بين واقع الأوكرانيين والأفارقة والمسلمين.. واشنطن بوست ترصد تعامل أوربا مع اللاجئين

تفتح دول أوربا أبوابها حاليا أمام موجة تاريخية من اللاجئين الفارين من الحرب في أوكرانيا، في موقف يتناقض مع موقف القارة السابق تجاه طالبي اللجوء القادمين من العالم الإسلامي وأفريقيا، كما رصده تقرير لصحيفة واشنطن بوست.
وتحتضن أوربا الآن مئات الآلاف من الوافدين الجدد الذين وصفهم بعض القادة الأوربيين بأنهم مثقفون وأوربيون عرقيًّا.
ويبدو أن موجة اللاجئين الأوكرانيين المتصاعدة -أكثر من 520 ألف شخص في أقل من أسبوع- ستتفوق على أزمة المهاجرين إلى أوربا في عامي 2015 و2016، عندما سعى مليونا شخص إلى طلب اللجوء بالقارة العجوز وكان أغلبهم من السوريين الفارين من الحرب الأهلية.
أثار هؤلاء الوافدون آنذاك توترات شديدة بين دول الاتحاد الأوربي، مما أدى إلى تجدد حركة اليمين المتطرف وإلى سنّ سياسات تهدف إلى إيقاف أو إعادة طالبي اللجوء.
ويقف تضامن اللحظة الحالية في تناقض صارخ مع ذلك، لا سيما مع تقديرات بأن الأعداد يمكن أن ترتفع إلى الملايين وربما ستكون أكبر موجة لاجئين في القارة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ليسوا مثل غيرهم من اللاجئين
لم يخجل بعض القادة من التحول الدراماتيكي في المواقف، وقال رئيس الوزراء البلغاري كيريل بيتكوف للصحفيين عن الأوكرانيين “هؤلاء ليسوا اللاجئين الذين اعتدنا عليهم إنهم أشخاص أوربيون أذكياء ومتعلمون. هذه ليست موجة اللاجئين التي اعتدنا عليها، أشخاص لم نكن متأكدين من هويتهم ، أشخاص لديهم ماض غير واضح، ويمكن أن يكونوا إرهابيين”.
وفجأة أصبحت الحكومات في الأجزاء الشرقية والوسطى من القارة -التي كانت في يوم من الأيام معارضة بشدة للاجئين- من أكبر المؤيدين لسياسة الباب المفتوح حتى عندما بدا أن موقفها الترحيبي يقتصر على الأوكرانيين.

في منتصف عام 2010 بنى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أسوارًا من الأسلاك الشائكة وأنشأ “صيادي الحدود” بسيارات الدفع الرباعي ونظارات الرؤية الليلية وكلاب لشم المهاجرين لوقف وصول طالبي اللجوء من دول غير مستقرة تبدأ من أفريقيا إلى أفغانستان. لكنه يوم الأحد الماضي قال للصحفيين إن “كل من يفر من أوكرانيا سيجد صديقًا في الدولة المجرية”.
وعندما بدأت بيلاروسيا إرسال طالبي اللجوء من الشرق الأوسط وأفغانستان نحو بولندا العام الماضي، أرسلت وارسو قواتها لطرد المهاجرين الذين مات بعضهم تجمّدًا. أما في الأيام الأخيرة فقد أعلنت السكك الحديدية البولندية عن حرية السفر للأوكرانيين، وتبرع الجمهور بأطنان من المساعدات.
وحول هذا التباين قالت مديرة معهد سياسة الهجرة في أوربا هان بيرينز لواشنطن بوست “دول أوربا الشرقية ترى في الأمر فرصة لإظهار الوحدة مع جارتها واتخاذ موقف ضد العداء الروسي”. ومقارنة بعامي 2015 و2016 قالت “(أوربا) في وضع سياسي مختلف تمامًا ومشهد سياسي مختلف تمامًا”.
“لأنهم بِيض ومسيحيون”
لكن في المقابلات التي أجرتها صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، كان العديد من المسؤولين الأوربيين صريحين بشأن لعب سياسات الهوية دورًا أيضًا.
وتحدث مسؤول أوربي شريطة عدم الكشف عن هويته للصحيفة “بصراحة المشاعر مختلفة لأنهم من البيض والمسيحيين”.
ورغم أن الاتحاد الأوربي فتح أبوابه للأوكرانيين اللاجئين فإنه لا يزال متحفظًا بشأن منح أوكرانيا عضوية في تكتله المؤلف من 27 دولة.
ووجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نداء يوم أمس من أجل “انضمام عاجل”، لكن الاتحاد الأوربي يرفض -حتى الآن- تحمل مخاطر الدفاع عن الأراضي الأوكرانية في وجه التهديد الروسي الطويل الأمد أو السماح بحرية حركة 44 مليون شخص عبر دوله.
لكن البعض جادل بأن وحشية الغزو الروسي والعدد الهائل من الأوكرانيين النازحين والفارين يتطلبان استجابة جماعية قوية. وقد اتخذ الاتحاد الأوربي خطوة غير مسبوقة بتمويل شراء وتسليم الأسلحة إلى أوكرانيا.
وخلص اجتماع طارئ لوزراء داخلية الاتحاد الأوربي الأحد إلى “التضامن بين جميع دول الاتحاد في استقبال لاجئي الحرب بشكل سريع وغير بيروقراطي”، على حد قول وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر.
لم تتخذ أوربا أي خطوات مماثلة في عامي 2015 و2016، واضطر طالبو اللجوء من الشرق الأوسط وأفريقيا في كثير من الحالات إلى الانتظار سنوات في مأزق قانوني، مما صعّب على الكثيرين الحصول على وظائف في الاقتصاد الرسمي للتأخّر في تقييم طلباتهم.

تأثير العرق والثقافة والدين
بينما رحب المدافعون عن اللاجئين بدعم الاتحاد الأوربي المتزايد للاجئين الأوكرانيين، شعر آخرون بالقلق من تأثير العرق والثقافة والدين في الاستجابة الإنسانية.
وغرد الناشط الحقوقي الأمريكي أجامو باراكا “بالنسبة لأي شخص يفهم العقل الليبرالي، يرجى توضيح سبب كون حياة الأوكرانيين أغلى من حياة الهايتيين والفلسطينيين والإثيوبيين والأفغان والسوريين والإيرانيين والأفارقة، هل صور المعاناة البيضاء هي التي تحركهم؟”.
وحاول طارق أبو شادي -الأستاذ المشارك في السياسة الأوروبية بجامعة أكسفورد- شرح الأمر في مقابلة مع واشنطن بوست قائلا “هناك فكرة المصير المشترك (يمكننا أن نكون التاليين)، ولدينا هوية مشتركة تقف ضد الإمبريالية الروسية. وهذا يعطي بعض الناس إحساسًا مختلفًا بالانتماء مع من يفرون الآن، مما يؤدي إلى زيادة التعاطف مع اللاجئين الأوكرانيين مقارنة بمن هم من سوريا”.
حياة السود أقل أهمية
وفي مقابلات أجرتها الصحيفة، قال العديد من اللاجئين وطالبي اللجوء في اليونان -وهي نقطة وصول رئيسية للفارين من صراعات الشرق الأوسط وأفريقيا- إنهم لم يتفاجؤوا من أن أوربا تتعاطى مع الأزمة الحالية بشكل مختلف.
وتحدث نيجيري في أثينا حول متابعة الأخبار والتعاطف مع الأوكرانيين الفارين من الحرب قائلًا “الكثير من الناس يموتون في اليمن، والكثيرون يموتون في إثيوبيا في أعمال عنف مروعة. القليل جدًّا من هذا يصل للأخبار. الآن أوربا والأوربيون هم من يفرون وأسمع الناس يقولون “كل الأرواح مهمة” لكن لا. ليست كلها على نفس القدر. حياة السود أقل أهمية”.
ومع ترحيب أوربا بالأوكرانيين فإنها تموّل خفر السواحل الليبي لمنع المهاجرين من عبور البحر المتوسط إلى إيطاليا، كما اتُّهمت قوات الأمن اليونانية بدفع المهاجرين نحو المياه التركية، في انتهاك للقانون الدولي.