فرنسا تبدّل أبرز هيئة لتمثيل المسلمين بنموذج جديد يتناغم مع ميثاقها.. كيف ذلك؟

عبّر كمال قبطان رئيس مسجد مدينة ليون في حوار مع قناة (فرانس 3)، عن أسفه لحلّ مجلس الديانة الإسلامية (أبرز هيئة لتمثيل المسلمين في فرنسا)، قائلًا “إنه فشل لنا جميعًا”، مضيفًا “لقد شاركت بنفسي في إنشائه منذ 20 عامًا”.
وكان هدف المجلس الذي أنشأه الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي عام 2003، هو تحديد محاور رسمي باسم المسلمين مع الدولة، كما هو الحال بالنسبة للأديان الأخرى.
وأفاد قبطان أنه كان من أهداف المجلس إقامةُ حوار و”تعزيز تمثيل الإسلام في فرنسا”، موضحًا أن موقف السلطة في البلاد يقوم على أنه “لكي يتم الاعتراف بك، يجب أن يتم تمثيلك”.
وعاش المجلس خلال الأشهر القليلة الماضية أزمة عميقة، وشهدت الاتحادات الوطنية الثمانية أو ممثلو التيارات الإسلامية التي يتكون منها انقسامًا بسبب الاختلاف حول بنود “ميثاق مبادئ الإسلام الفرنسي” الذي وضعته الحكومة.
Dissolution du Conseil Français du Culte Musulman : "c'est un échec pour nous tous", selon Kamel Kabtane, recteur de la Mosquée de Lyon https://t.co/U2xVetUTT5 #auvergne
— Aimable Auvergnat (@auvergne_infos) February 4, 2022
وتدخّل وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين في ديسمبر/كانون الأول الماضي لإعلان حل المجلس، في حين نددت الحكومة بما سمته “تدخل الدول الإسلامية الكبرى في تمثيل الإسلام في فرنسا”.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن المجلس الفرنسي للدين الإسلامي اعتماد ما سماه “ميثاق مبادئ الإسلام فرنسا”، وقدُمّ الميثاق إلى رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون بعد أن وقّعت عليه خمسة اتحادات إسلامية، في حين رفضت التوقيع ثلاث هيئات أخرى.
وعن ذلك قال قبطان في تصريحه “لقد بنينا هيكلًا رغبة في تمثيل المسلمين، لكنه اليوم يتخذ قرارات مهمة دون أي تشاور، دون وجود حوار حقيقي مع القاعدة”.
فوريف.. النموذج الجديد
سيحل منتدى الإسلام في فرنسا (فوريف)، الذي يعقد اجتماعه اليوم السبت 5 فبراير/شباط في باريس، محل مجلس الديانة الإسلامية رسميًّا، وسيتكون من جهات فاعلة في المجال تختارها الدولة، من خلال قوائم من المحافظات، تتبع “ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا”.
ومن المقرر أن يجتمع المنتدى سنويًّا بالتوازي مع “القواعد الإقليمية”. وبالنسبة للدولة فإن الأمر يتعلق “بعدم إنشاء محاور واحد” والمضي قدمًا مع الجهات الفاعلة التي “تلتزم بأن تكون بناءة”، وفقًا لوكالة الصحافة الفرنسية.
وشكك عدد من المراقبين، وفق (فرانس 3)، في ما أطلقوا عليه “الثورة التي تنشدها السلطة التنفيذية” في شرعيتها وفائدتها.
Despite reservations, France is set to launch its Forum of the Islam of France (#FORIF) in a move that will dissolve the long-standing #CFCM, which has been under scrutiny since French President Emmanuel Macron unveiled the “#FrenchIslam” initiativehttps://t.co/uIrUPhWfSn
— MuslimMirror.com (@MuslimMirror) February 5, 2022
وعلّق فرانك فريجوسي، مدير الأبحاث في المركز الوطني للأبحاث العلمية بباريس على خطوة الحكومة قائلًا “يشبه إنشاء المنتدى إلى حد كبير عملية إعلامية تهدف إلى إثبات أن رئيس الدولة، إيمانويل ماكرون، يعتزم أيضًا ترك بصماته على الإسلام في فرنسا مثل كثيرين ممن قبله”.
وذهب رئيس مسجد ليون إلى القول، إن المجلس قد يحتاج لإصلاح من الداخل، وإن “الخطأ بدأ مع إنشائه بالتركيز على القيادات أكثر من القواعد”، معتبرًا أنه أداة لا تخص الدولة، إنما ملك للمسلمين؛ ولهذا السبب التمثيل القاعدي من المناطق هو الخيار الأفضل”.
وعن تشكيل الحكومة للمنتدى، قال قبطان “إنه مكان للتفكير والاقتراح ولا يمثل المسلمين، إذ لم يتم انتخابه، وأعتقد أن ذلك لا يمكن أن يأتي إلا من المسلمين أنفسهم”.
رهان الدولة
وقالت صحيفة (لوموند) الفرنسية في تقرير نشرته اليوم السبت إن “الإسلام هو رهان الدولة الجديد”، موضحة أن وزير الداخلية جيرالد دارمانين سيحضر تأسيس المنتدى المؤلف من حوالي 100 شخص.
وذهبت الصحيفة إلى أن السلطة الفرنسية “ترى فيه ولادة شريك على استعداد لتقديم حلول ملموسة للصعوبات التي تواجهها الديانة الثانية (من حيث العدد) التي تمارس في فرنسا”.
وأوضح التقرير أن تشكيل لجنة المنتدى تم عبر وزارة الداخلية، إذ طلبت من كل محافظ أن يرسل إليها أسماء شخصين أو ثلاثة تم تمييزهم خلال الاجتماعات الإقليمية الثلاثة التي عقدت في السنوات الأخيرة لـ”مهاراتهم وقدرتهم على تقديم مقترحات”.
Après le crash du CFCM, Darmanin mise sur le Forif, le Forum de l’islam de Francehttps://t.co/dxPV6AjMqV
— Libération (@libe) February 5, 2022
وتابع “لكن بخلاف عام 2003، لا تتحدث الدولة هذه المرة عن إعطاء الديانة الإسلامية هيئة تمثيلية واحدة”، فقد أثبت المجلس لمدة 20 عامًا أن المفهوم الذي انطلق منه، بناءً على دور اتحادات المساجد، كان طريقًا مسدودًا”، على حد تعبير الصحيفة.
وأضاف “انتهى الأمر بفرض هذا الاستنتاج على السلطة التنفيذية، بعد ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا، الذي كان على الاتحادات الإسلامية في المجلس التوقيع عليه والذي تسبب في تفككها”.
وقالت (لوموند) إن الحكومة استوحت النموذج الجديد من مؤتمر “دويتشه إسلام” في ألمانيا، موضحة أن الأمر “يتعلق بوضع لوائح بدلًا من مؤسسة وصيغ حوار بدلًا من هيكل”.
ويهدف المنتدى إلى تمثيل الإسلام على أساس الإدارة المحلية المعيّنة من السلطات الفرنسية، لا بإشراف اتحادات المساجد التابعة للدول الثلاث التي تشكل المجلس (الجزائر والمغرب وتركيا).
مفترق طرق
وفي الأسبوع الأول من يناير الماضي، قال رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية محمد موسوي إن هذه الهيئة “لم تعد قادرة على البقاء” ودعا إلى تأسيس أخرى جديدة بالتشاور مع “منتدى الإسلام في فرنسا” الذي أعلنت عنه حكومة باريس أمس الجمعة.
وأوضح أن المجلس في شكله الحالي “لم يعد صالحًا” في إشارة إلى الانقسام الذي حدث داخله بعد أن رفضت اتحادات التوقيع على “ميثاق المبادئ” الذي صاغته السلطة التنفيذية في فرنسا، والذي عدّته تلك الاتحادات مخالفًا للتعاليم الإسلامية.
ورأى محمد موسوي أن “هناك إمكانية لتأسيس منظمة جديدة للديانة الإسلامية بتنسيق مع السلطات العامة، يشرعها الفاعلون في الميدان”.
Mohammed Moussaoui reconnaît que « le CFCM dans son format actuel n’est plus viable ». https://t.co/EJl70PuJjW
— Le Point (@LePoint) January 7, 2022
وقال إن الهيئة الجديدة “يجب أن تكون نتيجة استشارة بين المنتدى والهياكل الإدارية القائمة للديانة الإسلامية”. وأضاف “يمكن حل المجلس بعد تأسيس الهيئة الجديدة، وفقًا لنظامه الأساسي”.
ودعا موسوي -الذي انتهت ولايته في 19 يناير- جميع مكونات المجلس الأعلى للدين الإسلامي إلى الانضمام إلى هذه العملية و”العمل على هذا التوجه خلال جمعية عمومية غير عادية يمكن عقدها قريبًا”.
وتابع “على كل طوائف بلادنا أن تتكيف في لحظة تاريخية، إن إسلام فرنسا عند مفترق طرق”.
وأضاف أن “طي الصفحة عن الشكل الحالي للهيئات التمثيلية للديانة الإسلامية وابتكار أشكال جديدة من الهيئات تتماشى مع المجتمع الفرنسي، هو استجابة أولى للتحديات العديدة التي يواجهها الإسلام في فرنسا”.
انقسام داخلي
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلنت اتحادات تضم مسلمي فرنسا من بينها “مسجد باريس الكبير” و”اتحاد مسلمي فرنسا” تشكيل المجلس الوطني للأئمة في البلاد.
وعقدت تلك الاتحادات أول مؤتمر لها بحضور وجوه عدة تمثل الدين الإسلامي في فرنسا، واضعة حجر الأساس من أجل إنشاء المجلس الوطني للأئمة الذي سيُعنى بتنظيم مسألة انتداب الأئمة خاصة من الدول العربية والمغاربية وتأهيلهم.
ويعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تشكيل مجلس وطني يكون مسؤولًا عن إصدار الاعتمادات للأئمة المسلمين وسحبها منهم “إذا اقتضت الحاجة” وذلك في تصعيد مستمر ضد الإسلام في فرنسا.
Trois fédérations rebelles signent la charte sur l’Islam de France et appellent à rallier un CFCM unitaire | https://t.co/tvaSG9IRxO pic.twitter.com/FWoBnOodbf
— immobiliercoil (@immobiliercoil) December 25, 2021
وكانت ثلاث هيئات في المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية قد تراجعت عن قرارها الرافض لـ”ميثاق مبادئ الإسلام في فرنسا” بعد أن ألحت الحكومة على أنه “الحل الوسط المثالي”.
وقررت هيئة “اللجنة التنسيقية للمسلمين الأتراك في فرنسا” و”الاتحاد الإسلامي مللي غوروش” وحركة “إيمان وممارسة” التوقيع على الميثاق الذي رفضته في يناير/كانون الثاني 2021.
ودعت الهيئات في بيان مشترك “جميع الإخوة في الهيئات الأعضاء بالمجلس إلى التجمع” ردًّا على تصريحات لوزير الداخلية جيرالد دارمانين في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي، قال فيها إن “المجلس مات” تعبيرًا عن الانقسام الذي حدث داخله بسبب الميثاق.
بنود الاختلاف
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد طالب -في خضم حملة قادها للتصدي لما سمّاه النزعة “الانعزالية” في البلاد- بوضع هذه المبادئ التي وقعتها خمس هيئات بالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بعد خلافات داخلية استمرت أسابيع عدة.
وأشاد ماكرون بتبنّي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية “الميثاق” وعدّ ذلك خطوة “تشكل التزامًا صريحًا ودقيقًا تجاه الجمهورية”.
وعبّرت هيئات عن رفضها المبادئ التي نصت على “مبدأ المساواة بين الرجال والنساء، وتوافق الشريعة الإسلامية مع مبادئ الجمهورية، ورفض توظيف الإسلام لغايات سياسية، وضرورة عدم تدخل دول أجنبية في شؤون الجالية”.
France : Le texte de loi qui va «rendre obligatoire la signature de la charte des principes de l'islam» https://t.co/y3hqzlXRrD
— Yabiladi.com (@yabiladi_fr) December 24, 2021