100 يوم من حرب روسيا على أوكرانيا.. كيف تغيّر شكل العالم؟
تعتبر العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا أول حرب بين جيشين نظاميين في أوربا منذ الحرب العالمية الثانية، وأول خطر حقيقي ينذر باندلاع حرب شاملة في أوربا منذ نحو 80 عامًا، وقد تركت هذه الحرب آثارًا قوية على الحياة اليومية والاقتصاد والتحالفات السياسية لا في أوربا فقط بل في العالم أجمع.
ونرصد خلال هذا التقرير تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية في مختلف المحاور، بعد 100 يوم من اندلاعها في 24 فبراير/شباط.
ملايين اللاجئين
خلّفت الحرب التي شنتها موسكو على أوكرانيا صدمة في نفوس الأوربيين الذين لم يتخيلوا يومًا أن تصل ويلات الحروب مجددًا إلى قارتهم.
وتسببت العمليات العسكرية الروسية في فرار ما يقارب من 6.8 ملايين أوكراني من بلادهم ولجوئهم إلى دول أخرى، ونزوح ما لا يقل عن 7.7 ملايين مواطن إلى مناطق داخل البلاد، بحسب وكالة الأمم المتحدة للاجئين.
وتشهد أعداد اللاجئين تزايدًا ملحوظًا مع تصاعد وتيرة الأحداث، مما فرض على الدول الأوربية تقديم الرعاية الكاملة وتوفير شبكة أمان اجتماعي للاجئين ومن تعرضوا للعنف في أوكرانيا ولاسيما النساء والأطفال.
من جانبها، فتحت اليابان لأول مرة بابها لقبول العشرات من الأوكرانيين المشردين في خطوة لم تحدث من قبل في هذا البلد الذي لم يرحب تاريخيا بطالبي اللجوء، وذلك بدءًا من أوائل أبريل/نيسان الماضي.
أزمة غذاء عالمية
كانت أوكرانيا تعدّ رابع أكبر مصدر للذرة والقمح في العالم، وكانت روسيا تعدّ أكبر مصدر للنفط عالميا ومن أكبر موردي الأسمدة.
وأدى نشوب الصراع إلى قطع مثل هذه الصادرات مع استمرار روسيا في حصار الحبوب في موانئ أوكرانيا على البحر الأسود.
وتسببت الحرب الروسية الأوكرانية في خلق حالة من القلق العالمي حول توفر بعض المحاصيل، ولاسيما في دول بأفريقيا والشرق الأوسط كانت وارداتها من القمح تعتمد على محاصيل هاتين الدولتين.
بدوره حذر برنامج الغذاء العالمي من أن 41 مليون شخص في غرب ووسط أفريقيا قد يتأثرون بأزمة الغذاء هذا العام.
وأثار الصراع أيضًا الذعر لدى دول مثل مصر وسوريا ولبنان التي تعتمد على الواردات الأوكرانية والروسية بشكل أساسي.
واعتبارا من أبريل الماضي، فرضت حوالي 23 دولة قيودًا على تصدير الغذاء وهو مؤشر على تراجع الأمن الغذائي.
ويأتي القمح والذرة والزيوت النباتية ضمن أكثر المحاصيل التي توقفت الدول عن تصديرها لأن هذه المنتجات تشكل جزءًا كبيرًا من سلة الاستهلاك في العديد من البلدان المنخفضة أو المتوسطة الدخل.
التضخم العالمي وارتفاع الأسعار
جاءت الأزمة الروسية الأوكرانية عقب إغلاق تام فرضته جائحة فيروس كورونا، مما ترك آثارا قوية على الاقتصاد، حيث يشهد العالم موجة غير معهودة من التضخم وارتفاع الأسعار.
وسجل التضخم في منطقة اليورو رقمًا قياسيًا جديدًا حيث بلغ 8.1% في مايو/أيار الماضي، وسط ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء، وذلك بحسب ما نشره مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوربي.
ومن المتوقع أن يصل التضخم في الاتحاد الأوربي بأكمله إلى 6.8% هذا العام.
وارتفع معدل التضخم في المملكة المتحدة إلى 9% وهو أعلى معدل سنوي لها منذ عام 1982 بينما تواجه روسيا تضخمًا بنسبة 17%.
وقفز معدل التضخم السنوي في ألمانيا إلى 7.9% في مايو، وهو أعلى مستوى له منذ ما يقرب من نصف قرن.
ويعد معدل التضخم الحالي في ألمانيا الأعلى منذ شتاء 1973-1974 عندما أدت أزمة النفط إلى ارتفاع الأسعار.
أزمة الطاقة العالمية
تعد روسيا أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، وثاني أكبر مورد للنفط الخام وثالث أكبر مصدر للفحم.
وكانت روسيا تصدر ثلاثة أرباع غازها وحوالي نصف نفطها الخام إلى أوربا حتى بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا، حيث شكّل النفط والغاز والفحم الروسي ربع استهلاك الطاقة في الاتحاد الأوربي.
بيد أن الاتحاد الأوربي يسعى لإنهاء اعتماده على الطاقة الروسية بعد بدء الصراع بين الدولتين، حيث أعلنت المفوضية الأوربية نيتها لفطم الاتحاد الأوربي تماما عن الوقود الأحفوري الروسي بحلول عام 2030، بالإضافة إلى خطط لخفض كبير في استخدام الغاز الروسي بنسبة الثلثين بحلول نهاية هذا العام.
وأجرى قادة إيطاليا صفقات مع الجزائر ومصر وموردي الغاز الأفارقة الآخرين ليحلوا محل الغاز الروسي، كما تخطط بولندا لحظر واردات الغاز والنفط والفحم من روسيا بحلول نهاية العام.
بدورها، خفضت ألمانيا اعتمادها على الغاز الروسي من 55% إلى 35% والنفط الروسي من 35% إلى 12%، وأطلقت الحكومة خطة طوارئ مبكرة لنقص محتمل في الغاز الطبيعي.
وقد أعلنت فنزويلا استعدادها للتعاون مع الولايات المتحدة، ورفعت إنتاج النفط إلى مليوني برميل يوميا منذ مارس/آذار الماضي.
وقررت أيضًا الدول الأعضاء في تحالف (أوبك بلس) رفع إنتاج النفط خلال الصيف المقبل، وسط مخاوف متزايدة من حدوث نقص في الأسواق العالمية إذا وسع الغرب عقوباته على النفط الروسي في ظل استمرار الحرب على أوكرانيا.
وكانت شركة الغاز الروسية (غازبروم) قد قطعت الإمدادات عن 6 دول أوربية، خلال فترات متفاوتة في الأسابيع الأخيرة إثر خلاف متعلق بسداد قيمة الإمدادات بالروبل الروسي، وهذه الدول هي بولندا وبلغاريا وفنلندا والدنمارك وهولندا وألمانيا.
توسع الناتو
ترك الهجوم الروسي على أوكرانيا بصماته على الجغرافيا السياسية حيث تشهد التكتلات الجيوسياسية والاقتصادية الشرقية والغربية إعادة تشكيل، مع روسيا والصين من جانب، والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة على الجانب الآخر.
وأعلنت فنلندا والسويد مؤخرا نيتهما الانضمام إلى التحالف محطمتين ما يقرب من 70 عاما من الحياد، كما أعلن الناتو استعداده لزيادة قواته في شرق أوربا بشكل كبير.
وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حلف شمال الأطلسي (ناتو) مرارًا وتكرارًا من العواقب إذا سمح الحلف لأوكرانيا بالانضمام، في حين قام الحلف بتزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات على الرغم من رفضه طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لفرض منطقة حظر طيران فوق البلاد.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قد قال، أمس، إن بوتين أراد الحد من وجود الناتو في أوربا من خلال حربه على أوكرانيا “لكنه حصل على عكس ما أراد”.
التسليح والإنفاق العسكري
فرض الهجوم الروسي على أوكرانيا، على الدول الأوربية إعادة النظر في سياساتها المتعلقة بالدفاع والإنفاق العسكري وخططها لتعزيز قدرات جيشها.
وكانت ألمانيا من أبرز الدول التي اتخذت خطوات ملموسة في هذا الشأن، ضمن تداعيات الهجوم الروسي وتخلت عن سنوات من السياسات التي لا تضع قدرات الجيش في مقدمة أولوياتها.
ووافق البرلمان الألماني، بأغلبية كبيرة على تعديل دستوري يتيح استثمارات بالمليارات لصالح الجيش الألماني.
وتنص المادة الجديدة على أنه يمكن الحصول على قروض تصل إلى 100 مليار يورو (نحو 107 مليارات دولار) لصالح الجيش الألماني من دون الالتزام بكبح الديون.
ومن المقرر استخدام تلك الأموال لشراء معدات أفضل للقوات المسلحة خلال السنوات المقبلة. ويشمل ذلك طائرات ودبابات وذخائر، والعتاد الشخصي للجنود مثل أجهزة الرؤية الليلية أو الأجهزة اللاسلكية.
ظهور أسلحة استراتيجية قليلة التكلفة
كشف الصراع الروسي الأوكراني عن نوع جديد من الأسلحة الخفيفة والمنخفضة التكلفة على غرار المسيرة التركية (بيرقدار تي بي 2) التي استهدفت مدرعات ودبابات روسية بدقة بالغة.
وتتميز مسيرات بيرقدار بقدرتها على التحليق جوًا لأكثر من 24 ساعة ويمكنها حمل صواريخ خفيفة مضادة للدبابات وقنابل صغيرة لمهاجمة أهداف على السطح.
من جانبها، زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بالمُسيّرة (سويتشبليد) التي يعتبرها الخبراء “بندقية طائرة” حيث تطلق من أنبوب مثل قذيفة هاون لتضرب الأهداف بقوة.
التلويح بحرب نووية
أطلق الهجوم الروسي على أوكرانيا العنان لحقبة جديدة من “الابتزاز والانتشار” النووي.
وأكدت واشنطن صراحة أنه من الضروري “عدم الاستخفاف” بالتهديد الذي يمثله اللجوء المحتمل إلى أسلحة نووية تكتيكية أو أسلحة نووية منخفضة القوة، رغم عدم رصد الولايات المتحدة “أدلة عملية” كثيرة على عمليات نشر فعلية لهذه الأسلحة من شأنها التسبب في مزيد من القلق.
جاء ذلك عقب إعلان موسكو وضع القوات النووية الروسية في حالة تأهب قصوى بعيد بدء الحرب على أوكرانيا.