أبو بكر الصديق.. رفيق النبي وأول قائد لأمة الإسلام من بعده
شارك في جميع غزوات الرسول ﷺ
يُعد أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- من أبرز الشخصيات في التاريخ الإسلامي، إذ كان أول رجل حر يدخل الإسلام وأول الخلفاء الراشدين. وُلد في مكة المكرمة، وكان رفيق النبي ﷺ في الهجرة إلى المدينة المنورة.
تميز أبو بكر بعفته قبل الإسلام وتقواه بعد دخوله في الدين. شارك في جميع غزوات النبي ﷺ وأظهر شجاعة كبيرة في الدفاع عن الإسلام.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsماذا يفعل المسلم إذا كان مصدر رزقه الوحيد في مؤسسة تدعم إسرائيل؟ (فيديو)
بطل الفنون القتالية الفرنسي “دومبي” يرتل القرآن بصوت شجي (فيديو)
أذهلتها 4 آيات.. ناشطة أمريكية تأثرت بثبات الفلسطينيين فبدأت رحلتها مع القرآن (فيديو)
خلال خلافته، تصدى لمنع الزكاة ومحاربة المرتدين، وحقق نجاحًا في تثبيت أركان الدولة الإسلامية. كما شهدت خلافته توسع الدولة شمالًا، وبدأ مشروع جمع القرآن الكريم.
مولد ونشأة “الصدّيق”
الصحابي الجليل أبو بكر الصديق، اسمه عبد الله بن عثمان القرشي، ولد في مكة المكرمة في 27 أكتوبر/تشرين الأول 573 م، بعد مولد النبي ﷺ بعامين. وينتمي إلى قبيلة قريش ويلتقي نسبه مع النبي في جده السادس مرة بن كعب.
والده عثمان بن عامر، المعروف بأبي قحافة، أسلم يوم فتح مكة، ووالدته سلمى بنت صخر، وهي ابنة عم والده، ولقبت بأم الخير. لُقّب بالصديق لسبقه في تصديق النبي ﷺ في حادثة الإسراء والمعراج. كما عُرف بالعتيق لنقائه أو لقول النبي له “أنت عتيق الله من النار”.
إسلامه ودوره في الدعوة
أثبتت السيرة أن أبا بكر الصديق كان مثالًا للعفة والنزاهة حتى قبل إسلامه، حيث عمل في التجارة ولم يشرب الخمر قط ولم يسجد لصنم. وكان أول رجل حر يدخل الإسلام ويصدق النبي ﷺ فور دعوته.
وقد رأى أبو بكر دلائل النبوة قبل البعثة، وعندما دعاه النبي للإسلام استجاب دون تردد، فلم يعارض أو يشكك قط في كلام النبي، مما أدخل السرور على قلبه ﷺ. وكان الصديق معروفًا بسماحة خلقه وفضله بين قومه، فأحبوه وأجمعوا على علمه بأنسابهم وتاريخهم.
وبعد إسلامه، كان أبو بكر داعمًا قويًا للدعوة الإسلامية، حيث أسلم على يديه عدد من أعلام الصحابة، ومن أبرزهم عثمان بن عفان، والزبير بن العوام، وطلحة بن عبيد الله، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح -رضي الله عنهم-. وكان هؤلاء الصحابة من أعمدة الإسلام الأولى، وأسهموا في بناء الدعوة منذ بداياتها.
هجرته مع النبي ﷺ
أكد العلماء أن أباو بكر الصديق كان رفيق النبي ﷺ منذ أن أسلم وحتى وفاة النبي، حيث شاركه في الهجرة والغزوات وجميع أسفاره، وكان ملازمًا له في الحضر والسفر. وفي الهجرة، ترك الصديق أهله وعياله شوقًا لمرافقة النبي في هذه الرحلة العظيمة.
رافق أبو بكر النبي ﷺ إلى غار ثور خلال الهجرة، حيث آنسه ووقاه بنفسه من أي أذى. وقد ورد أن النبي قال له حين طلب الإذن بالهجرة “لا تعجل، لعل الله يجعل لك صاحبًا”، مشيرًا إلى ما سيؤول إليه من رفقة النبي في هذه الرحلة.
وعندما جاء النبي إلى بيت أبي بكر في وقت غير معتاد، قال الصديق “فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر جلل”، ليعلم بعدها أن النبي ﷺ أُذن له بالهجرة. وعندما طلب أبو بكر مرافقة النبي في هذه الرحلة، وافق النبي قائلاً “أنت أخي وصاحبي في الغار”.
وخلال الرحلة، أظهر الصديق خوفًا شديدًا على سلامة النبي أكثر من نفسه. وساهم أبناء أبي بكر في إنجاح الرحلة؛ حيث كان ابنه عبد الله ينقل أخبار قريش، بينما كانت ابنته أسماء تعد الطعام وتوصله إلى الغار.
مكانته وفضله
حظي أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بمكانة استثنائية في الإسلام وعند النبي ﷺ، إذ ورد العديد من الآيات والأحاديث التي أشارت إلى فضله ومنزلته.
ومن أبرز ما قاله النبي ﷺ قبيل وفاته “كان لي فيكم إخوة وأصدقاء، وإني أبرأ إلى الله أن أكون اتخذت منكم خليلاً، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، وإن ربي اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً”.
عرف الصديق -رضي الله عنه- بسعيه المستمر إلى فعل الخير، وكان من أشجع الناس في حماية النبي ﷺ والدفاع عنه. كما كان منفقًا كريمًا، دعم ضعاف المسلمين الذين تعرضوا للتعذيب في مكة، واشتهر بإعتاقه للعبيد المعذبين في سبيل الله، ومن بينهم بلال بن رباح -رضي الله عنه- بالإضافة إلى تحرير سبعة آخرين من الرجال والنساء الذين تعرضوا للاضطهاد بسبب إسلامهم.
وفي موقف يظهر تواضعه وحرصه على الإصلاح، حدث خلاف بينه وبين عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- فامتنع عمر عن مسامحته. لجأ أبو بكر إلى النبي ﷺ الذي قال له “يغفر الله لك يا أبا بكر”. وعندما أدرك عمر خطأه، ذهب للنبي معتذرًا، فوجده يقول “إن الله بعثني إليكم، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟”. ومنذ ذلك الحين، لم يتعرض الصديق لأي أذى.
خلافته
بعد وفاة النبي ﷺ اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة للتشاور حول اختيار خليفة لرسول الله، واقترحوا زعيم الخزرج سعد بن عبادة كمرشح للخلافة. وفي الوقت ذاته، كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- مجتمعًا مع المهاجرين، ولما بلغهم خبر اجتماع الأنصار، توجهوا إليهم.
خطب أبو بكر في الأنصار، مشيدًا بمواقفهم البطولية ونصرتهم للنبي ﷺ، ثم رشح عمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح -رضي الله عنهما- للخلافة.
لكن عمر بن الخطاب رفض ذلك، وبادر بمبايعة أبي بكر، وهو ما تبعه الأنصار، ليتم اختيار أبي بكر خليفة للمسلمين في اليوم التالي ببيعة عامة، معلنًا بذلك بداية الخلافة الراشدة في السنة الـ11 للهجرة.
أبرز مواقفه
إنفاذ جيش أسامة بن زيد
قبل وفاة النبي ﷺ، جهز جيشًا بقيادة أسامة بن زيد لمحاربة الروم. وبعد توليه الخلافة، واجه أبو بكر مطالب بإيقاف الحملة نظرًا للظروف الصعبة، لكنه أصر على تنفيذ أوامر النبي، مما أسفر عنه انتصار المسلمين في هذه المعركة.
قتال أهل الردة ومانعي الزكاة
بعد وفاة النبي، شهدت الجزيرة العربية موجة ارتداد عن الإسلام وامتناع عن دفع الزكاة. أصر أبو بكر على محاربتهم رغم اعتراض بعض الصحابة، مؤكدًا أن الزكاة جزء من الإسلام لا يُفصل عن الصلاة. وأرسل جيوشًا إلى عدة مناطق، من بينها جيش عكرمة إلى عُمان، وجيش العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، مما أعاد الاستقرار للدولة الإسلامية.
القضاء على فتنة مسيلمة الكذاب
كان مسيلمة الكذاب من أبرز المرتدين بعد وفاة النبي ﷺ، حيث ادعى النبوة. أرسل أبو بكر جيشًا بقيادة خالد بن الوليد إلى اليمامة، حيث قُتل مسيلمة في معركة حاسمة، مما أنهى فتنة المرتدين وأعاد هيبة الإسلام.
التوسع وجمع القرآن
بعد نجاحه في توحيد الدولة، بعث أبو بكر جيوشًا بقيادة خالد بن الوليد للتوسع شمالًا، محققًا انتصارات كبيرة في معارك مثل اليرموك وأجنادين.
كما استجاب لمشورة عمر بن الخطاب بجمع القرآن الكريم بعد استشهاد العديد من الحفظة في معركة اليمامة، وأوكل المهمة إلى زيد بن ثابت، كاتب وحي النبي ﷺ، مما أسهم في حفظ القرآن من الضياع.
بهذه الإنجازات، وضع أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- أسسًا راسخة للدولة الإسلامية، وواجه تحديات كبيرة بحكمة وشجاعة، ليظل مثالًا يحتذى به في القيادة الراشدة.
وفاته
ذكرت عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- أن بداية مرض والدها كان بعد اغتساله في يوم بارد، تحديدًا يوم الإثنين السابع من شهر جمادى الآخرة، حيث أصيب بالحمى واستمرت معه لمدة 15 يومًا، مما منعه من الخروج إلى الصلاة.
وأثناء مرضه، أوصى أبو بكر الصديق بأن تكون الخلافة من بعده لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما. ثم توفي الصديق إثر هذا المرض في شهر أغسطس/آب عام 634 م، وتم دفنه بجوار النبي ﷺ في المدينة المنورة.