تصدير الثورة: الحرس الثوري ودوره في دعم حلفاء إيران في الخارج (الحلقة الرابعة)
كانت فكرة الثورة فكرة عابرة للحدود، لا يمكن لها أن تتوقف عند حدود إيران، فوجودها مهدد في الداخل مالم تجد لها داعمين في دول الجوار. كان هذا الفهم ركنا أساسيا لدى القيادة الإيرانية.
في أول خطاباته بعد استلامه رئاسة الجمهورية أعلن أبو الحسن بني صدر: لا يمكن لثورتنا أن تنجح ما لم نبدأ بتصديرها. سوف نقوم بتأسيس نظام جديد، لن يكون فيه المظلومون مظلومين بعد الآن، ولن يستمر الظالمون في ظلمهم.
كان أول ظهور لفكرة تصدير الثورة هو دعم الحركات التحررية في المنطقة، مع التركيز على مناصرة القضية الفلسطينية التي كانت رابطًا يجمع كل الدول الإسلامية.
وبعد تأسيس محمد منتظري لمكتب الحركات التحررية والذي كان يجسد نظرية منتظري لمساعدة المسلمين الراغبين في الانعتاق من أنظمة الطغيان والامبريالية الغربية، ركّز عمله على لبنان ثم أفغانستان.
وبذلك انتقل تصدير الثورة من حالة الخطابات والشعارات إلى التنفيذ على أرض الواقع.
تصدير الثورة إلى العراق
- خلال الحرب العراقية أثبتت فكرة تصدير الثورة فعاليتها وتأثيرها.
- استطاع الخمينيون استثمار وضع اللاجئين العراقيين في إيران وبالتنسيق مع الجماعات الشيعية كجماعة الدعوة بداخل العراق.
- تم تأسيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي في نوفمبر 1982، والذي كانت مهمته تدور حول إدخال الخمينية إلى العراق وخلافة نظام صدام بعد إسقاطه.
- المجلس رأسه المعارض الشيعي المنفي من العراق محمد باقر الحكيم.
- لم يتوقف الأمر عند تشكيل واجهة خمينية سياسية في العراق، وإنما تجاوزه لتأسيس جناح عسكري يكون مساعدًا لعمليات الحرس الثوري ضد القوات العراقية ووسيلة قوة في يد الكيان السياسي الشيعي ذي المرجعية الخمينية.
- تم تأسيس فيلق بدر في عام 1983 ليكون جماعة عسكرية داخل العراق، تقوم بعملياتها ضد الحكومة البعثية بتنسيق وتعليمات من الحرس الثوري الإيراني الذي كان يمتلك دور الموجّه لها.
تصدير الثورة إلى لبنان
- أتاحت الحرب الأهلية في لبنان واحتلال إسرائيل عام 82 للبنان، فرصة ذهبية للحرس الثوري لتصدير الثورة الإيرانية إلى لبنان.
- كان محمد منتظري وهو أحد مهندسي الحرس الثوري يتمتع بعلاقات واسعة مع الجماعات الشيعية السياسية، وحركات التحرر في لبنان لزيارته المتكررة لهم في سبعينيات القرن المنصرم.
لفهم خريطة الدعم الإيرانية كان هناك شبكتان متوازيتان من العلاقات الإيرانية:
- الأولى حول مصطفى تشمران وحركة أمل التي ساعد تشمران في تأسيسها.
- الثانية يمثلها قيادات معارضة لموسى الصدر وتشمران وحركة أمل، لعدم تحقيقهم المأمول في دعم المقاومة الفلسطينية.
- كان على رأس هذه الشبكة الثانية محمد منتظري وعلي أكبر محتشمي وجلال الدين فارسي.
- هذه الشبكة أسست علاقات قوية مع ناشطين سياسيين من شيعة بيروت ومنطقة البقاع.
- امتازت هذه العلاقات بتفوقها على الشبكة الأولى التي كانت لها اتصال بحركات تحررية علمانية كمنظمة التحرير الفلسطينية، إذ أقامت الثانية علاقاتها على التقارب الفكري والإيديولوجي لدى شيعة لبنان المتدينين.
- أيضًا لم تطل علاقة الدعم الإيراني لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد أن اتخذ ياسر عرفات موقفًا منحازًا مع صدام حسين والحكومة العراقية ضد إيران في الحرب العراقية الإيرانية.
مسارات الدعم لتصدير الثورة إلى البلدان الخارجية
تتعدد مسارات الدعم الذي توظّفها الحكومة الإيرانية لتصدير الثورة، وبالنظر إلى حالتي العراق ولبنان، يمكن استخلاص مسارات رئيسية:
- نشر التعبئة الدينية والثقافية والإيديولوجية، أو ما يسميه الحرس الثوري بأدبيات الثورة الإسلامية.
- إرسال رجال دين ودعاة لمناطق وقرى في لبنان والعراق لنشر القيم الثورية.
- توفير الدعم المادي والفكري للجماعات الشيعية المقاتلة.
- التدريب العسكري وهذه مهمة تقع على عاتق الحرس الثوري بشكل رئيسي.
- هناك تقنية نجدها تتكرر في كل نماذج المليشيات العسكرية الشيعية التي تتلقى دعمًا عن طريق الحرس الثوري، وهي التركيز على القضية الفلسطينية ورفع شعاراتها.
- في حرب العراق تصاعد الخطاب الذي يركز على أهمية القضية الفلسطينية وجعلها “أهم المهمات”.
- مع أن القوات الإيرانية على خط النار مع القوات العراقية، كان يعبّر عن هذه الحرب أنها محوريّة لكسر الحاجز الذي يعيق وصول قوات الحرس الثوري للقتال ضد إسرائيل.
- تكرر الأمر كذلك في الحرب اللبنانية حيث أعلن الخميني عن إرسال جنود من الحرس الثوري للقتال مع اللبنانيين ضد إسرائيل.
- لاحقًا، اتضح أن ألف عسكري من الحرس الثوري اقتصر عملهم على تدريب جنود الجماعات الشيعية في مخيمات التدريب في جنوب لبنان، ولم يباشروا القتال كما يذكر بروس ريدل من مركز الاستخبارات الأمريكية.
- أخيرًا تجد شعارات “الموت لأمريكا وإسرائيل” في صفوف المقاتلين الحوثيين، مع بعدهم كل البعد عن الاشتباك مع “العدو الصهيوني”.
لمن الأولوية، للثورة الإسلامية أم لمصالح إيران؟
- فيما يبدو كان تصدير الثورة موطن إجماع لدى جميع القيادات المنتمية للثورة الإيرانية، بيد أن الخلافات كانت ومازالت تكمن في تفصيل الأولويات.
- نضرب هنا مثالًا على هذه الإشكالية بصراع تيار البرجماتية الذي كان يقوده رفسنجاني مع التيار الراديكالي التابع لمحمد منتظري مؤسس مكتب حركات التحرر والذي كان أحد الروّاد العاملين على تطبيق تصدير الثورة إلى الدول الإسلامية.
- كان منتظري ومن وراءه الكثير من الراديكاليين في الحرس الثوري يجعلون الأولوية لتصدير الثورة على المصلحة الإيرانية.
- حماسة منتظري كانت تُقابل بنوع من التقريع والاستهجان من شيوخ الثورة أمثال والده آية الله منتظري والخميني ورفسنجاني، حتى إن والده عزا هذه الحماسة والاندفاع إلى أن ابنه يعاني من مرض نفسي نتيجة التعذيب الذي تعرض له في سجون الشاه.
- تحول هذا الخلاف إلى صراع بعد أن قام رفسنجاني حين كان رئيسًا لإيران وبدعم من الخميني، بالسعي إلى تقليص نفوذ الراديكاليين.
- رفسنجاني أراد تقليل دور الحرس الثوري في إدارة ملف تصدير الثورة، فنقل اختصاص مكتب حركات التحرر التابع للحرس الثوري، وضمّه إلى وزارة الخارجية.
- كان رد فريق منتظري قويًا، إذ تم تسريب معلومات عن قيام الإدارة الإيرانية بعقد صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة.
- تم إرسال الخبر إلى شخصية شيعية سعودية معروفة (هو توفيق السيف) وقامت الشخصية بدورها بمراسلة أربع صحف لبنانية لنشر الخبر.
- معظم الصحف كذّبت الخبر، ولكن صحيفة الشراع اللبنانية نشرت الخبر، وانفجرت على إثرها فضيحة ما عُرف بعد ذلك بصفقة إيران كونترا.
- الحكومة الإيرانية قابلت هذه الفضيحة بحملة اعتقال لكثير من القيادات التابعة لتيار منتظري.
للاطلاع على الحلقة الأولى:
قصة الحرس الثوري الإيراني: لمحة عامة
للاطلاع على الحلقة الثانية:
قصة الحرس الثوري: نشأته ومساهمته في تصدر الخميني للثورة الإيرانية
للاطلاع على الحلقة الثالثة: