الوباء والحكومات.. كيف تعاملت دول العالم مع أزمة كورونا؟

فيروس كورونا.. بدأ في الصين وانتشر في العالم

كشف وباء كورونا قصور السياسات الدولية الفردية والجماعية الراهنة في التصدي له، وفاقم من أزمة الاقتصاد الدولي الذي يعاني أصلًا من تداعيات السياسات الحمائية.

ونشر مركز الجزيرة للدراسات، ورقة “تقدير موقف” لـ “كورونا 19” بين التخبط الدولي والاختناق الاقتصادي.

ومع انتشار فيروس كورونا المستجد، في الكثير من الدول، وتسجيل زيادة في عدد الإصابات والوفيات، يعتقد علماء الأوبئة أن حجم الإصابات والوفيات عبر العالم يفوق مئات الآلاف.

وفي 13 من مارس/آذار، أعلنت منظمة الصحة العالمية، المسؤولة عن مراقبة الأوبئة وتنسيق جهود دول العالم لمكافحتها، أن المرض، أصبح بالفعل وباء عالميا، ثم أكدت المنظمة أن أوربا أصبحت بالفعل بؤرة انتشار للوباء، مثلها مثل الصين وإيران.

وفي اليوم التالي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، حالة الطوارئ القومية لمواجهة الوباء.

الولايات المتحدة أعلنت خطى طوارئ في مواجهة كورونا (رويترز)
تأثير على الاقتصاد

اقتصاديًا، تزداد المؤشرات على أن الوباء يدفع الاقتصاد العالمي إلى ركود لا يقل فداحة، عن الركود الذي سببته أزمة 2008 المالية-الاقتصادية، وبتراجع الإنتاج يُتوقع أن يجر الاقتصاد الصيني، باعتباره قاطرة رئيسة للاقتصاد العالمي، العالم معه إلى الركود.

كما أن حركة الأعمال والتجارة والطيران والسياحة عبر العالم تأثرت أيضًا، ولترافق الوباء مع انخفاض كبير في أسعار النفط، تبدو الدول المنتجة للنفط وكأنها مقبلة على سنوات صعبة.

ويؤشر الانهيار الفادح، خلال الفترة بين 10 و13 مارس/آذار، في أسواق المال العالمية، إلى أزمة اقتصادية متفاقمة وطويلة الأمد . 

كورونا.. سريع وفتاك

 طبقًا للغارديان البريطانية، ظهرت الحالة الأولى من مرض كورونا 19، بمدينة ووهان الصيني، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2019، أي قبل شهر كامل من الإعلان الصيني الرسمي عن ظهور المرض.

كما احتاج الأمر عدة أسابيع أخرى، قبل أن تبدأ السلطات الصينية فحوصات منهجية في منطقة انتشار الوباء وللمشتبه بإصابتهم.

وخلال العقدين الماضيين، شهد العالم بروز صنفين جديدين من الكورونا، تسبب الأول في مطلع القرن بما يُعرف بمرض سارس (SARS) والثاني، بعد ذلك بسنوات قليلة، بمرض ميرس (MERS).

ويُعتقد أن منبع الأول كان الصين، ومنبع الثاني كان السعودية، وأن كليهما انتقل من الحيوانات إلى الإنسان، في حين امتاز سارس بسرعته المتوسطة في الانتشار، وتسببه في موت ما يقارب 7% من المصابين، بينما كان ميرس أشد وقعا، مع معدل انتشار أبطأ بكثير.

في المقابل، يبدو أن كورونا 19 لا يقل قدرة على القتل من سارس، ولكنه أسرع انتشارا بدرجات ملموسة، ولم يُعرَف هذا الصنف من كورونا، كما سابقيْه، من قبل وهو ما يعني أن البشرية لم تكتسب أي مستوى من المناعة ضده.

يعتقد بعض علماء الفيروسات أن كورونا 19 وُلد ربما في الخفافيش، ومنها انتقل للإنسان في الصين، حيث بدأ انتقالا بطيئا، بدون حتى التسبب بأعراض مرضية واضحة، إلى أن تأقلم وراثيًّا وأصبح أكثر قدرة على الانتشار وأكثر أثرًا في إحداث المرض.

(رويترز)
الإنفلونزا  الإسبانية

فيروس أنفلونزا 1918–1920، الذي يُقدَّر بأنه قتل ما يزيد عن العشرين مليونا من البشر، وعُرف بالأنفلونزا الإسبانية (H1N1) يُعتقد أن مصدره الأول كان حظيرة خنازير بكنساس، ومنها انتقل الفيروس للإنسان، محدثًا وباء قاتلًا في الولايات المتحدة وأوربا، وعدد آخر من دول العالم.

وكذلك كان وباء أنفلونزا 1968 (H2N3)، الذي ظهر للمرة الأولى قرب حظيرة خنازير في تايوان، وعلميا، تلعب حيوانات، مثل الخنازير، وبعض الحيوانات البرية، دور حاضنة للفيروسات، حيث يمكن أن يمر نوع ما من هذه الفيروسات بما يُعرف بالتحور الجيني، الذي يفضي إلى ولادة صنف مستجد.  

أما يهاجم كورونا 19 الجهاز التنفسي، محدثًا أعراضًا شبيهة بالأنفلونزا الموسمية، ولكن الخطر يبدأ عندما يمتد الفيروس من أعلى الجهاز التنفسي إلى الرئتين، محدثًا التهابًا رئويًّا حادًّا.

ويبدو أن الأطفال وصغار السن هم الفئة الأقل عددا بين المصابين، وأن كبار السن، لاسيما من هم فوق السبعين، ومن لديهم أمراض مزمنة خطيرة مسبقة، هم الأكثر عرضة للإصابات شديدة الوطأة التي تفضي للوفاة.

وتظل نسبة القتل بفعل كورونا 19، أعلى بعشرين مرة من الأنفلونزا الموسمية، التي تقتل ما يقارب 400 ألف إنسان في العام.

وبصورة عامة، يتماثل زهاء 80 بالمئة من المصابين بالفيروس للشفاء بدون الحاجة لدعم طبي، بين العشرين بالمئة الآخرين تتفاوت درجات المرض بين الأعراض شديدة الوطأة، والحاجة لرعاية طبية فائقة، والموت.

وإن وضعت درجة الانتشار السريعة في الاعتبار، فلابد أن تمثل هذه الأرقام تحديًا هائلًا للمجتمع الإنساني، ولمؤسسة الدولة على السواء.

الدولة والوباء

يعتبر الوباء، مناسبة للتمرد على الحكم وفقدان مؤسسة الدولة الحديثة قدرتها على التحكم، وتلعب تيارات المعارضة لسياسات الدولة تجاه الوباء دورا رئيسا في تحديد طبيعة استجابة الدولة للوباء.

وقد تجاهلت الدولة الصينية وباء كورونا المستجد لعدة أسابيع، لكن الأصوات المعارضة لسلوك الدولة الصينية ومقاربتها للوباء سرعان ما أجبرت بكين على الاعتراف بطبيعة الوباء وحجمه.

وفي مصر، أيضًا، لم تعلن عن إقفال المدارس والجامعات كإجراء لمواجهة الوباء، الذي اتخذته عدة دول أخرى من قبل، إلا بعد أن أُطلقت حركة مطالبة بهذا الإجراء من قوى معارضة، وجدت استجابة سريعة من عموم المصريين.

وقد أظهرت إدارة ترمب استهتارا بالوباء طوال أشهره الأولى، ولما أدرك الرئيس الأمريكي أن سياساته للتعامل مع الوباء قد تقوِّض حظوظه الانتخابية أعلن حالة الطوارئ وبدأ اتخاذ إجراءات جذرية.

هل ينحسر كورونا مع حرارة الجو؟

ثمة أمل يحدو مجتمع علماء الأوبئة بأن يكون فيروس كورونا 19 بين الفيروسات التي تتأثر بدرجة حرارة الطقس، ما قد يؤدي إلى انحسار، وليس بالضرورة اختفاء، الوباء مع دخول موسمي الربيع والصيف.

لكن، ليس هناك حتى الآن ما يؤكد هذا التوقع، سيما أن سلوك أصناف كورونا المعروفة سابقا أظهر تفاوتا في تأثر الفيروس بالمناخ، وأن الفيروس لم يزل ينتشر في مناطق مثل دول الخليج والمغرب العربي، حيث بدأت درجات حرارة الجو في الارتفاع بالفعل.

الآمال الأخرى في مواجهة الوباء معقودة على جهود العلماء في التعرف على دواء مناسب لتقليل شدة الإصابة، طالما أنه ليس ثمة دواء للقضاء على الأمراض الفيروسية كلية، وتطوير لقاح فعَّال لحماية الأكثر عرضة للإصابة أو الأضعف قدرة على تحمل المرض بين البشر.

والواضح أن معظم هذه الجهود محصورة بمجتمع علماء دول أوربا الغربية والولايات المتحدة، وبدرجة أقل باليابان والصين، وهي الدول الأكثر تقدما علميا، والأكثر ثراء، والأكثر اهتمامًا بالبحث العلمي أصلًا.

وتركيا، التي قطعت خطوات في مجال المنافسة العلمية، كانت الوحيدة بين دول الصف الثاني التي قامت شركة طبية فيها بطرح أجهزة كشف عن المرض، تعطي نتائج سريعة نسبيًّا وبمستوى ثقة عال.

وثمة دواء طورته شركة أمريكية من قبل لعلاج كورونا سارس، بالحد من تكاثر الفيروس في الجسم، وبالتالي حماية المصابين من تفاقم المرض. وتجري الآن تجربته على مرضى كورونا المستجد للتعرف على مدى فعاليته.

كما تبذل فرق من العلماء في بريطانيا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة جهودًا حثيثة لتطوير لقاح فعال، للوقاية من المرض، غير أن تلك الجهود تأخذ زمنا قياسيا فليس ثمة من يتوقع طرح اللقاح قبل ربيع أو صيف العام المقبل، 2021.

وحتى عندما يبدأ إنتاج اللقاح بصورة تجارية، فمن غير المتوقع أن يصبح متوفرا لكافة دول العالم بصورة متساوية، وحتى ذلك الحين، ينبغي للعالم، ربما، رؤية الدروس الضرورية التي يطرحها هذا الوباء.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان