السودان: هل تنجح سياسة رفع الدعم في توفر السلع؟

رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك

أقدمت الحكومة السودانية أخيراً على خطوات لرفع الدعم عن المحروقات والخبز والسلع الاستهلاكية في واحدة من محاولات إنعاش الاقتصاد السوداني، وقطع الطريق أمام المتاجرين والمضاربين.

والتساؤل الآن هو إن كانت حكومة عبدالله حمدوك ستنجح في سد الفجوة الاقتصادية من خلال هذه الخطوة أم لا؟ وهل سيستطيع المواطن مجاراة الغلاء في ظل دخل يكاد لا يسد الرمق ولا يلبي أدنى مقومات العيش الكريم؟ وكيف سيقابل الشارع هذه الخطوة التي وضعته بين سندان الغلاء ومطرقة الدخل المحدود؟

وتقع حكومة حمدوك تحت سطوة صندوق النقد الدولي والجهات المقرضة التي تضع شروطا إصلاحية قاسية نظير تقديم خدماتها للدول، دون مراعاة للجوانب الإنسانية.

صنعوا الأزمة وفشلوا في اقتلاعها

ضمن جولة على بعض الأسر التي رصدتها الجزيرة مباشر دلفنا إلى  أحد المنازل التي يكاد سقفها المصنوع من القش والطين والخرق أن يتهاوى، وجدنا امرأة رفقة زوجها وثلاثة من الأبناء حالهم يغني عن السؤال، وفي تجاذبنا لأطراف الحديث مع الأسرة قال ربها إن الحصول على ما يسد به رمق أسرته صار عصيا، وهو الذي يعمل ” حمالا ” في إحدى شركات الأسمنت.

وبسؤاله بشأن نيل حصته من الدعم الشهري الذي تقدمه الحكومة للأسر المعوزة قال إنه سمع به وقدم الأوراق المطلوبة لمحليته قبل أشهر إلا أنه لم يستلم شيئا ولم تصله البطاقة التعريفية المخصصة بالصرف.

وأشار إلى أن مبلغ الخمسمئة جنيه للفرد (2.10 بسعر الصرف في السوق السوداء وتسعة دولارات بسعر البنك المركزي) التي خصصتها الحكومة للأسر المعنية، لن يسمن أو يغني من جوع في ظل الزيادة المضطردة للأسعار وعدم قدرة الحكومة على ضبطها.

لابد من حلول جانبية لامتصاص آثار رفع الدعم

يقول الخبير الاقتصادي عزت عبد الجبار للجزيرة مباشر إن ” رفع الدعم يجب أن يقابل بخدمات ومرتبات ودخول منطقية تتحمل عبء ما يصاحب عملية رفع الدعم، مع ضرورة تفعيل مظلة الضمان الاجتماعي وإلزام كافة المؤسسات بتضمينها، بالإضافة إلى توفير شبكة نقل واسعة جدا وكافية وبتعرفة محددة وثابتة لحركة المواطنين”.

ويؤكد عبد الجبار أنه ما لم تضع الدولة سياسات امتصاصية كالتي ساقها سيكون عليها أن تستعد للمغادرة بأمر الشعب، مشيرا إلى أن نسبة الفقر التي بلغت 65% كان يمكن الحكومة أن تتلافاها لو أنها التفتت للقطاع للزراعي.

للتضخم أسباب عدة، ورفع الدعم قفزة في الظلام

ويفيد الخبير الاقتصادي يوسف عبد الرحمن للجزيرة مباشر بأن المتابع للوضع الاقتصادي في السودان يلحظ وجود تدهور وتراجع كبير منذ مطلع عام ٢٠٢٠، بسبب الارتفاع المستمر في معدلات التضخم الذي بدأ في مارس/آذار بنسبة 82 %، وقفز في أبريل/نيسان إلى 99 % بزيادة 17.17 % ، وقفز في مايو/أيار ليصبح 114.23% بزيادة 22% ، وفي يونيو/حزيران وصل إلى 136.36%، وفي يوليو/تموز قفز إلى 143.78%  وفي أغسطس/آب بلغ 166.83% .

وقال إن الإرتفاع المستمر في التضخم يشير لأكثر من مشكلة، منها عدم وجود خطة اقتصادية وسياسيات مالية ونقدية واضحة موجهة لمعالجة قضايا التضخم.

وأضاف عبد الرحمن إلى أن أسباب التضخم في البلاد كثيرة، على رأسها التراجع الحاد في قطاعات الإنتاج الحقيقية، كقطاع الزراعة بشقيه الحيواني والنباتي، وقطاع الصناعة، عازيا التراجع إلى غياب الرؤى والهدف والخطة، وأن مازاد الطين بلة هو التوسع الحاد في الإستدانة من الجهاز المصرفي عبر وزارة المالية، مما أدى لإزدياد مفرط في الكتلة النقدية صاحبه تراجع كبير في الإنتاج، أدى إلى التضخم بشكل مضطرد  وتراجع للعملة الوطنية سيستمر حتى نهاية العام.

أما عن رفع الدعم أو ترشيده/ فيقول عبد الرحمن إن الدعم المقدم ليس دعما مباشرا ، وإنما هو نتاج فرق سعر الصرف بين السعر الرسمي للدولار وسعر السوق الموازي، وأن هذا الفرق هو ما أوجد تسربا نقديا.

وأكد أن الحديث عن ترشيد دعم المحروقات سيكون له آثار سالبة على المواطن لعدم وجود وسائل حماية إجتماعية فاعلة من شأنها أن تخفف الضرر عن المواطن السوداني ، خاصة مع تجاوز خط الفقر حاجز 65 % ، وأن الدعم المباشر الذي يمكن توفيره للمواطن يفتقد المعلومات والإحصاءات الدقيقة عن حاجة المواطن ، بالإضافة لإفتقار الحكومة للآليات الفاعلة والصادقة التي من شأنها أن تقدم الدعم لمستحقيه ، ويقطع عبد الرحمن أن أي محاولة لرفع الدعم أو ترشيده بدون دراسات أعمق تعتبر قفزة في الظلام ستحدث مشكلات كبيرة في الإقتصاد السوداني يكتوي بنارها المواطن ولن ترفع الضغط عن موازنة الدولة بالصورة المطلوبة ، وأشار إلى أن تجارب رفع الدعم التي تمت في سنين خلت قد فشلت.

سياسة الدعم المادي للأسر فاشلة، وهذه الأرقام غير دقيقة

يقول عضو اللجنة الإقتصادية وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني بقوى الحرية والتغيير كمال كرار للجزيرة مباشر إن تجربة الدعم المادي للأسر الفقيرة التي خاضتها الحكومة الإنتقالية أثبتت فشلها بإمتياز وأن اللجنة الإقتصادية لقوى الحرية والتغيير أبدت إعتراضا عليها منذ البدء وأنها لا تناسب الوضع في السودان ، وها هي ” تجربة الدعم ” تفشل وتتوقف قبل أن تتسع مظلتها . ويفيد كرار بأن الأرقام المعلنة لدعم الدولة للمحروقات والسلع والخدمات هي أرقام غير دقيقة ولا سند لها ويجب ألا يعتد بها ، وأن من هذه الأرقام 200 مليار جنيه سوداني للمحروقات ، و 150 مليار جنيه للقمح والكهرباء ، بحساب أن الدولار بلغ 230 جنيها في السوق السوداء حتى كتابة هذا التقرير ، وشدد كرار على أن المشكلة الأساسية تكمن في سعر الصرف وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية ، وأن رفع الدعم مرفوض ما لم يدعم بمعالجات جانبية .

وكانت قيمة الدعم المادي الذي خصصته الإنتقالية ٥٠٠ جنيه سوداني ” أقل من 3 دولارات ” ولكل أسرة مكونة من ستة أفراد ٦٠٠٠ جنيه ” حوالي 26 دولارا ” وعدد المواطنين المرصودين للدعم 30 مليون مواطن ، وأكد كرار أن 30 مليون هي إحصائية قديمة وغير صحيحة جرى الحصول عليها من وزارة الرعاية الإجتماعية وديوان الزكاة وعمل بها في نظام البشير المعزول وأنها تخدم مصالحه ولا تذهب لمستحقيها .

رفع الدعم ليس شرطا لتوفير السلع ، والممارسات الخاطئة هي السبب

المستشار الإقتصادي د. محمد عبد العال يتفق مع ما ذهب إليه الجميع بأن سياسة رفع الدعم فاشلة وأنها لن تفيد في توفير السلع في ظل وجود عدد من التجار الجشعين الذين يلجؤون لتخزين السلع كلما توفرت ، مشيرا إلى أن القضية ليست مجرد رفع دعم ، وإنما هي قضية ممارسات إقتصادية خاطئة ، وأنه إن أريد لسياسة رفع الدعم أن تنجح فلابد أن تكون مصحوبة بجملة من الإجراءات الإقتصادية . وأكد عبد العال أنه على الرغم من طرح رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في مؤتمره الإقتصادي الذي عقد السبت 26 سبتمبر أيلول لمسألة رفع الدعم الكلي إلا أن الرجل لا يميل إليها كثيرا وأن الرفع الجزئي هو الأمثل ، وأشار المستشار الإقتصادي إلى أن مثل هذه القرارات يجب أن تسن لفائدة المواطن وبحسابات دقيقة لا أن تستفيد منها جهات أخرى .

عرض لمرض

و يشبه الكاتب الصحفي والمحلل السياسي خالد التجاني كل المحاولات التي تقوم بها الحكومة الإنتقالية لإنعاش الإقتصاد بأنها مسكنات مؤقتة تتعامل مع العرض دونا عن المرض، ولن تفضي لنتيجة إيجابية. ويبدي التجاني إستغرابه نهج الإنتقالية التمسك بالوصفات الدولية الجاهزة وتبني الحلول الخارجية، وإنتهاجها للإقتصاد السياسي في البلاد ، رغم أن الحل يكمن في الداخل وفي المتناول ، ويلفت للجزيرة مباشر أن أحد مسببات الإنهيار الإقتصادي هو ضعف الصادرات مقابل ثلاثة أضعاف الواردات ، بالإضافة لعدم وجود رؤية إقتصادية ناجعة ، والإصرار على أن الحل سيأتي من الخارج ، وهذا الخارج سيظل يتلكأ إلى حين تلبية شروطه السياسية الإقتصادية .

يشار إلى أن مؤتمرا إقتصاديا وطنيا بدأ السبت 26 سبتمبر أيلول الحالي  2020 يستمر حتى 28 منه. وتعتزم الحكومة السودانية من خلاله وضع مشروع يعالج الأزمة الاقتصادية ، بإشراك أصحاب المصلحة بمنظوماتهم المختلفة في وضع السياسات واتخاذ القرار، على أن ينتهي ببداية مشروع وطني لإعادة الإعمار والنهوض بالبلاد وفق مظلة شعبية تسنده وتؤمن استمراريته.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان