الأطباء يطلبون إلغاء عقوبة الحبس.. جدل بشأن قانون المسؤولية الطبية في مصر

مستشفى الجلاء التعليمي في وسط العاصمة المصرية القاهرة

يتردد صابر محجوب الموظف بوزارة الزراعة على مستشفى التأمين الصحي بالجيزة أسبوعيا لتدارك ما يقول إنه خطأ طبي بتركيب دعامة لأحد شرايين القلب بأحد المستشفيات الخاصة؛ مما سبب له قصورا في عضلة القلب طبقا لتشخيص حديث.

حكى محجوب للجزيرة مباشر قائمة انتظار طويلة بالتأمين الصحي الحكومي انتهت باللجوء الاضطراري إلى جراحة بمستشفى خاص قبل أن يعود مرغما إلى مستشفيات وزارة الصحة التي اكتشفت الخطأ.

وقال محجوب إنه اتفق بداية على الجراحة مع طبيب كبير ثم فوجئ بأن الذي أجرى له العملية طبيب حديث التخرج.

ولا يعرف محجوب شيئا عن قانون المسؤولية الطبية الذي يفترض أن يحاسب الأطباء وأثار جدلا واسعا وفتح الباب لمواجهة لم تتوقف بين الحكومة ونقابة الأطباء.

أما أم سمير فلم ينصفها القانون الحالي بمحاسبة من تسببوا في وفاة شقيقتها، وقد أوضحت للجزيرة مباشر أن عملية ولادة بمستشفى الجلاء التعليمي في وسط القاهرة كانت كفيلة بإنهاء حياة شقيقتها.

وتحدثت أم سمير عن تراجع الخدمة الطبية بالمستشفى قائلة إن “الولادة القيصرية” هناك يشوبها التقصير لإسنادها لأطباء “أقل كفاءة” فضلا عن نقص المستلزمات العلاجية.

وأشارت إلى أن محاولة إثبات الخطأ الطبي بحق شقيقتها لم تنجح حتى الآن. وأضافت “صحيح غلطة الطبيب بألف”.

وفي الآونة الأخيرة، ألقت وفيات عدد من المشاهير نتيجة أخطاء طبية خلال عمليات “تخسيس” بظلال من التوتر بشأن مطالبات بتغليظ العقوبات. وجاء التحرك الحكومي لإصدار قانون “المسؤولية الطبية” ليشعل المواجهة مع نقابة الأطباء التي تمسكت برفض عقوبة الحبس.

وعلى غرار الصحفيين يطالب نقيب الأطباء أسامة عبد الحي بإقرار قانون يمنع الحبس الاحتياطي للأطباء قائلا “إن القانون يجب أن يُعرف الخطأ الطبي الجسيم ويقتصر على عقوبة مدنية تنتهي بالتعويض”.

وتحت عنوان “لا لحبس الأطباء” جاء بيان نقابة الأطباء مشددا على أهمية إصدار “قانون مسؤولية طبية عادل يمنع الحبس الاحتياطي لمعاقبة الأطباء، نتيجة خطأ طبي أو غيره، وذلك على غرار منع حبس الصحفيين بقضايا النشر”.

بدوره، أوضح جراح القلب كريم بركات أن المطلوب تحديد ماهية الخطأ كممارسة العمل مثلا تحت تأثير مسكر أو عمل الطبيب بغير تخصصه.

وقال خلال حديثه مع الجزيرة مباشر إن “هناك أخطاء لا يمكن تجنبها مع المريض أثناء الجراحة”، معتبرا أن التوجه لتغليظ العقوبات جاء مدفوعا بـ”حملة شرسة على وقع وفيات لبعض المشاهير نتيجة أخطاء طبية لم يتم إثباتها بشكل واضح”.

وأشار عضو النقابة الفرعية بالجيزة حمدي عساكر إلى أن الحملة تدفع الأجيال الجديدة إلى الهجرة خارج مصر وتشوه سمعة الطبيب المصري، لافتا إلى تشديد اشتراطات عمل الطبيب المصري بالخارج بسبب تلك “السمعة” فضلا عن اتهامات بعدم صدقية الشهادات المصرية.

تجدر الإشارة إلى أن مجلس اتحاد المهن الطبية -يضمّ نقابات الأطباء البشريين وأطباء الأسنان والبيطريين والصيادلة- كان قد دعا إلى قصر العقوبة على التعويض المالي. كما أكد الطبيب أبو بكر القاضي أمين صندوق نقابة الأطباء أهمية القانون لكنه طالب بـ”لجنة عليا” تتلقى شكاوى الأخطاء الطبية وتتعامل معها.

من جهته، اعتبر طبيب الأسنان سامي طلعت أن بيئة العمل دفعته إلى بدء إجراءات الهجرة كحال كثير من الأطباء على حد قوله للجزيرة مباشر، موضحا أن الضغوط تتزايد “ومن حق الطبيب البحث عن بيئة عمل آمنة”.

وأضاف “نحن لا نتحدث عن طبيب قتل وإنما نتحدث عن طبيب أخطأ أثناء جراحة أو مضاعفات تتكرر بأي مكان بالعالم”.

ويمثل تناقص عدد الأطباء ظاهرة متزايدة، إذ تكشف نقابة الأطباء أن المعدل بمصر يبلغ 8.6 أطباء لكل 10 آلاف مواطن بينما المعدل العالمي 23 طبيبا لكل 10 آلاف.

وفي عام 2022 بلغ عدد المقيدين بالنقابة العامة 380 ألف طبيب، منهم 125 ألفا يعملون بالحكومة. وفي عام 2023 أفادت البيانات أن نحو 120 ألفا يعملون بالخارج بنسبة 67% من إجمالي الأطباء.

حماية الطواقم الطبية

ويشكو الأطباء من اعتداءات متكررة نتيجة غضب المواطنين من تراجع مستوى الخدمة ونقص الإمكانيات. وأشار الطبيب سامي طلعت إلى أن القوانين لم تحمه في مواجهات اعتداءات خلال عمله بإحدى الوحدات الريفية جنوب محافظة الجيزة.

وقال طلعت إن بيانات لنقابة الأطباء تتحدث عن أن مستشفيات محافظتي الغربية والقاهرة بالترتيب تشهد أكبر نسب اعتداء على الطواقم الطبية وكان المعدل الأكبر بمستشفيات القطاع الحكومي بنحو 83% خلال عام 2023.

وأقر المحامي أحمد أبو زيد في حديثه للجزيرة مباشر بعجز القوانين عن وقف الاعتداءات، لكنه يرى أن الوقت حان لإصدار قانون “المسؤولية الطبية”، معتبرا أنه متكامل وسيوجِد بيئة عمل آمنة وسيضمن حق المريض.

وأشار إلى أن تكرار أخطاء الأطباء تحول إلى ظاهرة، معتبرا أن السبب يرجع إلى غياب تدريب الأطباء الجدد “بعد أن غاب شيوخ المهنة”.

شكاوى المرضى بمستشفيات التأمين الصحي تضاعفت مؤخرا في مصر

وحمّل أبو زيد الجامعات الخاصة المسؤولية عن تخريج أجيال يفتقر معظمها إلى الكفاءة والإنسانية، على حد تعبيره.

كما رفض أبو زيد استثناء أي فئة مهنية من المحاسبة، معتبرا أن ذلك يطعن في العدالة ويفتح الباب للاستخفاف بحقوق المرضى.

وأشار إلى تعجل بعض الأطباء في استخدام الذكاء الاصطناعي في التشخيص والعلاج بما يشكل أخطارا يصعب التعامل معها قانونا، موضحا أنه يقوم حاليا بملاحقة طبيب نتيجة خطأ في استخدام “حقن تخسيس” تسببت في وفاة موكله الذي كان يعاني من السمنة.

ورغم إقرار منظمة الصحة العالمية في الاستخدام المتنامي للذكاء الاصطناعي، فإنها حذرت من أن الأخطاء والضرر الذي يلحق بالمرضى في نهاية المطاف “أمور لا مفر منها”.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان