسطة القوات الأمنية.
الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الفريق شمس الدين كباشي، أكد أمس، توصلهم لاتفاق مع قوى إعلان الحرية والتغيير، لإزالة المتاريس وفتح الكباري المحيطة بمقر الاعتصام.
لكن سرعان ما أصدرت تلك القوى بياناً نفت فيه قطيعاً، وجود نية لإزالة المتاريس، وشددت في بيان لها على أن تلك المتاريس نُصبت وشُيِّدت بدماء الشهداء، وأن قرار إزالتها بيد الثوار وحدهم، ودعت المعتصمين – رسمياً – لبناء متاريس جديدة، لصد أي محاولة محتملة لفض الاعتصام.
هنا يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية منتصر زروق، إن بيان قوى إعلان الحرية والتغيير أوجد حالة من الارتباك، لأنه تعارض مع تصريحات صديق يوسف القيادي في تلك المنظومة وأحد المتفاوضين باسم الثوار، والذي أكد توصلهم لاتفاق مع المجلس العسكري لفتح الكباري حول مقر الاعتصام، بما يسمح بحرية وانسياب الحركة في الخرطوم التي تشهد تكدساً غير مسبوق.
“زروق” أشار في حديثه لـ “الجزيرة مباشر” إلى أن التباين في مواقف قوى إعلان الحرية والتغيير جعلها تبدو في حالة من الارتباك، ما أعطى المجلس العسكري الانتقالي دفعة معنوية.

وعيد وتهديدات

بدوره، عقد المجلس العسكري مؤتمراً صحفياً اليوم الثلاثاء، عزز من خلاله تصريحاته السابقة حول اتفاقه مع قوى إعلان الحرية والتغيير لفض المتاريس، حيث قام بالكشف – رسمياً – عن أسماء ناشطين قال إن قوى إعلان الحرية والتغيير، رشّحتهم لإنجاز المهمة، رفقة عضو المجلس العسكري الانتقالي الفريق ياسر العطا.
هنا يشير المحلل السياسي ماهر أبو جوخ، إلى أن المؤتمر الصحفي للمجلس العسكري الانتقالي، يبدو كما لو أنه صُمم لضرب صورة قوى إعلان الحرية والتغيير في الذهن الجمعي للسودانيين، حيث شهد المؤتمر إخراج الهواء الساخن بصورة كثيفة، وخاصة من قبل نائب رئيس المجلس العسكري الفريق محمد حمدان حميدتي، الذي تحدث بلغة حادة وناقدة لوفد التفاوض الخاص بقوى إعلان الحرية والتغيير، وفقاً لماهر.
حميدتي كشف عن تجاوزات وحوادث، قال إنها وقعت خلال الفترة الماضية، بسبب غياب هيبة الدولة، وشدد على أنهم لا يقبلون الفوضى في السودان، على الرغم من ترحيبهم بالتفاوض مع قوى إعلان الحرية والتغيير.
أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية منتصر زروق، أشار إلى أن حديث “حميدتي” يحمل في جوفه تهديدات ربما تعيد الأمور إلى مربع المواجهة، خاصة في ظل تمسُّك المجلس العسكري الانتقالي بإزالة المتاريس، وقال إن أي مغامرة من المجلس لفض الاعتصام ربما تعجله يتحوّل من خانة “شاهد الملك” إلى خانة “المتهم الأول”، في حالة نزول أي قطرة دم من قبل الثوار.

نائب رئيس المجلس العسكري السوداني استخدم لغة حادة مؤكدا أنه لن يسمح بالفوضى
الواقع على الأرض

في ميدان الاعتصام تبرز حالة من الإصرار على استبقاء المتاريس، وبناء أخرى أكثر متانة، وهو ما فسّره المحلل السياسي ماهر أبو جوخ، بأنه استجابة سريعة من الثوار للنداء الذي أطلقته قوى إعلان الحرية والتغيير، للاستمرار في الاعتصام، عقب فشل جولة مباحثاتها مع المجلس العسكري مساء أمس الاثنين، في حسم نسبة المدنيين داخل المجلس السيادي.
أبو جوخ قال لـ”الجزيرة مباشر”، إن حماسة المعتصمين زادت مساء أمس لبناء متاريس جديدة، بعدما أشيع أن قوة ترتدي أزياء مدينة شرعت في إزالة المتاريس، بالتزامن مع تصريح المجلس العسكري الانتقالي، الذي أعلن فيه توصلهم لاتفاق مع قوى إعلان الحرية والتغيير لتفكيك الموانع الحجرية.

“شهداء المتاريس”

وعلى مقربة من أحد المتاريس حول القيادة العامة للقوات المسلحة، يقف الشاب العشريني “أيمن الطيب”، بصرامة، كمن يؤدي دوراً رُسم بعناية فائقة.
يقول أيمن إنهم لن يسمحوا بإزالة الحواجز الحجرية والترابية، لأنها تعرقل أي محاولة لفض الاعتصام، مشيراً إلى أنهم فقدوا أخوة لهم عند هذه المتاريس، بنيران النظام السابق.
وأطلق الثوار على الشبان الذين سقطوا فجر يوم السابع والثامن من أبريل لقب “شهداء المتاريس”، وذلك بعدما كانت كتائب النظام السابق تقوم بمحاولات مباغتة لفض الاعتصام، من خلال إطلاق النيران صوب المعتصمين، ما أدى لسقوط أربعة من الشبان، كان بعضهم يحرس المتاريس.
أيمن، أكد أنهم لن يسمحوا بإزالة تلك الموانع الحجرية، لأنها تُذكِّرهم بـ”الشهداء”، ولفت إلى أن تلك المتاريس التي ينصبها ويشيِّدها الثوار والمعتصمون حول ميدان الاعتصام زادت اليوم الثلاثاء بصورة كبيرة، وتمددت إلى شوارع جديدة، لم تكن ضمن جغرافية الاعتصام، وقال إن ذلك يأتي رداً على محاولات المجلس العسكري الانتقالي لإزالة المتاريس.
ويعود أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية منتصر زروق، مُذكراً بأن إصرار المعتصمين على استبقاء المتاريس وتمتينها، يعود إلى ما أشيع عن تخطيط المجلس العسكري الانتقالي للانقلاب على تفاهماته مع قوى إعلان الحرية والتغيير، ما عدّه كثيرون محاولة لتطويع الثورة السودانية لصالح أجندة الإمارات والسعودية، وذلك بتدبير من رئيس المجلس العسكري الفريق عبد الفتاح البرهان، ونائبه الفريق محمد حمدان حميدتي.
وخلال الاعتصام الذي دخل يومه الخامس والعشرين، تم إغلاق عدد من الطرق والجسور، أبرزها كبري القوات المسلحة، شرق مقر الاعتصام بالقيادة العامة، وأيضاً كبري النيل الأزرق شمالي القيادة، وذلك بوضع متاريس حجرية من قبل الثوار.
واتسعت اليوم الثلاثاء، جغرافية المتاريس، حيث قام عدد من الثوار بإغلاق جزئي لكبري الحلفايا في الخرطوم بحري، وكبري المنشية من اتجاه منطقة شرق النيل.

عرفت السودان المتاريس منذ ثورة 1964 التي أطاحت بحكم الفريق إبراهيم عبود
ذاكرة التاريخ

وظهر مصطلح “المتاريس” في المسرح الثوري السوداني، للمرة الأولى، في ليلة التاسع من نوفمبر 1964م، وذلك حينما شاع – أيضاً – أن عدداً من ضباط الجيش السوداني خططوا، بعد أسبوعين، من ثورة أكتوبر 1964م، التي أطاحت بالفريق إبراهيم عبود لانقلاب عسكري، لسرقة تلك الثورة الشعبية.
واقترح عضو جبهة الهيئات فاروق أبو عيسى – يومها – بث بيان من الإذاعة لجماهير الشعب السوداني للخروج إلى الشوارع وحماية الثورة من السرقة عبر الانقلاب.
وأطلقت وسائل الإعلام السودانية – وقتها – على تلك الليلة، “ليلة المتاريس”، بعدما خرجت أعداد مقدرة من السودانيين لمقاومة الانقلاب المحتمل، حينها. 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان