مقتل زعيم تنظيم الدولة في سوريا.. لماذا اختبأ في إدلب؟ وكيف قُتل؟ وماذا عن خطوات التنظيم المقبلة؟
غداة مقتل زعيم تنظيم الدولة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي خلال عملية معقّدة نفّذتها القوات الخاصة الأمريكية في شمال غرب سوريا، طرحت تساؤلات عدّة حول تفاصيل ما جرى ومستقبل التنظيم.
فيما يلي المعلومات المتوفّرة عن ظروف هذه العملية ونتائجها.
كيف تم تحديد الموقع؟
قُتل القرشي في بلدة أطمة في منطقة إدلب خلال عملية معقّدة في الساعات الأولى، أمس الخميس، إثر إنزال نفّذته وحدة كوماندوس أمريكية من طائرات مروحية.
وقال مسؤولون أمريكيون إنه تمّ رصد الموقع خلال العام الماضي، وأوضح مالك المبنى أنّه كان قد أجّر منزله المؤلّف من طابقين مع قبو قبل 11 شهراً.
وجاء مقتل القرشي بعد أيام من إعلان قوات سوريا الديمقراطية، التي يشكّل الأكراد عمودها الفقري، إعادة سيطرتها على سجن في مدينة الحسكة (شمال شرق)، هاجمه التنظيم المسلح بشكل منسّق عبر مقاتلين من الخارج وسجناء من الداخل.
والهجوم الذي تبعته اشتباكات عُدّ “الأكبر والأعنف” منذ إعلان القضاء على التنظيم في سوريا قبل ثلاث سنوات.
لم يتّضح ما إذا كان هناك رابط بين العمليتين، وما إذا كانت الطرق والاتصالات التي خاضها سجناء بعد فرارهم خلال الهجوم قادت إلى معلومات استخبارية جديدة.
وقال الباحث في معهد نيولاينز نيكولاس هيراس إن “توقيت العملية يوحي بوجود معلومات استخباراتية ربطت بين القرشي والهجوم على السجن”.
وأضاف لوكالة فرانس برس “ليس مفاجئاً أن تكون الولايات المتحدة قد مارست ضغوطاً على تركيا للإفصاح عن معلومات ضرورية لتنفيذ” العملية.
وتحظى أنقرة بنفوذ واسع في محافظة إدلب السورية الحدودية معها، إذ تسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) مع فصائل أخرى أقل نفوذاً على نحو نصف مساحة هذه المنطقة.
وأوضح آرون لوند الخبير في مؤسسة سنتشوري للأبحاث أنّه “إذا كان القرشي يخطّط لتسجيل بيان حول الهجمات الأخيرة (على السجن)، فلربّما خلق ذلك فرصة للولايات المتحدة وشركائها المحليين من أجل تعقّبه”، موضحاً في الوقت ذاته أن كل هذا ربما يكون “مجرّد تكهنات”.
وأعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، أمس الخميس، أنّ القوات الأمنية العراقية أسهمت في “جمع وتحليل المعلومات” التي قادت إلى القرشي.
كيف قُتل؟
بحسب البيت الأبيض ومسؤولين في البنتاغون، قُتل القرشي جراء تفجيره قنبلة للحؤول دون اعتقاله.
وقال الجنرال كينيث ماكنزي قائد القيادة المركزية للجيش الأمريكي (سنتكوم) إن زعيم التنظيم “قتل نفسه مع عائلته من دون قتال، في وقت كنّا نحاول فيه دعوته إلى تسليم نفسه ومنحناه فرصة للنجاة”.
وتظهر معاينة الأضرار التي لحقت بالمبنى دخانا أسود يغطي السقف الذي انهار جزء منه، ما يوحي بوقوع تفجير واحد على الأقل داخل المنزل.
وقال مدنيون يقطنون في جوار المنزل إنّهم سمعوا دوياً وطلقات رشاشة، فيما تبقى البيانات والتصريحات الرسمية عن الإدارة الأمريكية الرواية الوحيدة لما جرى داخل المنزل.
وقال المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي إنّه تم اجراء تحليل رقمي لبصمات القرشي في المكان، من دون أن يتّضح ما إذا كانت القوات الأمريكية قد أخذت جثته معها.
Last night at my direction, U.S. military forces successfully undertook a counterterrorism operation. Thanks to the bravery of our Armed Forces, we have removed from the battlefield Abu Ibrahim al-Hashimi al-Qurayshi — the leader of ISIS.
https://t.co/lsYQHE9lR9— President Biden (@POTUS) February 3, 2022
من كان موجوداً داخل المنزل؟
أعلن مسؤولون أمريكيون أن ثلاثة مدنيين على الأقل قتلوا خلال العملية، إضافة إلى القرشي واثنين آخرين خارج المنزل، ردّت القوات الخاصة على إطلاقهما النيران تجاهها.
وأعلن الدفاع المدني، الناشط في مناطق سيطرة الفصائل المقاتلة، نقله 13 جثة من المكان وإسعافه جريحين، أحدهما طفلة قُتل جميع أفراد عائلتها.
مقتل 13 شخصاً على الأقل، بينهم 6 أطفال و4 نساء، بقصف واشتباكات جرت عقب إنزال جوي لقوات أمريكية، بعد منتصف الليل (الخميس 3 شباط)، استهدف منزلاً في منطقة أطمة على الحدود السورية – التركية في ريف #إدلب الشمالي. pic.twitter.com/hw7DXdyY34
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) February 3, 2022
وأفادت منظمة “سايف ذي تشيلدرن” (أنقذوا الطفولة) من جهتها عن مقتل 6 أطفال على الأقلّ، اثنان منهما، خلال العملية.
لما استقرّ في إدلب؟
توارى القرشي في أطمة البعيدة عملياً عن مناطق عمليات تنظيمه، إذ تخضع مناطق واسعة في إدلب لسيطرة هيئة تحرير الشام، التنظيم المسلح المنافس.
ويرى محلّلون أنّه ليس مستغرباً أن يتم تعقّبه بعيداً عن منطقة نشاط تنظيمه في البادية السورية الممتدّة بين محافظتي حمص (وسط) ودير الزور (شرق) عند الحدود مع العراق.
وسبق للقوات الأمريكية أن قتلت الزعيم السابق للتنظيم أبو بكر البغدادي، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، في إدلب أيضاً على بُعد نحو 15 كيلومتراً من مكان مقتل القرشي.
وأوضح آرون لوند أنّ “إدلب منطقة حرب فوضوية مليئة بالنازحين” تفتقد لوجود “هياكل مؤسسية حقيقية أو حفظ السجلات”.
واعتبر الباحث في معهد نيولاينز حسن حسن -وهو مؤلف كتاب عن تنظيم الدولة- أن إدلب تعدّ منطقة أكثر أماناً لزعيم التنظيم من شرق سوريا أو غرب العراق، حيث اكتسبت القوات التي تتصدّى للتنظيم سنوات من الخبرة في عمليات الرصد والتعقّب.
وقال حسن “إنها منطقة معادية للتنظيم باعتبار أنّ خصومه يسيطرون عليها” لكنّها “بالتحديد المكان المناسب للاختباء، إذ لا يتوقّع أحد أن يكون هناك”.
ولفت حسن إلى أنّ معاوني القرشي المقرّبين تولّوا إدارة عمليات التنظيم وإقامة أعمال في المنطقة منذ عامين.
ماذا عن خطوات التنظيم المقبلة؟
أثار هجوم التنظيم على السجن في الحسكة مخاوف واسعة النطاق من إعادة ظهور التنظيم جغرافياً ورصّه صفوفه، بعد ثلاث سنوات من القضاء على “دولة الخلافة” التي أقامها منذ 2014 في سوريا والعراق.
لكنّ حسن لا يرى أنّ الهجوم على السجن كان “جزءاً من عودة استراتيجية، ولا مؤشراً على التعافي”، ذلك أنّ المجموعة “لا تزال ضعيفة ومكشوفة”.
وأوضح أنّ العملية التي استهدفت القرشي شكّلت دليلاً إضافياً على الكفاءة المتزايدة للولايات المتحدة والقوات المتحالفة معها المكلّفة تعقب قادة التنظيم.
ولم يكن للقرشي أي ظهور علني منذ تولي مهامه، لكن سيتعيّن على التنظيم الذي لم يعلّق بعد على مقتله أن يبايع عاجلاً أم آجلاً خلفاً له.
وقال خبراء إنّ ثمة أسماء قليلة واضحة لمن سيخلف القرشي، لكن على الأرجح سيتحدّر زعيم التنظيم المقبل من المنطقة ذاتها.
والقرشي من الأقليّة التركمانية في مدينة تلعفر العراقية.