سوريا.. مهد الحضارات وملتقى الثقافات عبر التاريخ
سوريا، المعروفة أيضًا بـ”بلاد الشام”، هي دولة عربية تقع شمال غرب قارة آسيا وشمال شرق منطقة الشرق الأوسط، مطلة على البحر الأبيض المتوسط.
تحدها تركيا من الشمال، والأردن من الجنوب، والعراق من الشرق، ولبنان من الغرب. تُعد من أقدم المناطق المأهولة في العالم، وتتميز بعاصمتها دمشق التي تعد من أقدم العواصم المأهولة بالتاريخ.
تُعرف رسميًا باسم الجمهورية العربية السورية، وتضم 14 محافظة. نظامها السياسي جمهوري، ولغتها الرسمية هي العربية. نالت استقلالها عن الانتداب الفرنسي في 17 إبريل/نيسان 1946، وتستخدم الليرة السورية عملة رسمية، كما تمتد مساحتها إلى 185180 كيلو مترًا مربعًا.
الموقع
تقع سوريا في موقع إستراتيجي غرب آسيا، حيث تشغل ملتقى القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وإفريقيا. يحدها من الشمال تركيا، ومن الشرق العراق، ومن الجنوب الأردن وفلسطين، ومن الغرب لبنان والساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. موقعها الجغرافي يجعلها بوابة ثقافية وتجارية تربط بين الشرق والغرب منذ أقدم العصور.
التقسيم الإداري
تتكون سوريا من 14 محافظة، أكبرها من حيث المساحة هي حمص، تليها دير الزور، ثم الحسكة والرقة، وتشمل بقية المحافظات حلب، ريف دمشق، حماة، إدلب، السويداء، درعا، اللاذقية، طرطوس، القنيطرة، ودمشق العاصمة.
الجغرافيا
يمتد الساحل السوري على طول 183 كيلو مترًا بمحاذاة البحر الأبيض المتوسط، بينما تبلغ الحدود البرية للبلاد 2253 كيلو مترًا. تشترك سوريا بحدود مع تركيا شمالًا (822 كيلو مترًا)، العراق شرقًا (605 كيلو مترات)، الأردن جنوبًا (375 كيلو مترًا)، ولبنان (375 كيلو مترًا)، وفلسطين (76 كيلو مترًا).
الساحل السوري يبدأ من الشمال عند اللاذقية وطرطوس وينحدر نحو البحر الأبيض المتوسط، حيث توجد سلسلة جبال الأنصارية.
الجبال السورية تتوزع في مناطق مختلفة، أبرزها جبال الأنصارية غربًا، وسلسلة جبال لبنان الشرقية التي تصل إلى أعلى نقطة عند جبل حرمون بارتفاع 2814 مترًا. في الجنوب الشرقي توجد جبال الدروز، بينما تتوزع جبال أبو رجمين والرواق في الشرق، وجبال بشري في الشمال الشرقي.
باقي تضاريس البلاد يغلب عليها الطابع الصحراوي مع مناطق زراعية تتحول إلى خضراء خلال موسم الأمطار. النهر الرئيس هو الفرات، الذي يُستخدم لري الأراضي الزراعية وتوفير المياه الصالحة للشرب، خصوصًا في منطقة حلب.
الموارد الطبيعية
تمتلك سوريا ثروات طبيعية متنوعة تشمل النفط، الغاز، الفوسفات، والحديد الخام. إضافة إلى ذلك، توجد موارد مثل الرخام، الملح الصخري، الكروم، الرصاص، النحاس، اليورانيوم، الكبريت، المغنيزيوم، الإسفلت، الجص، والطاقة الكهرومائية.
المناخ
يتنوع مناخ سوريا بين المتوسطي والجاف، حيث يسود المناخ المتوسطي على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويتميز بصيف حار وجاف وشتاء بارد وماطر مع نسبة رطوبة مرتفعة، وفي المناطق الداخلية والشرقية يصبح المناخ أكثر جفافًا، وترتفع درجات الحرارة تدريجيًا كلما اتجهنا نحو بادية الشام.
السكان
بسبب النزاع السوري المستمر منذ عام 2011، يصعب تحديد عدد السكان بدقة. وفقًا لتقديرات البنك الدولي لعام 2021، يبلغ عدد سكان سوريا حوالي 21 مليون نسمة. من جهة أخرى، ذكر مركز جسور للدراسات أن العدد الإجمالي للسكان يُقدر بنحو 26 مليون نسمة، منهم 16.47 مليونًا يعيشون داخل البلاد، و8 ملايين يعيشون في الخارج كمغتربين، بالإضافة إلى ما لا يقل عن مليون شخص بين قتيل ومفقود.
التوزيع العرقي والديني في سوريا
تتميز سوريا بتنوع عرقي وديني واسع يعكس تاريخها كإحدى أقدم المناطق المأهولة في العالم. بفضل موقعها الإستراتيجي، شهدت البلاد تأثيرات حضارية وثقافية متعاقبة منذ عصور ما قبل التاريخ، وما يزال آلاف السوريين يتحدثون اللغة الآرامية، مما يعكس عراقة هذا الإرث الثقافي.
الديانة
بسبب الهجرة الداخلية والتداخل الاجتماعي، لا يمكن حصر فئة عرقية أو دينية في منطقة جغرافية محددة. تُشكّل الأغلبية السنية أكثر من 80% من السكان، وتتركز في المدن الكبرى مثل دمشق، حمص، حماة، حلب، الرقة، درعا، وفي أجزاء كبيرة من دير الزور، البوكمال، والمناطق القريبة من الحدود مع العراق.
العلويون يتركزون في قرى الساحل وبعض المناطق الداخلية، بينما يتمركز الدروز في جبل الشيخ بمحافظة السويداء والجولان. أما المسيحيون، فهم موزعون في مختلف أنحاء البلاد، مع وجود كبير في حلب، دمشق، وريفها.
التنوع العرقي
إلى جانب العرب، تضم سوريا عرقيات متعددة. الأكراد يُعدّون أكبر الأقليات العرقية، ويتمركزون في المناطق الشمالية الشرقية مثل الحسكة والقامشلي، وفي شمال ريف حلب قرب الحدود التركية. الأرمن يتوزعون بين حلب، ريف اللاذقية، والقامشلي.
الشركس يعيشون بشكل رئيس في دمشق، بينما يتركز الآشوريون، الكلدان، والسريان في الحسكة وبعض المناطق الشمالية الشرقية. يعكس هذا التنوع العرقي والديني الغنى الثقافي لسوريا، الذي يعد جزءًا من هويتها التاريخية.
الاقتصاد السوري
تأثر الاقتصاد السوري بشكل كبير منذ اندلاع الثورة عام 2011، حيث شهد تدهورًا مستمرًا تفاقم مع فرض العقوبات الدولية على موسكو إثر الحرب الروسية على أوكرانيا في عام 2022. أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية مع تدهور الوضع المالي والخارجي، وارتفاع مستويات التضخم بشكل حاد، إذ تضخمت الليرة السورية بنسبة 170% خلال النصف الأول من عام 2023.
في عام 2022، سجل الناتج المحلي الإجمالي انخفاضًا بنسبة 3.5%، ليصل إلى ثلث قيمته مقارنة بعام 2010، وذلك بسبب الوضع الأمني غير المستقر، وعلى مدار 12 عامًا من الصراع، تجاوزت الخسائر الاقتصادية في سوريا 700 مليار دولار، وهو ما يعادل 35 ضعف الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022.
تقديرات البنك الدولي لعام 2022 أظهرت أن الأضرار والخسائر في 14 مدينة و11 قطاعًا تراوحت بين 8.4 مليارات و11.4 مليار دولار، وشملت البنى التحتية المادية والاجتماعية والقطاعات المشتركة.
أبرز المعالم في سوريا
قلعة حلب
تُعد قلعة حلب، التي تعود إلى القرن الـ13، واحدة من أبرز المعالم التاريخية في سوريا ومن أهم القلاع في العالم. تقع القلعة في وسط مدينة حلب على تل مرتفع، ما منحها أهمية عسكرية وإستراتيجية عبر العصور، حيث كانت مركزًا دفاعيًا رئيسًا للإمبراطوريات والدول التي سيطرت على المنطقة. أُدرجت القلعة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1986، وتظل رمزًا تاريخيًا يجسد عراقة المدينة.
قصر العظم
بُني قصر العظم عام 1749 على يد والي دمشق الوزير أسعد باشا العظم، ويقع في دمشق القديمة بالقرب من سوق البزورية وعلى مسافة قريبة من المسجد الأموي الكبير. يمتد القصر على مساحة 6400 متر مربع ويُعدّ نموذجًا رائعًا للعمارة الدمشقية التقليدية. تحول القصر لاحقًا إلى متحف للتقاليد الشعبية، وأصبح واحدًا من أجمل المباني الإسلامية وأهم معالم العاصمة السورية.
المسجد الأموي الكبير
يقع المسجد الأموي الكبير في قلب دمشق القديمة، محاطًا بحي البزورية جنوبًا، وسوق الحميدية غربًا، ومقهى النوفرة شرقًا. أُنشئ المسجد عام 705م في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك، وتم تحسينه لاحقًا بأمر الخليفة سليمان بن عبد الملك. يُعد المسجد مركزًا للعلم والثقافة والفن الإسلامي، حيث يمثل نقطة تحول مهمة في تاريخ دمشق، ويعدّ من أقدم المساجد في العالم الإسلامي وأهمها.
سوق الحميدية
يُعد سوق الحميدية أحد أعرق الأسواق في الشرق الأوسط وأشهرها، ويعود تاريخه إلى عام 1780 خلال عهد السلطان العثماني عبد الحميد الأول، مع استكمال الجزء الشرقي منه في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. يمتد السوق على طول 600 متر، ويتميز بتنوع معروضاته مثل الأقمشة في سوق “اتفضلي يا ست”، التوابل، الحُلي في سوق الصاغة، بالإضافة إلى أسواق تاريخية أخرى مثل المناخلية والعصرونية. يُعدّ السوق وجهة سياحية وتجارية بارزة تجسد روح دمشق القديمة.
التاريخ
تُعد سوريا من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في العالم، حيث اكتُشفت فيها آثار تشير إلى بداية الوجود البشري. من أبرز هذه الاكتشافات كهف الديدرية بالقرب من حلب، الذي أظهر دلائل على سكن “إنسان النياندرتال” للمنطقة.
في الألفية الرابعة والثالثة قبل الميلاد، أسست في سوريا مدينتان رئيستان هما ماري وإيبلا، اللتان ازدهرتا لفترة قبل أن تتعرضا للتدمير خلال حكم الإمبراطورية الأكدية. لاحقًا، استعادت المدينتان مكانتهما تحت سيطرة الأموريين، وأصبحت المنطقة تُعرف باسم “أرض أمورو”.
بفضل موقعها الإستراتيجي على تقاطع طرق تجارية، جذبت سوريا اهتمام العديد من الممالك والإمبراطوريات. استولت عليها مملكة ميتاني، ثم الحثيون، وصولًا إلى الآشوريين الذين سيطروا عليها في عام 1245 قبل الميلاد.
في القرن السادس قبل الميلاد، وخلال العصر البرونزي، انقسمت سوريا بين مملكة كنعان في المناطق الغربية، وحضارات بلاد ما بين النهرين في المناطق الشرقية، ومع نهاية العصر البرونزي حوالي 1200 قبل الميلاد، شهدت المنطقة انهيارًا في الثقافة السومرية بسبب الغزوات المستمرة، مما مهّد لصعود الإمبراطورية الآشورية التي امتد نفوذها إلى مصر.
بعد سقوط الإمبراطورية الآشورية عام 612 قبل الميلاد، أصبحت المنطقة تحت سيطرة الإمبراطورية البابلية، وجرى تغيير اسمها إلى “شور”. خلال هذه الفترة، كان الآراميون يشكلون الأغلبية السكانية، بينما احتل الفينيقيون الشمال. أدى هذا التداخل إلى اختلاط الأبجديتين الآرامية والفينيقية، مما أسهم في تشكيل الهوية الثقافية للمنطقة.
تحت الحكم المسيحي
بعد سيطرة البابليين على سوريا بين عامي 605 و549 قبل الميلاد، تعاقبت على المنطقة قوى عدة منها الفرس، ثم الإسكندر الأكبر، تلاه حكم الإمبراطوريتين السلوقية والبارثية، وصولًا إلى الأرمن.
في عام 116 ميلادي، استولت الإمبراطورية الرومانية على سوريا، التي شهدت في تلك الفترة تنوعًا سكانيًا كبيرًا شمل العموريين، الآراميين، والآشوريين. اعتنق العديد من سكانها اليهودية والمسيحية، وأسهموا في نشر الديانة المسيحية في المنطقة، حتى أسست دولة مسيحية فيها.
برزت أنطاكية كأحد المراكز الرئيسة للمسيحية، حيث انطلقت منها أولى البعثات الإنجيلية التي أسهمت في نشر المسيحية في بلاد ما بين النهرين. خلال هذه الحقبة، لعبت سوريا وشعبها دورًا رئيسًا في تعزيز الديانة المسيحية في المنطقة.
مع انتهاء الحكم الروماني، انتقلت سوريا إلى سيطرة الإمبراطورية البيزنطية. خلال هذه الفترة، أصبحت مركزًا تجاريًا مهمًا، خصوصًا بعد عام 1095 ميلادي، عندما دعا البابا أوربانوس الثاني إلى الحملات الصليبية لمواجهة السلاجقة والسيطرة على الأراضي المقدسة. ومع ذلك، بدأت سوريا تشهد تحولًا جذريًا بدخول الإسلام إلى المنطقة في القرن السابع الميلادي، مما غيّر هويتها الدينية والثقافية بشكل كبير.
الفتح الإسلامي
بدأ انتشار الإسلام في سوريا بعد هزيمة البيزنطيين في معركة “الجسر الحديدي” خلال خلافة عمر بن الخطاب، بقيادة القائد أبي عبيدة بن الجراح. فُتحت المدن السورية تدريجيًا، غالبًا بطريقة سلمية، وأصبحت البلاد جزءًا من الخلافة الراشدة، مع الحفاظ على استقرارها. سمح المسلمون للمسيحيين وغيرهم من أتباع الديانات الأخرى بالبقاء على دياناتهم، مما أسهم في الحفاظ على التنوع الديني والثقافي في المنطقة.
تحت حكم الأمويين، شهدت سوريا ازدهارًا كبيرًا، حيث أصبحت دمشق عاصمة الخلافة عام 661 ميلادي. ازدهرت البلاد اقتصاديًا وثقافيًا، وتطورت حضاريًا ومعماريًا، مما جعلها مركزًا حضاريًا عالميًا آنذاك.
مع صعود العباسيين عام 750 ميلادي وانتقال العاصمة إلى بغداد، تراجعت الأهمية الاقتصادية والثقافية لسوريا، لكنها ظلت منطقة استراتيجية ومؤثرة.
في العصور اللاحقة، ظهرت دويلات شبه مستقلة في سوريا مثل الدولة الحمدانية والسلجوقية، ومع تفكك الدولة العباسية تحولت سوريا إلى مجموعة من الإمارات المتناحرة، مما أثر سلبًا في استقرارها السياسي والاقتصادي. رغم ذلك، بقيت سوريا محورية في التاريخ الإسلامي نظرًا لموقعها الجغرافي وثقلها الثقافي.
الحكم العثماني
انتهى حكم المماليك في سوريا بعد معركة مرج دابق في أغسطس/آب 1516، حيث بسط العثمانيون سيطرتهم على البلاد وأسسوا ما عُرف بـ”الولايات العثمانية السورية”. شهدت مدن مثل حلب ودمشق ازدهارًا اقتصاديًا وثقافيًا ملحوظًا خلال الحكم العثماني، وأصبحت مراكز مهمة لقوافل الحج ومراكز تجارية بارزة.
ومع ذلك، لم تكن الأوضاع مستقرة تمامًا، إذ اندلعت ثورات على فترات مختلفة بسبب الضرائب الباهظة، التجنيد الإجباري، والمجاعات التي ضربت البلاد. بين عام 1833 واندلاع الحرب العالمية الأولى، تقلبت الأوضاع في سوريا بين فترات من الازدهار الثقافي والسياسي وأخرى من الفقر وانعدام الأمن. أدى ذلك إلى ظهور مطالب إصلاحية بلغت ذروتها مع الثورة العربية الكبرى عام 1916.
في عام 1918، دخلت القوات العربية بقيادة الأمير فيصل بن الحسين إلى سوريا بدعم بريطاني، لتُعلن نهاية الحكم العثماني الذي استمر حوالي 400 عام.
بعد ذلك، انعقد المؤتمر السوري العام عام 1920، الذي أعلن استقلال سوريا، لكن سرعان ما احتلت فرنسا البلاد وألغت مشروع “المملكة العربية السورية”، وفي عام 1921، ضمت فرنسا لواء إسكندرون إلى سوريا ومنحته حكمًا ذاتيًا، قبل أن تضمه إلى ولاية حلب في عام 1923.
ورغم انتهاء الحكم العثماني، فإن أثره ما زال واضحًا في سوريا. العمارة العثمانية مثل المساجد، الحمامات، القصور، الخانات، والأسواق ما زالت تشكل جزءًا مهمًا من التراث العمراني السوري، وحتى اللهجة السورية تأثرت باللغة التركية، حيث تضم العديد من المفردات والتراكيب التي أصبحت جزءًا من الثقافة السورية.
الانتداب الفرنسي
في عام 1920، وخلال مؤتمر سان ريمو، تم تقسيم مملكة سوريا إلى عشرة كيانات مستقلة ووُضعت مع لبنان تحت الانتداب الفرنسي. بين عامي 1922 و1924، اتحدت دويلات جبل العلويين ودمشق وحلب لتشكل اتحادًا جزئيًا، وفي عام 1925، اندمجت دمشق وحلب، بينما بقيت دولة جبل العلويين شبه مستقلة. أُعلن عن هذا الاتحاد باسم “الدولة السورية”.
اندلعت الثورة السورية الكبرى عام 1927، رفضًا للسياسات الفرنسية، مما دفع السلطات الفرنسية إلى تنظيم انتخابات للجمعية الدستورية في العام التالي. نتج عنها صياغة دستور جديد عام 1930، وتم انتخاب محمد علي العابد كأول رئيس للجمهورية السورية.
استمر النضال ضد الاستعمار الفرنسي في السنوات اللاحقة، حيث شهدت البلاد أحداثًا بارزة مثل الإضراب الستيني وتوقيع المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936، التي أوصلت هاشم الأتاسي إلى منصب رئيس الجمهورية.
رغم ذلك، استمرت الاحتجاجات الشعبية. ففي عام 1939، خرجت مظاهرات تطالب باستقالة الأتاسي وتعليق العمل بالدستور. خلال الحرب العالمية الثانية، تفاقمت الأزمة الاقتصادية مما أدى إلى احتجاجات أخرى في عام 1941 أثناء حكم بهيج الخطيب.
في العام نفسه، سيطر الحلفاء على سوريا بعد معركة دمشق، وانتزعوها من حكومة فيشي الموالية لألمانيا. أعلن الحلفاء استقلال سوريا ونُظمت انتخابات أدت إلى انتخاب شكري القوتلي رئيسًا للجمهورية، ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية، تصاعدت الانتفاضة الشعبية المطالبة بالاستقلال التام، التي تكللت بتحرير البلاد وخروج القوات الفرنسية في 17 إبريل/نيسان 1946، ليصبح هذا التاريخ يوم الاستقلال السوري.
الاستقلال وحكم العلويين
حصلت سوريا على استقلالها الكامل عام 1946، لكنها دخلت مرحلة من الاضطرابات السياسية والانقلابات المتلاحقة، ففي عام 1949، استولى الجيش على السلطة للمرة الأولى، ثم شهدت البلاد تجربة الاتحاد مع مصر بين عامي 1958 و1961 تحت اسم “الجمهورية العربية المتحدة”، إلا أن الاتحاد انهار سريعًا بعد انقلاب عسكري عام 1961.
في مارس/آذار 1963، سيطر حزب البعث العربي الاشتراكي على الحكم في انقلاب عسكري، مما أدى إلى دخول سوريا مرحلة جديدة من الحكم العسكري. تولى القيادة في البلاد ضباط علويون أحكموا سيطرتهم على السلطة. خلال هذه الفترة، شهدت سوريا حرب الأيام الستة عام 1967، حيث خسرت مرتفعات الجولان لصالح إسرائيل.
الصراعات الداخلية وسيطرة الأسد
عقب انقلاب 1963، ألغى البعثيون الدستور وحلوا السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفرضوا حالة الطوارئ التي استمرت لعقود. أُقصيت الطبقة السياسية التقليدية، وتصاعدت الصراعات الداخلية بين قادة البعثيين، ما أدى إلى سلسلة من الانقلابات.
في عام 1970، استولى حافظ الأسد على السلطة في انقلاب أطلق عليه اسم “الحركة التصحيحية”. أقر الأسد دستورًا جديدًا عزز فيه نظام الحزب الواحد، حيث نصّ الدستور على أن “حزب البعث العربي الاشتراكي هو قائد الدولة والمجتمع”.
تميز حكم الأسد بقمع الحريات السياسية، وبقيت الطائفة العلوية في موقع السيطرة. في الثمانينيات، شهدت سوريا انتفاضة شعبية أبرزها في مدينة حماة، التي قوبلت بقمع شديد، ما أسفر عن آلاف الضحايا. وفي عام 2011، واجه النظام انتفاضة أخرى مع اندلاع الثورة السورية المطالبة بإسقاط النظام.
الحروب والنفوذ الإقليمي
خلال حكم حافظ الأسد، شنت سوريا ومصر هجومًا مشتركًا على إسرائيل في حرب أكتوبر 1973، في محاولة لاستعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، ورغم المكاسب الجزئية لم تتمكن سوريا من استعادة كامل مرتفعات الجولان.
في عام 1976، تدخلت سوريا في الحرب الأهلية اللبنانية، حيث ظلت قواتها في لبنان لنحو ثلاثة عقود، مما منحها نفوذًا واسعًا في السياسة اللبنانية. انسحبت القوات السورية من لبنان عام 2005 تحت ضغط دولي بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
حكم بشار الأسد
في عام 2000، تولى بشار الأسد الحكم خلفًا لوالده، مستهلًا فترة جديدة في تاريخ سوريا، إلا أن عهده شهد استمرار السياسات القمعية، وصولًا إلى الثورة السورية التي اندلعت عام 2011، مطالبة بإصلاحات شاملة وإنهاء حكم العائلة الحاكمة.
الثورة السورية
مع مطلع الألفية الجديدة، شهدت سوريا دعوات للإصلاح السياسي، حيث طالب مثقفون سوريون في سبتمبر/أيلول 2000 بإطلاق سراح السجناء السياسيين وإلغاء حالة الطوارئ المفروضة منذ عام 1963. مثّلت هذه الدعوات بداية لصحوة سياسية طالبت بمزيد من الحريات والحقوق.
في عام 2011، اندلعت الثورة السورية تحت شعارات الحرية والكرامة، مطالبة بإصلاحات سياسية جذرية وإنهاء القمع، لكن رد النظام جاء عنيفًا، مما أدى إلى تصاعد الأحداث وتحولها إلى نزاع دموي. أسفرت المواجهات عن مقتل مئات الآلاف وتشريد الملايين، تاركة أثرًا عميقًا على الشعب السوري ومستقبل البلاد.