حراك الجزائر.. هل بدأت السلطة تميل للقمع الأمني؟
29/9/2019
يشهد الجزائريون منذ الثاني والعشرين من فبراير/ شباط الماضي حراكا سياسيا ألقى بظلاله على كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية.
وكسرت أول مظاهرة مطالبة بإسقاط العهدة الخامسة لبوتفليقة، حالة الصمت والركون الذي كان يعيشه البلد، وأشاعت حالة من النقد والنقاش السياسي، تقوده احتجاجات أسبوعية.
مطالب الحراك في الجزائر عرفت تصاعدا ملحوظا من أول يوم، حيث لم تكتف بدفع الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة للاستقالة، بل تعدى ذلك إلى المطالبة بإسقاط كل رموز النظام السابق ومحاسبتهم، وهو ما تحقق جزء منه، فيما قوبلت المطالب بإسقاط من تبقى من وجوه “العصابة” بالرفض بل بالقمع والقبضة الأمنية المشددة.
القبضة الأمنية.. تصاعد في الوتيرة
- اكتسب حراك الجزائريين منذ أيامه الأولى صفة “السلمية” حيث انتشرت صور التعامل السلمي للقوات الأمنية مع الشعب وغزت كل صفحات التواصل الاجتماعي، لكن يرى راصدون وشهود عيان على المظاهرات كل يوم جمعة في الجزائر العاصمة، أن القبضة الأمنية تصاعدت وتيرتها، وتغير أسلوبها أسبوعا بعد آخر.
- الصحفي أمين أشقبقب يرى في تصريح لموقع الجزيرة مباشر أن قوات الشرطة كانت تلعب دور “المرافق” لحركة المتظاهرين، إذ كانت مهمتها منصبة على توفير الأمن ومنع التجاوزات في حق المواطنين، لكنها مع الوقت تحولت إلى مهمة رقابية، ترصد جل النشطاء وقياديي الحراك، بل وتعتقل بعضهم، بطريقة وحشية.
- يضيف أمين اشقبقب أن الأسباب وراء ذلك التحول نستطيع أن نجملها في سببين رئيسيين أولهما: مبرَّر ومنطقي؛ وهو تعدد عمليات الشغب والاعتداء على المواطنين، على غرار سرقة الممتلكات الخاصة، وما يعقبه من مناوشات واشتباكات بين المتظاهرين، ويرى أن قوات الأمن كانت مضطرة للتدخل السريع والحازم، لمنع أي تدهور.
- أما السبب الثاني الذي وصفه أمين اشقبقب بغير المبرَّر، وصنّفه في خانة الانتهاكات، فهو اعتقال الصحفيين والنشطاء دون وجه حق، والتعامل معهم بطريقة وحشية واقتيادهم إلى مراكز أمنية واحتجازهم فيها لفترات متفاوتة.
- مما يلفت انتباه المتابع أن ارتفاع وتيرة الوجود الأمني، والتدخلات العنيفة له، جاءت بعد أن رفض المتظاهرون تصدّر رئيس الأركان أحمد قايد صالح المشهد السياسي رغم منصبه العسكري، واستهجانهم لانسياق وسائل الإعلام الرسمية والخاصة مع رؤية قيادة الجيش لسير الأحداث، وتشديدها على ضرورة الذهاب لانتخابات رئاسيّة في أسرع وقت!
الحاكم الفعلي
- الانتشار الكثيف لقوات الأمن في مداخل العاصمة، وفي ساحات الحراك، كثيرا ما يربطه متابعون بخطابات نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح، وذلك لتأكيده في خرجاته شبه الأسبوعية منذ استقالة بوتفليقة على وجوب حفظ الأمن ومنع من سماهم “المغرّر بهم” من الإضرار بالأمن والسلم الاجتماعي.
- لكن وحسب رأي الناشط المدني عيسى بن زراري فإن القمع الذي تمارسه قوات الأمن ما هو إلا استراتيجية يقودها بن صالح لقمع الحراك والتضييق عليه تمهيدا لقتل زخمه، وإطفاء جذوته.
- حسب بن زراري فإنه لا يمكن تفسير ما يتعرض له الناشطون المدنيون، والصحفيون، وفعاليات الاحتجاج، من تعامل عنيف، إلا باستراتيجية تخويف ممنهج في حقهم، لا لشيء إلا لأن المتظاهرين يهتفون ضد من أسماه بن زراري بـ”الحاكم الفعلي للبلد”، وضدّ دعوته للتعجيل بإجراء الانتخابات في منتصف ديسمبر/ كانون الأول المقبل، رغم أن من سيديرها هم نفس الوجوه والشخصيات التي كانت تدير العمليات الانتخابية طيلة فترة بوتفليقة.
الراية الأمازيغية
- بعد مرور أكثر من ستة أشهر على انطلاق الحراك في الجزائر، وبعد أن تصدرت رئاسة أركان الجيش المشهد، فوجئ الكثير من الجزائريين بخطاب لرئيس الأركان ينتقد فيه المتظاهرين الحاملين للراية الأمازيغية إلى جانب العلم الوطني الجزائري، داعيا قوات الأمن إلى منع رفع أي راية غير الراية الوطنية.
- القرار الصادر من قيادة الجيش لم يلق قبولا شعبيا، بل فسره كثيرون أنه محاولة لتشتيت زخم المظاهرات الأسبوعية، وتقسيمها، بل وإلهائها عن مطلبها الرئيس وهو إزاحة كل رموز العصابة.
- عدم استجابة المئات من الشباب لمنع رفع الراية الأمازيغية كان شرارة لاندلاع اشتباكات ومواجهات متفرقة بين عناصر الأمن والمتظاهرين، كما أن تعليمات رئيس الأركان كانت غطاء للتعامل الأمني الشديد مع المحتجين، بل واعتقال بعضهم بتهمة الشغب.
- في هذا الصدد يرى الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي هشام مطروح أن السلطة في الجزائر استغلت مسألة الراية الأمازيغية لتفريق المتظاهرين، ولفتح نقاشات جانبية تتسم في كثير من الأحيان بمزاج الانتماء المناطقي والجهوي، والعنف اللفظي، ويرى أنّ الهدف من ورائه هو قتل روح الالتفاف على مطلب وهدف واحد مشترك.
موجة اعتقالات
- لم تقتصر الاعتقالات على المتظاهرين أو من تعتبرهم الأجهزة الأمنية مثيري الشغب، بل تعدتها لتشمل الشخصيات العامّة والمثقفين والصحفيين، آخرهم الكاتب والمثقف البارز “فضيل بومالة” والصحفي المعروف بانتقاده للسلطة الحالية “سمير بلعربي” بل وطالت حتى الفنانين من قبيل الفنان الشهير “لخضر بوخرص” وغيره.
- موجة الاعتقالات الموجهة هذه، يراها المحلل السياسي هشام مطروح أنها تأتي في إطار محاولة يائسة للتأثير على معنويات المحتجين، الأمر الذي أتى بنتيجة معاكسة حسب رأيه، إذ خلق التفافا واهتماما ملحوظا حول الشخصيات المعتقلة من جهة. ويضيف “هذه الاعتقالات استعملت كورقة من أجل تحقيق تنازلات وهمية مستقبلا”.
لمن ستميل الكفة؟
- إصرار الشارع الجزائري على مطالبه، والتزامه بالاحتجاج والتظاهر أسبوعيا، من جهة ومحاولات يرى البعض أنّها تهدف لتقسيم الحراك وتشتيته، بالتدخلات الأمنية المكثفة، ومنع دخول أعداد كبيرة من الجزائريين إلى العاصمة كل جمعة، وضخ إعلامي غير مسبوق ضد الأصوات المناهضة لرؤية قيادة الجيش الجزائري.
- بين هذا وذاك إلى من ستميل الكفة؟ خاصة بعد استدعاء الهيئة الناخبة وتحديد موعد الانتخابات الرئاسية.
المصدر : الجزيرة مباشر