دير شبيغل: هل يشهد العالم انهيارا لأمريكا كقوة عظمى؟

نشرت صحيفة دير شبيغل مقالا يناقش إدارة الرئيس دونالد ترمب لأزمة كورونا، إذ تسببت في جعل الولايات المتحدة بؤرة جديدة للتفشي، كما يناقش مآلات الأزمة على مستقبل الولايات المتحدة.
في البداية تنقل الصحيفة صورة مأساوية للأمريكيين الذين فقدوا وظائفهم جراء الأزمة، إذ اصطف عشرات الأمريكيين للحصول على طعام مجاني من بنك الطعام يوم الإثنين الماضي في مدينة ألاميدا بولاية كاليفورنيا الأمريكية.
وتقول سيندي هاوس المديرة التنفيذية لبنك الطعام بمدينة ألاميدا: “الأعداد الآن أكثر من عشرة أضعاف المعتاد، وتتزايد الأعداد بشكل يومي.”
لا يوجد أي مكان بالولايات المتحدة تتضح فيه أزمة كورونا أكثر من مراكز توزيع الأغذية، فقد وزع بنك الطعام في ولاية شيكاغو أكثر من ثلاثة أطنان من الطعام في يوم واحد، بينما يمتد طابور المطبخ الخيري في مانهاتن لعدة أحياء. ربما لو كان المشهد باللونين الأبيض والأسود، سيجد المرء صعوبة في تمييزه عن صور ثلاثينيات القرن الماضي.
عندما حلف دونالد ترمب اليمين الدستورية قبل ثلاث سنوات، تعهد بإعطاء الأمة الفخر والقوة، وقال في خطاب تنصيبه في 20 من يناير/ كانون الثاني 2017: “سنستعيد وظائفنا. سنعيد ثروتنا”، حتى إنه تحدث عن تحرير الأرض من “بؤس المرض”.

والآن أغرق فيروس كورونا الولايات المتحدة في أكبر أزمة منذ الكساد الكبير، والذي بدأ بانهيار بورصة نيويورك في خريف عام 1929، ولا تزال تلك الفترة محفورة في الوعي الجمعي.
ورغم أن هذا الوباء يؤثر على جميع الدول على هذا الكوكب، فإنه لا يوجد أي مكان بالعالم الغربي يسلط الضوء أكثر على أوجه القصور الفادحة مثلما يحدث بالولايات المتحدة. ففي نهاية فبراير/شباط الماضي، ادعى الرئيس الأمريكي أن حكومته تسيطر سيطرة كاملة على الوضع، ولكن الآن عدد المصابين يتجاوز 600 ألف ، وبالكاد تستطيع المستشفيات في نيويورك وديترويت ونيو أورليانز التعامل مع أعداد المرضى الهائلة.
وعلى عكس جميع الأزمات العالمية السابقة، تفشل الولايات المتحدة كزعيم عالمي يقود العالم، فالدولة مشغولة بنفسها حاليا بشكل كبير. ويحاول ترامب، كما هو الحال في كثير من الأحيان، إنقاذ نفسه من خلال مهاجمة منظمة الصحة العالمية، وهي المنظمة الدولية التي من المفترض أن تنسق المعركة العالمية ضد الأزمة، حيث أعلن اليوم الأربعاء وقف التمويل الأمريكي لها.
وخلال خطابه الافتتاحي في يناير/ كانون الثاني 2017، قال ترمب أيضًا: “ستبدأ أمريكا في الفوز مرة أخرى، بطريقة لم يسبق لها مثيل”. الآن، أصبحت الولايات المتحدة هي المشكلة في المعركة العالمية ضد فيروس كورونا.
فبينما نجحت الصين وكوريا الجنوبية في إيقاف انتشار العدوى بالوقت الحاضر، وبينما تحاول أجزاء من أوربا عودة الحياة لطبيعتها ببطء، فإن الولايات المتحدة تسجل أرقاما قياسية من حيث العدوى والوفيات، والبيت الأبيض نفسه يتوقع أن تصل الوفيات إلى 240 ألف حالة وفاة بحلول الخريف. وتشير دراسة أجراها البنك الاحتياطي الفيدرالي في مدينة سانت لويس إلى أن 47 مليون أمريكي سيخسرون وظائفهم بحلول يونيو/حزيران.
لطالما قلل الرئيس ترمب من أهمية الأزمة وحاول تجاهلها لشهور. ولم يستطع أن يقرر ما إذا كان سيأخذ الفيروس على محمل الجد أو سيرفضه بوصفه حلما مزعجا من جانب الحزب الديمقراطي، إذا بدا وكأنه ينظر للأزمة على أنها حيلة لمنعه من إعادة الانتخاب. وحاول مستشارو ترمب مرارا وتكرارا أن يعيدوه إلى رشده ولكن دون جدوى في كثير من الأحيان.

غير أن هذا الوباء كشف أيضًا عن نقاط ضعف كانت موجودة قبل انتخاب ترمب، وتتمثل في نظام للرعاية الصحية يفشل في أشد أوقات الحاجة إليه، ونظام رأسمالي غير مقيد خلال فترات الازدهار، وغير قابل للتوقف عندما يتعطل. وقبل كل شيء، كشفت عن ديمقراطية نسيت كيفية الوصول لحلول الوسط.
هل يشهد العالم انهيار قوة عظمى؟ لم تكن علامات نهاية الحقبة الأمريكية واضحة في أي وقت سابق كما هي الآن. ورغم أن الفيروس بدأ انتشاره في سوق لبيع الحيوانات الغريبة في ووهان، كانت الصين أول الدول في احتواء الوباء. بل إنها الآن تنقل جواً بعض المستلزمات الطبية البسيطة، ولكنها منتجات نادرة الآن، إلى الولايات المتحدة مثل موازين الحرارة والأقنعة والأثواب الواقية.
الجسر الجوي من شنغهاي إلى نيويورك هو بادرة تضامن، ولكنه أيضًا خطوة بارعة على صعيد العلاقات العامة. فصورة بكين التي تقدم الإغاثة للولايات المتحدة على طريقة مساعدة البلاد النامية تهدف إلى إظهار التحول في ميزان القوى العالمي : فالمريض الأمريكي يرعاه الطبيب الصيني الصارم ولكن اللطيف.
وتظهر حاجة الأمريكيين الماسة للمساعدة في نيويورك، أكبر مدينة بالبلاد، حيث تتعرض المستشفيات لخطر الانهيار تحت وطأة الوباء. يقول جوناثان مارشال، رئيس قسم الطوارئ في مستشفى ميمونيدز: “نحن تقريبًا ممتلئون تمامًا بمرضى فيروس كورونا”. هذا هو أكبر مستشفى في بروكلين، ويضم أكثر من 700 سرير.