مأساة “سامبال” الهندية.. مقتل 4 مسلمين وسط مخاوف من تكرار سيناريو مسجد “بابري”
ساحة جديدة لاستهداف مسلمي الهند
شهدت مدينة سامبال في ولاية أوتار براديش، الواقعة على بُعد 160 كيلو مترًا شرق العاصمة الهندية نيودلهي، مأساة مروعة، راح ضحيتها 4 مسلمين خلال اشتباكات مع الشرطة، واندلعت المواجهات بعد إجراء مسح رسمي للتحقيق في مزاعم هندوسية بأن مسجدًا تاريخيًا يعود للقرن الـ16 بُني فوق معبد هندوسي قبل 500 عام.
أجندة حزب بهاراتيا جاناتا
اعتبر رئيس وزراء ولاية أوتار براديش السابق، أخيلش ياداف بأن الحادثة المأساوية في سامبال، كانت مدبرة، وأكد أن القرار القضائي المتسرع والمتحيز بشأن مساعي هدم المسجد أسهم بشكل متعمد في تأجيج الوضع.
اقرأ أيضا
list of 1 itemوأشار ياداف إلى أن القاضي تصرف بما يخدم أجندة حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتشدد، من خلال السماح بإجراء مسح داخل المسجد، وفقًا لمطالب المتطرفين الهندوس مما زاد من حدة التوترات الطائفية.
وتساءل عما إذا كان “نشطاء من حزب بهاراتيا جاناتا، الذين رفعوا شعارات استفزازية، قد رافقوا فريق المسح”، خلال زيارتهم الثانية لجامع سامبال يوم الأحد 24 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.
جريمة قتل متعمدة
من جانبه أدان عضو البرلمان المسلم أسد الدين أويسي الحادثة بشدة، مشيرًا إلى تاريخ المسجد وأهمية احترام إرثه، وقال “المسجد في سامبال ليس عمره 50-100 عام فقط، بل يعود تاريخه إلى قرون. المحكمة أصدرت أمرًا من جانب واحد دون الاستماع إلى ممثلي المسجد، وهذا خطأ جسيم”.
وأضاف “عندما تم إجراء المسح الثاني، لم يتم إعلام أحد مسبقًا. الفيديوهات المنتشرة تؤكد رفع شعارات استفزازية من قِبل الذين أجروا المسح، مما أدى إلى أعمال عنف قُتل فيها أربعة مسلمين برصاص الشرطة. نحن ندين هذه الجريمة بشدة. هذا ليس مجرد إطلاق نار بل جريمة قتل متعمدة”.
وطالب أويسي بمحاسبة المسؤولين، قائلًا “يجب تعليق عمل الضباط المتورطين فورًا، ويجب أن يتم تحقيق في الواقعة من قبل قاضي محكمة عليا. ما يحدث في سامبال هو انتهاك صارخ للعدالة واعتداء على حقوق المواطنين”.
تاريخ مدينة سامبال
تعدّ مدينة سامبال، الواقعة في ولاية أوتار براديش شمال الهند، من المدن ذات الأهمية التاريخية والثقافية في الهند، حيث كانت مقرًا ومركز عبور للعديد من الأمراء المسلمين، ووفقًا لكتاب مصباح التواريخ فقد بُني مسجد شاهي في سامبال عام 772 هـجرية (1370 ميلادية) على يد السلطان شاه تغلق، وجرى توسيعه لاحقًا في عام 932هـ (1525م) على يد الإمبراطور المغولي ظهير الدين بابر.
ومع ذلك، زعمت جماعات هندوسية متشددة أن المسجد بُني فوق معبد هندوسي قديم تم هدمه، وهو ادعاء مشابه لما أثير حول مسجد بابري في أيوديا بولاية أوتار براديش أيضًا، الذي حل محله الآن معبد هندوسي بعد أحداث طائفية ومعركة قضائية استمرت نحو 27 عامًا، وسعيًا لتكرار السيناريو ذاته، قدمت هذه الجماعات عريضة للمطالبة بهدم مسجد سامبال وتحويله إلى معبد.
المؤرخون أشاروا إلى أن المحاولات لإثارة هذا النزاع قضائيًا بدأت منذ عام 1879، وتكررت بعد عام 1950، لكن المحاكم الهندية كانت عادة ما ترفض هذه الادعاءات.
لكن صعود حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف إلى السلطة منح هذه الجماعات نفوذًا متزايدًا، ما أدى إلى تغيير في نهج المحاكم، وهو ما أثار مخاوف المسلمين في الهند من فقدان مسجد تاريخي آخر تحت غطاء قانوني.
من العريضة إلى العنف
في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أصدرت محكمة مدنية في منطقة سامبال شانداوزي، برئاسة القاضي أديتيا سينغ، أمرًا بإجراء مسح لمسجد شاهي بناءً على مزاعم من هندوس متطرفين بأنه أُقيم على أنقاض معبد هندوسي دُمر في عام 1526.
وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، وصل فريق من المساحين الهندوس المدعومين علنًا من عناصر من حزب بهاراتيا جاناتا إلى الموقع لإجراء مسح ثانٍ، وأفاد شهود عيان أن تجمع المساحين الهندوس أثار غضب المسلمين في الهند، الذين تجمع بعضهم بأعداد كبيرة للاحتجاج، مدفوعين بالخوف.
تصاعدت الأحداث بسرعة عندما لجأت الشرطة إلى استخدام القوة لتفريق المحتجين، ويُقال إنها اعتدت على الصفوف الأمامية منهم، وقد أدى ذلك إلى توتر الأجواء، وبدأ بعض المحتجين في إلقاء الحجارة على الشرطة، وردت الشرطة بإطلاق النار، ما أسفر عن مقتل 4 مسلمين في غضون ساعات قليلة.
تورط الشرطة الهندية
وجّه رئيس لجنة إدارة مسجد شاهي والمحامي البارز “ظفر علي” اتهامات للشرطة بشأن أفعالها أثناء أعمال العنف الأخيرة في المدينة، وقال إن بعض الضباط استخدموا أسلحة محلية الصنع غير مسجلة خلال المواجهة، مما يجعل تتبع المسؤولية عن الوفيات شبه مستحيل.
وأضاف أن الشرطة تعمدت تخريب وإشعال النار في المركبات المتوقفة بالقرب من المسجد، في محاولة لتحميل المسلمين المسؤولية عن الفوضى.
وتكررت هذه الاتهامات على لسان ضياء الرحمن برق، عضو البرلمان من سامبال، الذي قال إن بعض الضباط أطلقوا النار باستخدام أسلحتهم الشخصية بالإضافة إلى أسلحتهم الرسمية، ثم أضرموا النار في سياراتهم الخاصة لخلق ذرائع ضد المسلمين واتهامهم بالعنف.
في أعقاب الحادث، ألقت الشرطة القبض على أكثر من 25 مسلمًا، بينهم امرأتان، ووجهت تهمًا إلى أكثر من 2500 شخص، ومن بين المتهمين كان ضياء الرحمن برق، عضو البرلمان عن حزب ساماجوادي، الذي وُجهت إليه اتهامات بالتورط في أعمال العنف، رغم أنه كان غائبًا عن المدينة في يوم الحادث، وأشار برق إلى أن القضية رُفعت ضده “بسبب اسمه فقط”.
صلاة الجمعة تحت الحراسة في سامبال
أدى المسلمون في المدينة صلاة الجمعة وسط إجراءات أمنية مشددة، في ظل استمرار التوترات الطائفية، وسمحت السلطات بإقامة الصلاة في مسجد شاهي، تزامنًا مع تطور قانوني مهم، حيث أصدرت المحكمة العليا أمرًا بوقف الإجراءات في القضية المثيرة للجدل.
وكانت المحكمة العليا قد استمعت، الجمعة، إلى التماس قدمته لجنة إدارة المسجد ضد قرار المحكمة المحلية الذي يسمح بإجراء مسح للتحقق من مزاعم بناء المسجد على أنقاض معبد هندوسي، وأمرت المحكمة العليا في الهند محكمة محلية في أوتار براديش بتعليق الإجراءات لحين مراجعة المحكمة العليا في الولاية.
مسلمو سامبال بين الخوف والحزن
رغم ادعاءات الشرطة بعودة الحياة الطبيعية إلى المدينة، فإن واقع الأحياء ذات الأغلبية المسلمة يشير إلى العكس، ولا تزال الأسر المفجوعة بمقتل أبنائها في حالة حزن عميق، بينما يخيم الخوف على المجتمع بأكمله، كما أن عمليات البحث والمداهمات التي تنفذها الشرطة بحثًا عن المتهمين بالمشاركة في رشق الحجارة تزيد من حالة التوتر.
ويتهم قادة المجتمع والناشطون الشرطة بالتحيز، حيث تركزت الاعتقالات على المسلمين فقط، دون اتخاذ أي إجراءات ضد من يزعم أنهم أطلقوا النار وأودوا بحياة 4 أفراد خلال المواجهات.