خبراء للجزيرة مباشر: مؤشرات على تحسن العلاقات التركية الأمريكية.. والأكراد ملف شائك
مع ظهور نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية وإعلان فوز دونالد ترامب، بعث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسالة تهنئة إلى “صديقه” ترامب.
ومع تطورات الأحداث في الشرق الأوسط وسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، أشاد ترامب بالدور التركي الرئيسي في المنطقة، ووصف أردوغان بأنه لاعب ذكي.
شراكة الربح
وقال عبد المطلب آربا، الأستاذ بجامعة صباح الدين زعيم في إسطنبول، للجزيرة مباشر إنه لا بد من الإشارة إلى أن ما حدث في سوريا قد تم من خلال تفاهم بين تركيا والولايات المتحدة.
وأضاف أن الولايات المتحدة “كانت تريد إبعاد روسيا وإيران من المنطقة، وأيضا إبعاد تركيا عن روسيا وإيران”.
وأشار إلى أن “الولايات المتحدة هي الرابح بالدرجة الأولى لتعاونها مع تركيا وتحقيق هدفها بإبعاد روسيا وإيران عن المنطقة. وتركيا هي اللاعب القوي في المنطقة الآن، ولا مناص من التعاون معها لترتيب المعادلات الإقليمية”.
وذكر آربا أن تركيا “رابحة إقليميا، وخصوصا فيما يتعلق بالأمن، لذلك فهناك شراكة في الربح بين أنقرة وواشنطن، وهذا من شأنه أن يزيد التنسيق والتفاهم بين الطرفين”.
الناتو
شهدت العلاقات التركية الأمريكية توترا خلال إدارات الرئيسين عن الحزب الديمقراطي باراك أوباما وجو بايدن، بينما شهدت الولاية الأولى لدونالد ترامب تعاونا ملحوظا، وخصوصا فيما يتعلق بالمشكلات في شمال وشرق سوريا مع الأكراد والتنظيمات الكردية، وما يتعلق بالحدود التركية السورية. وخلال إدارته الأولى، خفض ترامب عدد القوات الأمريكية الموجودة في سوريا.
وأعرب الإعلامي العراقي وأستاذ الإعلام أيمن خالد عن اعتقاده أن العلاقات بين واشنطن وأنقرة، سواء خلال فترات التباعد أو التقارب، تحكمها المصلحة العليا للبلدين في إطار ما يفرضه ميثاق حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وأشار خالد إلى أن هناك مساحة واضحة من “المجاملات والتقييمات الشخصية” بين الرئيسين أردوغان وترامب، تتمثل في الإشادة المتبادلة بينهما منذ فترة الرئاسة الأولى لترامب من عام 2017 حتى 2021، لكنه قال للجزيرة مباشر إن ما يضفي أهمية على ثناء ترامب على شخصية أردوغان هذه المرة هو “قوة المنجز التركي” الذي أسهم في إسقاط نظام الأسد عبر دعمه للحراك الثوري.
وأوضح أن خطوة أنقرة في دعم قوات المعارضة السورية كانت “جريئة”، مما جعل تركيا لاعبا أساسيا في إدارة أزمات المنطقة، ما يدفع الولايات المتحدة إلى “التنسيق مع هذا الشريك القوي فيما يتعلق بسياستها في الشرق الأوسط”.
الأكراد
لكن عصام عبد الشافي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، رأى في تصريحات للجزيرة مباشر أن “تصريحات الإشادة تعبّر عن مواقف عابرة، ولا تعبّر عن توجهات استراتيجية في السياسة الأمريكية”.
ووصف ترامب بأنه “شخص متقلب المزاج، وليست لديه رؤى واضحة تجاه العديد من الملفات، وهناك العديد من المؤشرات على ذلك، سواء من خلال ممارساته خلال ولايته الأولى، أو مواقفه وتصريحاته خلال حملته الانتخابية، وبعد إعلان نتائج الانتخابات”.
وأضاف عبد الشافي أن “الملف الكردي وتقسيم سوريا هو أهم ملفات الولايات المتحدة في علاقتها مع تركيا، وقد استخدمته الإدارات الأمريكية المتعاقبة لممارسة الضغط والابتزاز في مواجهة تركيا”، مشيرا إلى أن واشنطن قامت بتسليح بعض الفصائل الكردية وتدريبها وتمويلها، بذريعة مواجهة تنظيم الدولة.
وأعرب عبد الشافي عن اعتقاده أن الهدف الأمريكي الحقيقي وراء كل ما تقوم به هو “تقسيم سوريا، وإعادة رسم خرائط المنطقة، حتى لو كان ذلك على حساب تركيا، رغم كونها حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة وعضوا أساسيا في الناتو”.
لكن عبد الشافي أشار في المقابل إلى التنسيق المشترك بين واشنطن وأنقرة في الملف السوري، وخصوصا ما يتعلق بترتيبات دعم المعارضة السورية لإسقاط نظام بشار الأسد، لأن في ذلك “مصلحة مشتركة للطرفين”.
وقال إن إسقاط الأسد يعني “تهميش بل القضاء على الدور الروسي والإيراني في سوريا، وهو ما يتفق فيه الطرفان الأمريكي والتركي أيضا”.
وأكد عبد الشافي أنه يجب النظر إلى العلاقات التركية الأمريكية “على أساس توافق المصالح في بعض الملفات وتناقضها في البعض الآخر، والإدارة البراغماتية من الطرفين لهذه الملفات”.
سوريا
بدوره، قال الإعلامي السوري أحمد كامل للجزيرة مباشر إن “مستقبل العلاقات التركية الأمريكية يسهل معرفته لسابق وجود ترامب في السلطة في الولايات المتحدة”.
وأضاف أن “ترامب قد يتغير عن ولايته الأولى ولكن ليس إلى النقيض، وأي تعديلات في سياسته ستكون طفيفة”، مؤكدا أن علاقة أردوغان وترامب ستكون “نسخة من الفترة الأولى لحكم ترامب مع احتمال تعديلات طفيفة” على حد تعبيره، وهي علاقة جيدة مقارنة بالعلاقات خلال حكم الديمقراطيين.
وعن التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا، أشار كامل إلى أن ترامب سمح بالهجوم عليهم، متوقعا “تعاون تركيا مع الولايات المتحدة في القضاء كليا على الإدارة الذاتية للكيان الكردي في شرق وشمال سوريا في دير الزور والحسكة والرقة، وهي المحافظات التي توجد بها أغلب ثروات سوريا من النفط والغاز الطبيعي والماء والأرض الخصبة”.
وأعرب كامل عن اعتقاده أن “تركيا الآن في موقع قوة”، وأن سقوط نظام الأسد وخروج إيران وروسيا من سوريا هو “انتصار كبير لتركيا”.
وأشار إلى أنه في حال القضاء على الإدارة الذاتية الكردية “ستصبح تركيا الطرف الوحيد تقريبا في سوريا مع أمريكا”.
بدوره، أشار سمير العبد الله، مدير قسم تحليل السياسات في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، في حديثه للجزيرة مباشر إلى أن إشادة ترامب المتكررة بأردوغان تشير إلى أن تركيا قد تؤدي دورا محوريا في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط خلال حكم ترامب. لكنه قال إن هناك تحديات رئيسية تواجه هذه العلاقات، أبرزها العلاقات الروسية-التركية، التي تحمل أبعادا معقدة في ظل التقارب بين الطرفين، وشراء أنقرة لمنظومة “إس-400” الروسية، وهو ما أثار خلافات كبيرة بسبب ارتباط تركيا بالناتو، ما يتطلب حلا يرضي جميع الأطراف.
على صعيد آخر، رأى العبد الله أن التغيير الأخير الذي حدث في سوريا قد يسهّل على ترامب اتخاذ قرار الانسحاب من سوريا، مع إمكانية تكليف تركيا أو الحكومة السورية الجديدة بمسؤولية محاربة تنظيم الدولة. وبذلك، قد تزول واحدة من أهم العوائق التي تعترض طريق تطوير العلاقات الأمريكية-التركية.