هل التلويح المصري بخيار الحرب لضمان مياه النيل لطمأنة الداخل فقط؟

تباينت وجهات النظر المصرية والإثيوبية منذ نحو 9 سنوات بشأن سد النهضة ما يشي بصيف ساخن مع تمسك أديس أبابا بملء السد في يوليو/ تموز المقبل.
خيارات مصر وإثيوبيا
بخيارات القوة الناعمة لكسب تأييد الخارج، والتلويح اضطرارا بنظيرتها الخشنة لطمأنة الداخل، تمضي مصر مستندة إلى التحركات الأمريكية وعلاقاتها العربية والدولية في تسجيل نقاط في معركة حقوقها المائية في ملف سد النهضة، في ظل قلقها من المساس بحصتها من نهر النيل.
وعلى الجانب الآخر، تمضي إثيوبيا مستندة لخيارات اللعبة الانتخابية الوشيكة فيها (انتخابات تشريعية مقررة في أغسطس/أب المقبل)، وأوراق التعبئة الداخلية تبرعا وتعلقا بمستقبل رخاء، وإطالة أمد المحادثات لحين استكمال مرادها في إتمام سد سيجعلها أكبر مصدر للطاقة الكهربائية في أفريقيا، بأكثر من 6 آلاف ميجاوات.
وتقف الدولتان اللتان تعيشان تباينات في وجهات النظر منذ نحو 9 سنوات مع بدء وضع حجر تدشين السد، بانتظار صيف يبدو ساخنا مع تمسك أديس أبابا بملء السد في يوليو/ تموز المقبل، بالقول إن “الأرض أرضنا والمياه مياهنا والمال الذي يبنى به سد النهضة مالنا ولا قوة يمكنها منعنا من بنائه”.
تهديد تلاه رفض مصري واسع ربط مراقبون بينه وبين حضور الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماعا عسكريا رفيعا بمقر وزارة الدفاع عقب اتصال مع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، تطرق لملف سد النهضة قبل يومين.
وليس بوسع مصر، وفق مراقبين، الانتظار أكثر من ذلك، إذ تبدو خبرات السنوات العجاف في المفاوضات مع أديس أبابا، ليست شافعة في خفض منسوب القلق الرسمي أو الشعبي، خاصة في ظل التهديد الإثيوبي بقرب بدء ملء السد، الذي اكتمل نحو 70 % منه أواخر ديسمبر/ كانون أول 2019، وينتظر الانتهاء منه عام 2023.
مصر.. تصعيد “خطط المواجهة الدولية”
من هنا، تبدو خيارات القاهرة أقرب إلى تصعيد “خطط المواجهة الدولية”، منذ أن قررت أواخر 2017 الدخول في “مرحلة إشراك المجتمع الدولي في معرفة التفاصيل”، حسب تعبير خارجيتها آنذاك.
وسيصبح خيار تصعيد اللجوء للمجتمع الدولي، وتعظيم الضغوط الأمريكية على الخصم الإثيوبي، وتحييد جهات داعمة محتملة لإثيوبيا مثل الصين وإسرائيل اللتين لهما علاقات جيدة مع القاهرة، المسار الإجباري الأقل خسائر قبل الوصول للتحكيم الدولي الذي خاضته القاهرة أكثر من مرة في مواجهة تل أبيب قبل عقود ونجحت فيه.
وفي هذه المرحلة على الأقل، سيكون تعظيم الضغوط الأمريكية هو الشغل الشاغل، خاصة أن مصر وقعت بالأحرف الأولى على اتفاق مسار واشنطن للمفاوضات الثلاثية الذي بدأ قبل 4 شهور وتغيبت عنه إثيوبيا، مؤكدة أنه اتفاق عادل.
وبالتزامن مع ذلك، ستواصل مصر تفكيك أزماتها مع دول حوض النيل واستقطاب دول إفريقية أخرى، لفرض خناق دبلوماسي وضغوط من العمق الإفريقي، بجانب أنها كسبت أكثر من مرة تأييدا عربيا وخليجيا بالأشهر الأخيرة في ملف سد النهضة، عبر قرارات داعمة من الجامعة العربية وبيانات خليجية.
ولن تقترب سياسة مصر إلى أي سلوك يتجاوب مع ما يثار عبر مواقع التواصل ووسائل إعلام من الاتجاه لضربة عسكرية أو خطط استخبارية بديلة، خاصة مع اعتمادها النزول للملعب الدولي لإحراز نقاط تحوز توافقا أكبر، في ظل منطقة مضطربة وتكلفة عسكرية باهظة ستضر أجندة المشروعات الداخلية والسعي لجذب استثمارات.
ويقاس على ذلك عدم تحبيذ مصر الاستجابة لخطط برلمانية معدة مسبقا لإلغاء إعلان المبادئ الموقع في عام 2015 بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، استنادا لعدم الإضرار بخيارها التفاوضي الدولي الذي تراه أقرب لمصالحها في هذه المرحلة من دون الرجوع لنقطة الصفر، ما يجعل موقفها في أي شكوى إفريقية أو دولية لوقف بناء السد أو ملئه ذا حيثية.
وستكون أشهر الصيف المقبلة، فاصلة في تحديد استكمال مرحلة تصعيد خطط المواجهة الدولية إلى النهاية أو قلب الطاولة رأسا على عقب، وهنا ستكون سيناريوهات المواجهة تتحمل الحديث عن سلوك أكثر حزما وقرارات مصيرية ثقيلة.

خطوات إثيوبيا
في المقابل، لن تغامر أثيوبيا -كعادتها طيلة السنوات الماضية- بالانجرار سريعا لمربعات حاسمة في مفاوضات سد النهضة، وستستمر بالتزامن مع بناء السد، في التجاوب المتحفظ على الخطوات الدولية على طريقة خطوة للأمام واثنتين للخلف.
ومع اقتراب موعد انعقاد الانتخابات التشريعية بأثيوبيا في أغسطس/آب المقبل، ووجود إرث خلافات عميق في إدارة شؤون البلاد، ستعلو نبرة التصريحات على نحو “لا يمكن لقوة منعنا من بناء السد”، وانتقاد الولايات المتحدة، أو بإجراءات مثل الامتناع عن الذهاب لاجتماع واشنطن لتوقيع اتفاق سد النهضة.
وهذا سيكون متفهما لدى دوائر دولية ستضع تصعيد إثيوبيا في ملف سد النهضة ضمن حدود بروباغاندا (دعاية) الانتخابات، ومحاولة كسب شعبية أكبر لنظام أبي أحمد رئيس الوزراء في أول تجربة انتخابية بعهده، وإن سيبدو ذلك صعبا على مصر تحمله لاسيما شعبيا.
إلا أن تصعيد اللهجة الإثيوبية صوب واشنطن قد يثير ريبة أن يكون باتفاق مسبق، في سياق مصالح مشتركة، خاصة وأنه يأتي بعد أيام من زيارة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لإثيوبيا، تحدث خلالها عن إمكانية حل أزمة السد خلال أشهر، رغم أن موعد توقيع الاتفاق كان على الأبواب.
وربما يدحض ذلك الاحتمال اتصال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي قبل أيام، وتأكيده مواصلة جهود الوصول لتوقيع اتفاق سد النهضة، وما تلاه من اتصال بومبيو بوزير خارجية مصر سامح شكري في يوم واحد عقب تصعيد اللهجة الإثيوبية.
غير أن لهجة دبلوماسية إثيوبيا وإن علت قليلا، فمن المحتمل أن تعود لمسارها الطبيعي في التحرك في إطار تبريد الأزمات المحيطة بملف السد، والتركيز على الدفاع على كونها تمارس سيادتها على ثرواتها، وأنها لن تغلق باب المفاوضات الفنية أو السياسية، على أمل كسب مزيد من الوقت والنتائج.
وقد تستثمر إثيوبيا مزيدا من الوقت في إصرارها على تفعيل طلب أبي أحمد لرئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، بالوساطة في مفاوضات سد النهضة؛ نظرا لأن بلاده تسلمت رئاسة الاتحاد الأفريقي عام 2020 خلفا لمصر.
وقد يكون انسحاب إثيوبيا من حضور اجتماع واشنطن الأخير نهاية فبراير/ شباط الماضي تحت غطاء “إجراء مزيد من المشاورات المحلية”، سيناريو قابلا للتكرار في مراحل متقدمة بأساليب مشابهة، وتكرار الوصول إلى “طريق مسدود”.
وفي كل هذه الاحتمالات، سيستفيد أبي أحمد من ضخه دماء في السياسة الخارجية لبلاده منذ مجيئه، سواء أفريقيا أو دوليا، لاسيما مع الصين والولايات المتحدة وإسرائيل، أو خليجيا في منح عمر إضافي لأمد خياراته في ملف سد النهضة التي يقول إنه باب للتنمية، في مقابل أراء تعتبره بوابة نفوذ على مجرى النيل.
غير أن أزمة سد النهضة التي بدأت كسلحفاة تمضي منذ 9 سنوات من دون وصول لمنتهى، ستبقي شرارة “الحرب الباردة” لحين بين مصر وإثيوبيا، وإن تجمل المسار الرسمي بمزيد من جولات المشاورات أو المواجهة، فيما بات من المؤكد أن السودان سيبقى في تلك الأوقات في المنتصف لحين إشعار آخر.