يستهدف ثروات المسلمين في الهند.. مشروع قانون ينتزع الإشراف على الأوقاف من أيدي المسلمين
أثار مشروع قانون يدرسه البرلمان الهندي مخاوف لدى المسلمين في الهند؛ إذ يسحب سلطة الإشراف على الأوقاف الإسلامية، التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، من المسلمين لصالح حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسية المتطرفة.
وأرسل ملايين المسلمين في الهند رسائل بريد إلكتروني ومناشدات للجنة البرلمانية التي تراجع مشروع القانون للمطالبة بعدم تقديم المشروع، لكن الحكومة رفضت الاستجابة لهذه الدعوات، ومنحت اللجنة مهلة لإقرار القانون تمتد حتى جلسة الميزانية البرلمانية عام 2025.
اقرأ أيضا
list of 4 items“تفهيم القرآن”.. تطبيق جديد لترجمة معاني الآيات إلى الهندية وتحقيق هدفين رئيسيين (فيديو)
نديم خان.. محامٍ يدافع عن المسلمين في الهند ويواجه حملة كراهية شرسة (شاهد)
مساجد ومعالم إسلامية في الهند مهدَّدة بمصير جامع بابري
ويرى مراقبون أن هذا الموقف يعكس نية حكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي القومية الهندوسية، وتجاهلها الواضح لأصوات المسلمين في الهند، وإصرارها على المضي في تمرير القانون الذي قوبل برفض واسع النطاق من المجتمع المسلم.
قانون يستبعد المسلمين
في 8 أغسطس/آب 2024، قدمت الحكومة الهندية مشروع القانون الذي يهدف، وفقًا لتصريحات الحكومة، إلى تحسين كفاءة إدارة الأوقاف الإسلامية. وكان من المتوقع أن يحل مشروع القانون الجديد محل قانون الوقف لعام 1995، الذي يقضي بتشكيل لجان على مستوى كل ولاية تضم مرشحين من حكومة الولاية، ونوابا مسلمين من مجلسها التشريعي، ومحامين وعلماء مسلمين، ومديري الأوقاف.
لكن مشروع القانون المقترح يستبعد المسلمين ويمنح السلطة للمديريات ومديري المناطق، وهم في أغلبهم من الهندوس، وهو ما دفع عضو البرلمان أسد الدين أويسي إلى التساؤل في بيان: “كيف يمكننا أن نتوقع منهم حماية أراضي الوقف؟”.
نيات حكومة مودي
أعرب ممثلو المنظمات المدافعة عن حقوق المسلمين في الهند عن قلقهم إزاء نيات حكومة مودي بشأن التعديلات المقترحة على قانون الأوقاف، فقال العالم البارز فضل رحيم مجددي، الأمين العام لهيئة قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في عموم الهند، في تصريحات للجزيرة مباشر: “نحن لا نعبر فقط عن مخاوفنا من نيات الحكومة، بل نؤمن بشدة بأن هذه التعديلات تستهدف عمدًا تقويض ملكية المسلمين لأراضي الوقف. فمنذ تولي حكومة مودي السلطة، لم تقدم أي خطوة أو تشريع يخدم المسلمين بشكل حقيقي، بل كانت جميعها تهدف إلى إحباطهم وتعميق شعورهم بالتهميش”.
وأضاف مجددي أن رئيس الوزراء، المعروف بتمثيله للمصالح الهندوسية، يركز بشكل غير مناسب على المؤسسات الإسلامية؛ مما يزيد شعور المسلمين بأنهم مستهدفون.
وأشار مجددي إلى تقرير لجنة ساشار 2006، الذي أوصى باستخدام ممتلكات الوقف لتعزيز رفاهية المسلمين، وأضاف: “في ذلك الوقت، خالف قادة حزب بهاراتيا جاناتا هذه التوصيات ولم يسمحوا للأوقاف بالنمو أو المساهمة في تحسين المجتمع المسلم. كيف يمكننا أن نثق الآن في نيات الحكومة التي يقودها هؤلاء القادة أنفسهم؟”.
من جهته، سلط ظفر محمود، السكرتير الخاص لرئيس الوزراء الأسبق مانموهان سينغ، الضوء على بند مثير للجدل في مشروع القانون المقترح، يتضمن إشراك أعضاء غير مسلمين في إدارة ممتلكات الوقف. وتساءل محمود مستنكرا: “لماذا يحتاج هندوسي إلى إدارة مسجد أو ضريح أو معهد ديني؟ هذه الخطوة لا تمثل إلا تدخلًا غير مبرر يضر بالقداسة الدينية والثقافية لهذه الممتلكات”.
وأكد محمود أن مشروع القانون المقترح يشكل تهديدًا مباشرًا للأوقاف، التي تحمل أهمية دينية وتاريخية وثقافية بالغة للمجتمع الإسلامي. وأضاف: “أي تشريع يهدد مكانة ممتلكات الأوقاف أو يتدخل في الشؤون الدينية للمسلمين يجب أن يُعارض بشكل قاطع”.
ثروات الأوقاف بين 14 و26 مليار دولار
وفقًا لتقرير لجنة ساشار الصادر عام 2006 خلال فترة رئيس الوزراء الأسبق مانموهان سينغ، فإن قيمة ممتلكات الوقف في الهند تبلغ أكثر من 14 مليار دولار، وقد قدرها ظفر محمود، السكرتير الخاص لرئيس الوزراء الأسبق مانموهان سينغ، بحوالي 26 مليار دولار.
وتشمل ممتلكات الأوقاف الإسلامية مساجد، ومقابر، وأضرحة، وساحات صلاة العيدين، ودورا للأيتام، ومؤسسات للرعاية الاجتماعية، التي تؤدّي دورًا حيويًّا في دعم احتياجات المسلمين.
وترى الحكومة أن لجان الأوقاف في الهند من أكبر مالكي الأراضي في البلاد، إذ تدير أكثر من 872 ألف عقار وقف، وتتركز هذه الممتلكات بشكل رئيسي في ولايات غرب البنغال وأوتار براديش، إضافة إلى وجود أعداد كبيرة منها في ولايات كيرالا وأندرا براديش وكارناتاكا.
وتمثل العديد من هذه الممتلكات أصولًا ذات قيمة كبيرة نظرًا لمواقعها الحضرية الاستراتيجية. فعلى سبيل المثال، تتجاوز القيمة السوقية لممتلكات الوقف في العاصمة الوطنية دلهي وحدها 700 مليون دولار.
ورغم ذلك، تعاني هذه الكيانات من ضعف في الإيرادات. فقد أشار تقرير ساشار إلى أن الدخل الإجمالي من ممتلكات الوقف في عام 2006 لم يتجاوز 20 مليون دولار، وهو ما يعكس عائدًا منخفضًا للغاية بنسبة 2.7% فقط.
تحديات تاريخية وتشريعية
تُدار الأوقاف الإسلامية تقليديًّا من قبل هيئات متخصصة لضمان صرف عوائدها وأرباحها في أغراض دينية وخيرية تخدم رفاهية المجتمع. وخلال حقبة الحكم الإسلامي الممتدة لقرون، أُنشئت في الهند العديد من الأوقاف، لكن هذا الإرث واجه تحديات كبيرة، وخصوصا خلال الحقبة الاستعمارية.
وبعد حرب الاستقلال الأولى عام 1857، التي كان للمسلمين دور محوري فيها، اتخذ البريطانيون إجراءات لتقليص نفوذ المجتمع المسلم. وكان من أبرز هذه الإجراءات فرض ضرائب باهظة على الأوقاف؛ مما أدى إلى تدهور أوضاعها وتراجع دورها في دعم المجتمع.
وقد أفاد المحامي محمد وجيه الدين، المتخصص في قضايا الوقف، أن التشريعات الخاصة بالأوقاف في الهند لها تاريخ طويل. ويُعد قانون الوقف لعام 1913 علامة فارقة في هذا السياق.
وأضاف أن إدارة أراضي الوقف كانت تاريخيًّا تحت قيادة هيئات إسلامية؛ مما ساعد على ضمان توافقها مع مبادئ الشريعة الإسلامية، وخدمتها لاحتياجات المجتمع، حيث ظل الوقف جزءًا أساسيًّا من النسيج الثقافي والاجتماعي للمسلمين في الهند.
وبعد الاستقلال، تم تشريع عدد من القوانين (1995، 2013) التي أسفرت عن إنشاء أكثر من 32 لجنة لإدارة ممتلكات الوقف في مختلف أنحاء الهند. وقد صيغت هذه القوانين وفقًا للشريعة الإسلامية، بعد مشاورات موسعة مع خبراء في الشريعة، بهدف تنظيم وإدارة ممتلكات الوقف بما يضمن استخدامها لأغراض دينية وخيرية تخدم المجتمع المسلم.
احتلال أراضي الوقف
توجد العديد من الأمثلة على ممتلكات وقفية ثمينة جرى التعدي عليها أو احتلالها بشكل غير قانوني؛ مما أدى إلى فقدانها لوضعها الوقفي، دون أي جهود ملموسة من قبل المحتلين للتخلي عنها.
ولا تكمن المشكلة في ضعف القوانين فقط، بل تتجلى بشكل أكبر في إحجام الحكومة عن تقديم الدعم اللازم لتحرير ممتلكات الوقف. ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن الحكومة الهندية تعد من أكبر الجهات التي تحتل أراضي الوقف.
وذكر علي مهدي، وهو زعيم سياسي مسلم في العاصمة الهندية، للجزيرة مباشر، أن الحكومة تحتل 123 من ممتلكات الوقف الرئيسية في دلهي، وتتعمد عدم نقل ملكيتها إلى مجلس الأوقاف.
وأضاف أن المؤسسة العسكرية تستحوذ على مساحات واسعة من أراضي الوقف في حيدر آباد بالقرب من معالم تاريخية مثل حصن غولقندا، دون دفع إيجار أو تعويض. وفي مومباي، يُتهم الملياردير موكيش أمباني، وهو أغنى رجل في الهند، باحتلال أراضي وقف لبناء منزله الفاخر عليها.
وفي بنغالورو وكولكاتا، يُدار فندق “إتسي” سي وعدد من المنشآت الشهيرة الأخرى مثل نادي الغولف، وهو أقدم ناد للغولف في الهند، على أراضٍ وقفية مؤجرة دون دفع إيجارات بأسعار السوق؛ مما يتسبب في خسائر مالية كبيرة لهيئات الأوقاف.