استهداف أرامكو.. الأخطاء الاستراتيجية للسعودية
يمثل استهداف شركة النفط الأكبر في العالم أرامكو، منعطفا مؤثرا في تاريخ السعودية، حيث تسبب بتوقف أكثر من نصف إنتاجها من النفط مسببا حالة من الإرباك في المشهد الإقليمي والدولي.
هذا الاستهداف فتح بابا للتساؤل حول سبب وصول السعودية لهذا الوضع الخطر والمتأزم في أكثر من صعيد، خاصة مع تكرار الهجمات التي تتلقاها الرياض بصورة شبه يومية.
ووفقاً لمراقبين؛ فإن هناك العديد من التوجهات والقرارات الخاطئة استراتيجياً، التي اتخذها الحكم الجديد في السعودية منذ بداية استلامه لمقاليد السلطة، يسلط هذا التقرير الضوء على أبرزها.
أولا: على الصعيد الخارجي
- على مدى سنوات، ظلت السعودية حجر عثرة أمام محاولات الشعوب العربية للانعتاق من دوامة القمع والظلم والفقر، فبعد أن كانت لعقود مركز ثقل وتأثير في العالمين العربي والاسلامي، غدت اليوم في دائرة الاتهام لمساندتها السلطات القمعية والثورات المضادة في دول الربيع العربي، والحيلولة دون تحقيق أهدافها المشروعة. ذلك التحيز كان بداية لخسارة المملكة لرصيدها الرمزي في قلوب الملايين من العرب والمسلمين، ما جعلها فريسة لا بواكي لها في صراعها أمام خصمها التاريخي إيران.
- على الرغم من وجود خلاف كبير بين تركيا والسعودية في النظر إلى الربيع العربي، حاول الطرفان الاحتفاظ بقدر المتانة في العلاقات بينهما، وظهر ذلك على هيئة زيارات متبادلة، وعلاقات اقتصادية ودبلوماسية مستقرة.
- لكن بعد استلام ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لـ العهد الجديد، بدا واضحاً أن الرياض غير حريصة على الاحتفاظ بتركيا كحليف، وأنها اصطفت مع المحور المعادي لتركيا من خلال الهجوم الإعلامي المستمر عليها، ومن خلال ما تسرب من معلومات حول دعم السعودية لقوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا، وهي المصنفة “مجموعة إرهابية” في تركيا.
- عدا عن تأثير مقتل الصحفي جمال خاشقجي على مستوى الثقة بين البلدين، ولأشهر عدة، حذرت السعودية مواطنيها من زيارة تركيا عبر آلاتها الإعلامية الرسمية وغير الرسمية.
- وتصاعد منحنى الخلاف مؤخراً بتقديم الدولة العثمانية كدولة احتلال في المناهج التعليمية السعودية بعد أن كانت دولة خلافة وفتوحات إسلامية.
- بنيت الأزمة الخليجية الأخيرة على تصريحات مختلقة منسوبة لأمير قطر الشيخ تميم عقب اختراق منظم لوكالة الأنباء القطرية قنا وحسابها عبر تويتر، وبلغت إجراءات المقاطعة المعلنة من أربع دول وهي السعودية والإمارات والبحرين ومصر حدودا قصوى تمثلت في قطع إمداد المواد الغذائية الأساسية بحالة أشبه ما يكون بإعلان حرب على الجارة الشقيقة.
- وحكمت تلك الخطوة بالموت ولو سريرياً على مجلس التعاون الخليجي آخر معاقل العمل العربي المشترك.
- ووسط ما أفادت به عدة تقارير من وجود نية لغزو قطر عسكرياً، فإن هناك كثيرين ينظرون لهذه الأزمة باعتبارها لا داعي لها، وكان يمكن للخصومة أن تقف عند حد معين ولا تسلك طريق اللاعودة التي ترتب عليها الكثير من التبعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
- لم تكن السعودية بحاجة إلى خسارة حليف كقطر، ولم تكن بحاجة إلى تعريض نفسها إلى نيران الانتقادات الإعلامية والحقوقية فضلا عن خلق انقسام داخل البيت الخليجي، كانت بحاجة لوحدته في أوقاتها الصعبة.
- ورطت السعودية نفسها بشنها حربا في اليمن، ومنذ 4 أعوام يشهد اليمن معارك طاحنة تتصارع فيها أجندة التحالف السعودي الإماراتي لتحقيق أي استقرار سياسي أو أمني.
- وبعد أن كانت تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تؤكد بأن التحالف قادر على حسم المعركة خلال أسبوعين، أصبحت أراضي السعودية اليوم وجهة دائمة للطائرات الحوثية المسيرة التي لا تملك لدفعها حولاً ولا قوة، بالرغم من إنفاق عسكري سعودي يفوق 69 مليار دولار أمريكي.
- ويضع اليمنيون الكثير من مسؤولية إنهاء الحرب على عاتق الرياض التي لطالما ترددت في دعم فصائل كانت لها قدرة على حسم المعركة لمصلحة الشرعية اليمنية في أكثر من محطة، قبل أن تتصاعد قوة الحوثي حتى أصبحت شوكة في خاصرة السعودية الرخوة بفضل تردد البدايات.
- وتسببت سنوات الحرب بدمار كبير للبنية التحتية باليمن المنهك أصلاً، وانتشار الأمراض والمجاعة التي تقول المنظمات الدولية إنها تهدد حياة 7 ملايين يمني، عوضا عن أكثر من 56 ألف يمني نصفهم من المدنيين لقوا حتفهم جراء القصف السعودي المتواصل، ما جلب عليها انتقادات العديد من المنظمات الدولية على رأسها الأمم المتحدة.
- كان اغتيال الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي من أكثر ما أساء إلى موقف الحكومة السعودية، إذ أظهرها بمظهر الطرف الذي لا يراعى الأعراف الدبلوماسية، ويتصف بالكثير من الاندفاع والتهور والوحشية، وفات الحكومة السعودية أن جمال خاشقجي صحفي مرموق وكاتب في الواشنطن بوست، ومقيم في الولايات المتحدة، وقد أثار مقتله الكثير من الزوابع في وجه الحكومة السعودية، وعدّها مراقبون بأكبر أزمة دبلوماسية وسياسية تمر بالسعودية في تاريخها.
- كما أن محاولة إنكار الجريمة والتعاطي التركي مع الموضوع أدى إلى إفقاد القضاء السعودي قدراً كبيراً من مصداقيته.
- تحظى حكومة الوفاق الليبية بالدعم والاعتراف الدولي، وقد اختارت السعودية أن تقف إلى جانب الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر والذي انقلب على العملية الديمقراطية في ليبيا، واتخذ الدعم شكلاً صريحاً في هجومه الأخير على العاصمة طرابلس الذي آلت نتائجه إلى فشل ذريع، ما أدى إلى تشويه صورة المملكة في وجدان الشعب الليبي.
- يعتبر الإخوان المسلمون جماعة سياسية دعوية يجمعها الكثير من القواسم المشتركة تاريخيا مع السعودية التي تحاول تقديم نفسها كقائدة للعالم الإسلامي.
- وبدلا من أن تعمد السعودية إلى التحالف معهم اتخذتهم خصماً وعدواً في مصر وتونس واليمن وليبيا وتحت كل سماء وفوق كل أرض خاصة في ظل اعتماد السعودية على حلفاء من ورق أثبتت التجارب عدم قدرتهم على القيام بالدور المنوط بهم لمصلحة المملكة على عكس إيران التي تتخذ حلفاء أشداء وتعمل تحت مظلة عقدية واضحة وتحتفظ بقدر كبير من الاستقلالية التي لا تحتملها السعودية في حلفائها.
- لم يلتفت ولي العهد السعودي إلى فارق القوة بينه وبين إيران وإلى ما يمكن أن تحدثه إيران بالاقتصاد السعودي وإلى ما يمكنها أن تفعله من طعن الخاصرة الرخوة للسعودية عندما هدد بنقل المعركة إلى داخل إيران.
- وأنتجت بعض الجهات السعودية فيلما كرتونيا يظهر غزو القوات السعودية لطهران واعتقال أحد قادة الحرس الثوري الإيراني، في مشهد لا تعضده موازيين القوى بين البلدين، لا على صعيد التأهيل العسكري ولا الصناعات الحربية ولا القدرة على المواجهة.
- وبدا واضحا في الآونة الأخيرة اختلاف أولويات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن السعوديين في التعامل مع إيران، إذ تميل السعودية إلى أن يكون الرد الأمريكي قوياً في الوقت الذي يميل فيه الأمريكيون إلى المهادنة وخفض التصعيد.
- كما أن السعودية لم تقم بمواجهة حلفاء إيران الإقليميين بحلفاء يشبهونهم في النظرة العقدية والبسالة في القتال، ما أدى إلى جعل السعودية محاطة بالكثير من المنافذ التي يمكن لوكلاء إيران استخدامها لإيذاء السعوديين.
- راهنت السلطات السعودية على ترمب من أجل تمرير قرارات تخالف توجهات المؤسسات الأمريكية كما تفيد تقارير.
- وعلى الرغم من المواقف والتصريحات المذلة للسعودية كدولة، ولولي العهد كشخص، من قبيل: التصريح الشهير للرئيس الأمريكي ترمب ” من دون حمايتنا لن تبقى السعودية حتى أسبوعين”، واعتبار السعودية بمثابة “البقرة الحلوب” التي تُنتزع خيراتها كل ما استدعت الحاجة، نظير تحقيق طموحات الأمير الشاب بالوصول لولاية العرش، إلا أن القيادة السعودية تستمر في المراهنة بشكل كامل على ترمب.
- ولم تجرؤ السعودية على الرد على الإهانات الأمريكية المتكررة للذات الملكية وولي العهد والدولة التي يحكمها ولو بتصريح واحد، فماذا بقي من كرامة السعوديين؟
- بات واضحاً للمتابعين أن القرار السعودي لم يعد مستقلاً عن القرار الإماراتي في العديد من الملفات المتعلقة بالموقف من الربيع العربي وقطر وتركيا، وبدا واضحا أن السعودية لا تستطيع الرد على تجاوز الإمارات لمصالحها في اليمن.
- ينظر كثير من المراقبين بالكثير من الحيرة والاستغراب لما أسموه ارتهان السعودية لقرار أبوظبي، وهو الأمر الذي أكده عدد من المغردين المقربين من القيادة الإماراتية حيث يكررون بمختلف التعبيرات وبذات المعنى أن القرار في أبوظبي وليس في الرياض.
- لم تستجب باكستان منذ البداية للرغبة السعودية في مشاركة باكستان في عاصفة الحزم وذلك لحسابات داخلية تخص الطرف الباكستاني.
- ورفضت إسلام آباد أيضا التماهي مع الرياض في حصار قطر، وقد تعاملت الرياض مع باكستان بناء على ذلك الموقف بقدر كبير من عدم الحكمة، وقامت بزيارات للهند على مستوى عالٍ متجاوزة بذلك مخاوف حليفها التاريخي باكستان وتعبيراً عن الفتور في العلاقة بين البلدين.
- لم يكن الموقف السعودي من أزمة جامو وكشمير التي اندلعت مؤخرا يرقى إلى موقف الحليف، وهو الأمر الذي سيجعل من الصعب على دولة كباكستان أن تعامل السعودية بنفس الثقة التي كانت سائدة على مدى العقود السابقة.
- وسط تصعيد للإعلام السعودي ضد إيران وحزب الله اللبناني، أرغمت السعودية رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على إلقاء خطاب استقالته من منصبه عبر وسائل إعلامها، بعد أن تم استدراجه من قبل ولي العهد محمد بن سلمان بحجة مرافقته في رحلة صيد بغرض اعتقاله، في تجاوز صريح للأعراف الدبلوماسية، وانتهاك صارخ لسيادة دولة تزعم بأنها شقيقة.
- وكما هزت تلك الحادثة أروقة دبلوماسية عالمية وأصبحت حديث وسائل الاعلام، فإنها كشفت النقاب عن شخصية جديدة تقود السعودية بعقلية وصفها نشطاء بـ”عقلية المافيا”، وخلقت صراعا ضد اللبنانيين عزز من مكانة حزب الله وبالتالي زيادة نفوذ إيران.
- اتخذ الملوك السابقون للسعودية سياسةً تحتوي على الموازنة بين مختلف القوى النافذة في البلاد، ابتداءً بحفظ توازنات معينة داخل الأسرة المالكة، ومروراً بمراعاة الأعراف القبلية، وليس انتهاءً بإفساح مجال التأثير أمام رجال الدين والعلماء وأصحاب رؤوس الأموال ووجهاء المجتمع، والاستماع مباشرة إلى المواطنين عبر سياسة “الباب المفتوح”.
- وفي عهد بن سلمان أضر عدد من القرارات والسلوكيات بصورة العائلة المالكة وهيبتها في وجدان الشعب السعودي، إذ تعرض عدد كبير من أفراد الأسرة المالكة للاعتقال والمنع التعسفي من السفر ومصادرة الأملاك، وتشير تسريبات إلى تعرض بعضهم للتعذيب والإهانة.
وراكمت إدارة بن سلمان سلسلة من الأزمات والأخطاء الداخلية أسهمت في إرباك منظومة الدولة والمجتمع داخل السعودية، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تفكك في بنية الدولة يصعب توقع نتائجه، وأهم ما سبب في التوصل إلى ذلك ما يلي:
١. معاداة الأسرة الحاكمة باستهداف الأمراء بالاعتقال والعزل والإقامة الجبرية.
٢. خسارة الشريحة المحافظة من المجتمع عبر اعتقال عدد كبير من العلماء والدعاة وإطلاق اليد لما بات يعرف بهيئة الترفيه في رسم هوية جديدة للمجتمع.
٣. القمع ومنطق التهديد والاعتقالات التي طالت كل التيارات.
٤. مصادرات الأموال من المستثمرين عبر الاعتقالات التي تمت في فندق ريتز كارلتون.
٥. اعتقال الحقوقيات.
٦. التعيين والإعفاء بشكل عشوائي لمسؤولي المناصب.
٧. الإنفاق المتهور على مجموعات الضغط الخاصة بالدعم وشراء الأسلحة والولاءات مما سبب ارتفاع الدين العام للمملكة، في حين لا تزال بعض القطاعات الخدمية المهمة كالتعليم والصحة تعاني من التقتير وسوء الإدارة للموارد المتاحة.
٨. بطالة تتجاوز ٣٤٪ واحتقان متزايد في الشارع مع ارتفاع نسب الفقر وتردي الخدمات وارتفاع الأسعار.
٩. مشاريع ضخمة متعثرة وتعثر رؤية 2030 التي توقفت كل ملامحها الأساسية.