انعدام الدواء في السودان.. الكابوس الذي بات واقعا

مواطن سوداني: المواطن بإمكانه أن يصبر على كل شيء عدا عيشه وعافيته

الغذاء والدواء والكساء، ثلاثية تشكل أدنى حقوق المواطنة، ومع ذلك يكابد المواطن السوداني الأمرّين لتوفير نسبة ضئيلة من هذه الثلاثية.

هذا ما قاله المواطن السوداني “فتح الرحمن حمدنا الله” حينما التقته الجزيرة مباشر، في إحدى صيدليات العاصمة، وقد احتدم خلاف بينه وبين الصيدلاني على ثمن دواء.

ويضيف فتح الرحمن للجزيرة مباشر، وهو أب لرضيعين، أن “الكيل قد طفح”، وأن “المواطن بإمكانه أن يصبر على كل شيء عدا عيشه وعافيته”، مضيفا أن مقاومة الأمراض باتت شبه مستحيلة بسبب عدم الحصول على غذاء كاف ومتنوع، لتأتي أزمة الدواء على آخر صبر المواطنين.

وتتحدث أسماء الطريفي عن النقص الحاد في الأدوية المنقذة للحياة على وجه الخصوص في الصيدليات وتقول للجزيرة مباشر إن المرضى لا يحتملون انقطاع هذا النوع من الدواء لأنه متعلق بحياتهم وموتهم، وتعتب على الجهات المعنية تراخيها في عدم توفير هذا النوع.

السياسات الخاطئة

أما لجنة صيادلة السودان المركزية فتقول للجزيرة مباشر على لسان سكرتيرها الإعلامي أنس صديق، إن التخبط في القرارات التي تخص توفير النقد الأجنبي، وعدم وضوح الرؤية وغياب الحساسية في التعامل مع القضية منذ بداية الأزمة في يناير/ كانون الثاني الماضي، بالإضافة لغياب التشاور مع الأجهزة الفنية المختصة، كل ذلك حدا بالقطاعات الصيدلانية إلى أن تقف في خندق واحد مع المواطن في سبيل المطالبة بحقه في الحصول على الدواء والمطالبة بحزمة من القرارات العاجلة المتمثلة في النقاط التالية:

  • التزام الحكومة بالتعامل مع الدواء كسلعة إستراتيجية، بتوفير مبلغ 55 مليون دولار شهرياً بالسعر الرسمي، على أن توزع بواقع 20 مليون دولار للإمدادات الطبية، و40 مليون دولار فوراً لقطاع الاستيراد لفك الضائقة الحالية، بالإضافة إلى تخصيص 25 مليون دولار شهرياً و10 ملايين دولار لقطاع الصناعة الدوائية.
  • إنشاء محفظة دائمة تعمل على الإيفاء بمتطلبات القطاع السنوية من العملة الحرة والمقدرة بـ650 مليون دولار مع توضيح آليات التنفيذ.
  •  الالتزام بسداد وجدولة الديون المستحقة على الإمدادات الطبية البالغة 105 ملايين دولار وعلى الشركات المستوردة البالغة 60 مليون دولار بالسعر الرسمي.
  • الالتزام بوضع معالجات عادلة للمصانع المحلية فيما يخص فروقات أسعار المواد الخام التي تم استيرادها في الفترة السابقة والارتفاع الواضح في التكاليف التشغيلية.
  • تفعيل وتشجيع طرق الدفع الآجل من الشركات المحلية للشركات الأجنبية، لأن هذه الطريقة تضمن استدامة انسياب حوالي 65% من الأدوية المستوردة والمواد الخام، لكن هذه الطريقة تحتاج إلى ضمانات كافية من الحكومة متمثلة في وزارة المالية أو بنك السودان لسداد مستحقات الشركات الأجنبية حين وجوبها بالسعر الرسمي البالغ 55.257 جنيها للدولار الواحد، وإصدار صيغة رسمية في هذا الصدد ملزمة للتعامل بين بنك السودان والبنوك التجارية.
  • تشكيل فريق عمل مشترك ودائم من المجلس القومي للأدوية والسموم (الجهة الفنية) وبنك السودان ووزارة المالية لتسهيل الحصول على المبالغ المخصصة للدواء والمواد الخام ولضمان ذهابها لتغطية الحاجة الفعلية.
  • تفعيل الدور الرقابي للدولة ومراجعة اللوائح والإجراءات المُساهمة في زيادة الاحتقان بكافة المؤسسات ذات الصلة.
سودانيون يتحدثون عن نقص حاد في الأدوية المنقذة للحياة على وجه الخصوص في الصيدليات (الجزيرة)
معالجات بديلة وعاجلة

يقول صلاح جعفر محمد، عضو تجمع الصيادلة المهنيين للجزيرة مباشر، إن هناك مسارين لدخول الدواء للسودان، أحدهما عبر القطاع الخاص والآخر عبر الصندوق القومي للإمدادات، وإن تمويل الأخير يتم عبر وزارة المالية، فيما خصصت 10% من حصيلة الصادر للقطاع الخاص إبان عهد الرئيس المخلوع عمر البشير، تجنبا للتعامل في السوق الموازي، إلا أنه في يناير الماضي، صدر منشور من بنك السودان المركزي ألغى بموجبه حصة الـ10% المخصصة للقطاع الدوائي الخاص، وفي المقابل، لم تجرِ أي تغييرات على القطاع الدوائي العام.

ويشير محمد إلى أن نقطة الخلاف الآن تتمحور حول عدم وضوح موقف القطاع الخاص، فلا الحكومة سمحت له بشراء الدواء بسعر السوق الموازي ولا قدمت له توضيحا حول ما إن كانت عازمة على توفيق أوضاعه وإيجاد سياسة بديلة.

ويؤكد محمد أن القطاع الدوائي الخاص قدم مقترحا بديلا إلا أنه لم يتلق ردا، ويوضح أن كل القطاعات الصحية تتفق على مطالبة الحكومة بتوفير النقد التأشيري للدواء، طالما أنها أدخلته في خانة السلع الإستراتيجية.

ويعتب محمد على الحكومة الانتقالية إلغاءها لقرار الـ10% الذي أصدرته أواخر مارس/ آذار الماضي، لصالح القطاع الخاص وبدأ العمل به مطلع مايو/ أيار، بدواعي الاتجاه نحو استحداث سياسات بديلة، ويقول إن الأمر لم ينجز بعد وما من سياسات أنزلت على أرض الواقع.

ويضيف محمد للجزيرة مباشر أن قول رئيس الوزراء بأن نسبة الإنتاج المحلي للدواء تبلغ 60% هي نسبة تجافي الواقع تماما، مؤكدا أن الإمدادات تكاد تكون خاوية على عروشها وأنها لم تتحصل سوي على 20 مليون دولار فقط من أصل 120 مليون دولار.

لجنة صيادلة السودان: التخبط في القرارات الحكومية وعدم وضوح الرؤية من أسباب الأزمة
الوضع كارثي

ويصف رئيس اللجنة التسييرية لأصحاب الصيدليات بولاية الخرطوم محمد جمال الوضع الدوائي بالكارثي، ويوضح أن 75٪ من الأدوية المستوردة منعدم، وذلك لعدم توفر دولار بالسعر الرسمي لأجل الاستيراد، بالإضافة لتوقف معظم المصانع المحلية عن البيع نسبة لشرائها المواد الخام بسعر السوق الموازية علي أمل أن تعوضهم الحكومة، كونها تلزمهم بالبيع بالسعر الرسمي.

ويؤكد جمال خلو الصيدليات من أبسط الأدوية (البنادول مثلا) وأهم الأدوية المعالجة لأمراض: الذبحة، والسيولة، والضغط، والأمراض النفسية، ومعظم المضادات الحيوية.

ويلفت جمال النظر للموقف الدوائي للإمدادات الطبية بأن ديونها بلغت 100 مليون دولار للشركات الموردة لأهم الأصناف الدوائية كالإنسولين والأدوية المنقذة للحياة.

وأشار جمال إلى أن كل الأبواب التي طرقوها لحل الأزمة أغلقت في وجوههم.

وعن إستراتيجية الإضرابات الجزئية، يقول جمال إن لجنة للطوارئ تشكل حاليا للتنسيق والتأكد من بقاء بعض الصيدليات مفتوحة وتعمل بشكل عادي وتمنع من الانخراط في الإضراب لتأمين حاجة المواطن.

يشار إلى أن تجمع الصيادلة كان قد نفذ إضرابات جزئية ووقفات احتجاجية، آخرها الخميس الماضي، أمام مجلس الوزراء ووزارة الصحة، على أن يشرع في تصعيد مهني في ٢ يوليو إذا لم تستجب الحكومة.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان