يعتمد عليها 70% من المرضى.. آلاف العيادات الطبية في مصر تواجه خطر الإغلاق

مصر عيادات طبية خاصة
يقدر عدد العيادات الطبية الخاصة في مصر بأكثر من 80 ألفا (الجزيرة مباشر)

لا يستطيع الزائر لمنطقة “باب اللوق” بوسط العاصمة المصرية القاهرة تبين أشكال الأبراج والبنايات الإدارية الشاهقة بسبب اللافتات المتشابكة والمتداخلة لعيادات الأطباء التي تغطي واجهات العمارات وتجعلها تبدو كمدينة طبية يلجأ إليها كثيرون ممن يبحثون عن خدمة صحية لا تتوفر في المستشفيات الحكومية والخاصة.

وخلف تلك اللافتات تعالت شكاوى أطباء من قرار حكومي يطالبهم بالتكيف مع قوانين فرضتها الإدارة المحلية بأثر رجعي وأثارت جدلا واسعا.

ولم يتردد طبيب أمراض القلب خالد حمدي بوصف هذه القرارات بالعشوائية. وقال للجزيرة مباشر إن دفع الأطباء للتصالح مع قانون يطبق بأثر رجعي ليس له وصف سوى ذلك. وتوقع حمدي أن يترك القانون آثارا سلبية على الخدمة الطبية المقدمة للمرضى.

وتواجه العيادات الطبية الخاصة، التي يتجاوز عددها 80 ألفا، تحديات متزايدة تتعلق بالتكيف مع قانون البناء الذي تتحكم فيه وزارة التنمية المحلية بخلاف وزارة الصحة التي تشرف على المنشآت الطبية.

ويقول طبيب الأسنان عبد الرحمن عيد للجزيرة مباشر إنه تلقى إخطارا بالغلق أو التصالح المالي، موضحا أنه فكر بترك مهنته، وتحول جزئيا للعمل بالعقارات، وقرر السفر خارج البلاد.

ولا يقف الأمر عند مسألة التصالح وتحويل صفة العيادة من منشأة بمكان سكني إلى منشأة إدارية وتجارية، بل وصل إلى حد مطالبة الأطباء بدفع رسوم عن كل متر بقيمة تصل إلى 2500 جنيه (نحو 50 دولارا)، حسبما يقول طبيب أمراض النساء عبد العظيم بركات للجزيرة مباشر.

ويحمل بركات الحكومة المسؤولية عن تراجع الخدمات الطبية، مشيرا إلى أن أي رسوم إضافية على الأطباء ستصل تبعاتها حتما إلى جيوب المرضى.

وأضاف: “نحن ندفع الضرائب طبقا للقانون، وليس معقولا أن يُطلب من الأطباء التصالح على مخالفات لم يرتكبوها”.

وأردف موضحا: “العيادات الطبية تخضع لقانون المهن الطبية، وليس قانون البناء رقم 119 لسنة 2008”.

النقابة تتحرك

ودعت نقابة الأطباء إلى التراجع عن القرار، لكن كمال محروس، عضو الفريق القانوني بوزارة التنمية المحلية، قال للجزيرة مباشر إن مشكلة الأطباء مع البرلمان وعليهم التوجه إلى مجلس النواب لاستصدار قانون جديد، أو طلب تعديل الإجراءات المنظمة للتراخيص.

ورفض محروس اتهام الوزارة بالتعنت، وقال إن الكرة الآن في ملعب مجلس النواب، مؤكدا أن “إجراءات الغلق والتشميع قائمة حتى إشعار آخر”.

وأعلنت نقابة الأطباء أنها توجهت بالفعل إلى البرلمان “لوقف مطالبة الأطباء بالتصالح على عياداتهم وتحويلها من صفة سكني لإداري، لضمان استمرار تقديم الخدمات الطبية بالشكل اللائق”.

وقالت النقابة في بيان إن “الأطباء لم يرتكبوا مخالفات للتصالح عليها، باعتبار أن العيادات الطبية لا تخضع لقانون البناء رقم 119 لسنة 2008، ولا للتصالح عليه، وأن العيادات الطبية والمستشفيات الخاصة وما في حكمها تخضع لقانون المهن الطبية، وهو الأمر الذي استقرت عليه مراكزها القانونية حتى قبل إصدار قانون المهن الطبية عام 1981”.

ورأى المحامي المتخصص في القضايا الإدارية ربيع جميل في حديثه للجزيرة مباشر أن قرارات الغلق تخالف الدستور، وتعتدي على الملكية الخاصة، وعلى أوضاع قانونية صحيحة ومستقرة منذ سنوات طويلة.

واعتبر جميل أن فرض رسوم قاسية على الأطباء يخالف القانون رقم 51 لسنة 1981 بشأن تراخيص المنشآت الطبية. ولفت إلى ضرورة تفعيل مبدأ “الخاص يقيد العام” عند تشابك القوانين، موضحا أن قانون المهن الطبية هو الخاص الذي يقيد العام بقانون البناء.

وقال محمود السباعي، وهو مهندس متقاعد، للجزيرة مباشر إنه كأغلبية الموظفين لا يجد الخدمة الملائمة بالمستشفيات الحكومية “ولا يقدر على تكلفتها بالمستشفيات الخاصة”.

ويشير السباعي إلى أن بعض العيادات الطبية تخصص أقساما برسوم مخفضة للفقراء ومحدودي الدخل، وخصوصا تلك التي تتبع الجمعيات الأهلية الخيرية.

وأشار السباعي إلى أن أحد أبنائه يعاني من مرض “نزف الدم”، أو ما يعرف باسم “الهيموفيليا”، ويحصل على المساعدة الطبية الملائمة من عيادات خاصة مهددة بالغلق.

وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن الحكومة تسعى لتبسيط إجراءات الترخيص، لكنه لم يكشف عن تحرك محدد.

وتعليقا على ذلك قال نقيب الأطباء أسامة عبد الحي في تصريحات صحفية إن الحل بسيط، ويكمن في قصر الإجراءات الجديدة على المنشآت التي لم تُرخص بعد. ولفت إلى أن نحو 70 % من أبناء الشعب يعتمدون على العيادات الخاصة للحصول على رعاية سريعة بتكلفة أقل.

تعاني المستشفيات الحكومية من نقص كبير في عدد الأطباء والإمكانيات
تعاني المستشفيات الحكومية من نقص كبير في عدد الأطباء والإمكانيات (الجزيرة مباشر)

القطاع الصحي يعاني

ولم تكن أزمة العيادات هي العنوان الوحيد للمواجهة بين الأطباء والحكومة، إذ سبقها عدد من الأزمات بلغت ذروتها بالكشف عن تزايد معدلات هجرة الأطباء بما يعرض القطاع الصحي لأزمة حقيقية، حسب تقدير استشاري أمراض الجهاز الهضمي سمير بركات في حديثه للجزيرة مباشر.

ويشير بركات إلى أن نحو 62% من الأطباء أصبحوا خارج المنظومة الصحية باعتراف إحصاءات حكومية كشفت أن عدد الأطباء الحاصلين على ترخيص مزاولة المهنة يبلغ 213 ألفا يعمل منهم بجميع قطاعات الصحة نحو 80 ألف طبيب فقط، أي بنسبة 37%.

وأشار بركات إلى أن مصر لديها طبيب لكل 1437 شخصاً، بينما المعدل العالمي هو طبيب لكل 350 شخصا. كما ربط بركات بين أزمة القطاع الصحي والاتجاه لما سماه “تسليع الخدمات الطبية”، عبر توسيع قاعدة الاستثمار والأرباح لصالح المستشفيات الخاصة على حساب المرضى الفقراء ومحدودي الدخل.

وطالب الحكومة بمراجعة جذرية لوضع الأطباء، قائلا: “ليس من مصلحة أحد أن يكون عددهم أقل من نصف المطلوب، وفى نفس الوقت يتم التضييق عليهم”.

ووفق نقابة الأطباء المصرية يبلغ متوسط راتب الطبيب 4000 جنيه مصري، (نحو 80 دولاراً)، بينما يصل متوسط راتب تقاعد الطبيب بعد نحو 35 عاماً من العمل الحكومي 2300 جنيها (نحو 46 دولارا).

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان