نصف عام من القتال.. ما السيناريوهات التي تنتظر السودان وانعكاسات حرب غزة عليها؟

هناك أربعة سيناريوهات متوقعة الحدوث وفق محللين

تواصل الاشتباكات في السودان بين الجيش والدعم السريع (رويترز ـ أرشيف)

عندما انطلقت الرصاصة الأولى في العاصمة السودانية الخرطوم صباح الخامس عشر من شهر إبريل/نيسان الماضي، كان ذلك تتويجًا لتوترات سياسية وعسكرية محتدمة على مدى أسابيع بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.

تصاعدت وتيرة الخلافات في الأيام الأخيرة التي سبقت الحرب، حول قضية الإصلاح الأمني والعسكري ودمج الدعم السريع في الجيش، صاحب ذلك تحشيد عسكري ضخم من الدعم السريع في العاصمة الخرطوم، توجته بالسيطرة على قاعدة مروي الجوية شمالي البلاد.

ومع ذلك، فإن التوترات بين قيادتي الجيش والدعم السريع التي سبقت اندلاع الحرب، مثلت في المقابل تراكمًا من الخلافات والاعتراضات داخل المؤسسة العسكرية على الصعود المتنامي للأخيرة، في أعقاب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير في إبريل 2019.

نصف عام على حرب السودان

واليوم، مع إكمال الحرب التي تمزق السودان ستة أشهر منذ اندلاعها، تثور التساؤلات عن مستقبل البلد الإفريقي الفقير، الذي يبلغ تعداد سكانه نحو 48 مليون نسمة، في حرب ليست جديدة عليه، إذ ظل يرزح تحت وطأتها منذ استقلاله في يناير/كانون الثاني 1956، بعدما كلفته الصراعات المسلحة أكثر من ثلثي ترابه، بعد انقسام الجنوب عنه في يوليو/تموز 2011.

وبعد نحو 12 عامًا على انقسام الجنوب عنه، انزلق السودان في أتون صراع مسلح واسع النطاق اندلع من عاصمته الخرطوم هذه المرة، وهي التي ظلت بمنأى عن الحروب، طيلة فترات النزاع السابقة.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان “يسار” وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي” (الفرنسية)

4 سيناريوهات

هذه الموجة الجديدة من حالة عدم الاستقرار، فضلًا عن العوامل الخارجية التي تؤجج الصراع في السودان -برأي محللين- يمكن أن تقود إلى عدد من السيناريوهات الخطيرة. إذ يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة أم درمان الإسلامية في السودان صلاح الدين الدومة في حديثه لـ(الجزيرة مباشر) إن هناك أربعة سيناريوهات متوقعة الحدوث.

يشير الدومة إلى أن أول السيناريوهات المحتملة، هو تحقيق نصر كاسح لأحد طرفي القتال، ومع ذلك يرى أنه احتمال ضعيف. أما السيناريو الثاني، فيعتقد أنه يتمثل في إمكانية التوصل إلى تسوية ووفاق عبر منبر جدة الذي تتوسط فيه كل من واشنطن والرياض.

بينما يشمل السيناريو الثالث، بحسب الدومة، وقوع ما وصفه بحدث محلي أو إقليمي يقلب الموازين لصالح الإسلاميين، مشيرًا إلى أنه أضعف السيناريوهات. في الأخير يرجح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية تفعيل الفصل السابع عبر مجلس الأمن الدولي، الذي قال إنه المَخرج الوحيد والمنظور.

انعكاسات حرب غزة على السودان

وردًّا على سؤال (الجزيرة مباشر) عن انعكاسات الحرب في قطاع غزة على السودان، اتهم الدومة رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان بأنه “عميل إسرائيلي”، وقال إن الأخيرة اكتشفت أنه يضر أكثر مما ينفع، وبالتالي أصبح عبئًا على دولة الاحتلال الإسرائيلي.

وفي 3 فبراير/شباط 2020، كسر البرهان عداءً مستحكمًا بين السودان وإسرائيل، عندما التقى رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو في مدينة عنتيبي الأوغندية، وبعدها بأشهر وجيزة تطورت العلاقة بين البلدين بشكل متسارع، إلى أن تُوجت في يناير 2021 بتوقيع السودان على اتفاقات إبراهام في السفارة الأمريكية بالخرطوم.

في السياق، رأى الخبير العسكري والمحلل السياسي أمين مجذوب أن الصراع في غزة يخص مجموعة حماس والحكومة الإسرائيلية، وأنه لا تأثير مباشرًا له على السودان، رغم أن هناك تسريبات بوصول أسلحة إسرائيلية إلى الدعم السريع وفقًا لاتفاقيات سابقة بعد زيارات قام بها بعض المسؤولين فيها إلى إسرائيل.

استمرار الهجمات الإسرائيلية في غزة- دير البلح (الأناضول)

وأضاف “إذا توقفت هذه الإمدادات فستؤثر على سير العمليات في الحرب المندلعة حاليًّا في السودان، أيضًا ربما يكون إعادة السودان للعلاقات مع إيران واحدًا من مخرجات هذا الصراع الذي اندلع في غزة، وربما يكون لإيران دور كبير أيضًا بالتأثير على مجريات الصراع في السودان”.

المحلل السياسي الحاج حمد، يرى في حديثه لـ(الجزيرة مباشر) أن الانعكاس الوحيد هو سحب الأضواء تمامًا من الذي يحدث في السودان، والتركيز على موضوع حرب غزة.

وأضاف “فيما يخص موقف الدعم السريع والبرهان، فإن الاثنين كانت لديهما محاولات للوصول إلى مستوى من العلاقات مع إسرائيل، تمثلت في لقاء عنتيبي، وفي الإمارات وهي الداعم الأساسي للدعم السريع، وبالتالي هي أكثر الأصوات العربية حتى الآن الأقرب إلى تأييد إسرائيل.

توطين الأزمة

بالعودة إلى ما يمكن أن يحدث في السودان، يقول الخبير العسكري والمحلل السياسي أمين مجذوب لـ(الجزيرة مباشر) إنه مع مرور 6 أشهر على الحرب في السودان، فإن هذا الأمر يؤدي إلى ما يُعرف بتوطين الأزمة، بمعنى أن الصراع أصبح عادة يومية لدى الأطراف المتقاتلة، وبالتالي فإن التوطين ستصبح معه إمدادات بشرية ولوجستية مما سيعني تطويل الأزمة على الشعب السوداني.

ويضيف “يجب على المتصارعين الآن الانتباه إلى كون استمرار الصراع وعدم وجود أي فرص لإيقاف الحرب تضر بالشعب السوداني، وأن بنود الألفية السادسة تتحدث عن التدخل لأسباب إنسانية تحت الفصل السابع لإنقاذ شعب أي دولة، وهو ما سيجر إلى تدخل دولي ويُحدث تغييرات جيوسياسية على المشهد السوداني بكامله.

ويرى مجذوب أن السيناريوهات مختلفة، ما بين استمرار الصراع الذي يؤدي إلى انهيار الدولة، والسيناريو الثاني وهو انتصار أحد الطرفين، ويشير هنا إلى أن التشكيلة ستتغير تمامًا. ففي حال انتصار الجيش سيكون هنالك تغيير في التحالفات الداخلية والخارجية وفي الفاعلين على الساحة السياسية.

والسيناريو الثالث، وفق مجذوب، هو أن يكون هناك تدخل دولي تحت الفصل السابع. وقال “يبدو الآن أن هنالك مشاريع تُقدَّم في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ربما تسرع في هذا التدخل تحت ما يُعرف بالتدخل لأسباب إنسانية”.

وبحسب الخبير العسكري، فإن فرص الحل المتاحة الآن بيد الجيش السوداني الذي يشعر بأن الكفة تميل إليه في إطار استخدام القوات الجوية والمدفعية وقوات العمل الخاص، وهذا الأمر يشجعه على الاستمرار في الصراع العسكري دون اللجوء إلى حل سياسي أو تفاوض.

الدخان يتصاعد فوق المباني في الخرطوم التي مزقتها الحرب (الفرنسية)

الحل.. سياسي أم عسكري؟

في المقابل، رأى مجذوب أن انتهاكات الدعم السريع ربما لا تتيح له قبولًا مستقبليًّا إذا كان هناك تفاوض يعيده إلى المشهد مرة أخرى كقوة عسكرية، أو كقوة سياسية موجودة على الساحة.

ويعتقد الخبير العسكري أنه من الواضح أن الجميع يتجه إلى الحل العسكري مع وجود بوادر من المجتمع الدولي للضغط على الطرفين من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات، مضيفًا أن “القاعدة الذهبية تقول إن أي صراع لا بد أن ينتهي بتفاوض حتى ولو كنت منتصرًا، ووجود اتفاقية لتملي شروط المنتصر”.

“فرص الحل سياسية، أما عسكريًّا فلن يستطيع أحد الطرفين تحقيق انتصار عسكري، ويجب أن يجلسا لعملية دمج القوات”، يقول المحلل السياسي الحاج حمد، مشيرًا إلى أن هذا السيناريو يؤكد ضرورة انتهاء الحرب. ويضيف “النظام العالمي وضع كل الممكن أن يعطيه بتوصيل الطرفين إلى اتفاق جدة”.

وبشأن إمكانية فرض الفصل السابع في وضع السودان، رأى حمد أن الاصطفاف الدولي ليس كاملًا، وأن المحاولات للوصول إلى الفصل السابع لا تزال “خجولة”، لافتًا إلى أن روسيا والصين تحدثان توازنًا في موضوع أي انتقال إلى الفصل السابع.

ومع ذلك، رأى أن قرار مجلس حقوق الإنسان إنشاء بعثة دولية للتقصي بشأن الانتهاكات في السودان بعد اندلاع الحرب، عبر الفصل السادس، قد يوفر أرضية للانتقال إلى الفصل السابع إذا امتنع الطرفان عن تقديم المساعدة والدعم لتقصي الحقائق.

ومع عدم وجود أي أفق منظور لحل الصراع، واستمرار معاناة السودانيين على مدى ستة أشهر مع الاقتتال الدامي، ما زال الملايين في انتظار السيناريو الذي يضع حدًّا لمعاناتهم، لكن وفق التصور الذي يرضيهم.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان