الشهيد أبو علي مصطفى.. نصف قرن من المقاومة
ولد الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى في بلدة عرابة جنوب مدينة جنين عام 1938، واستشهد في 27 أغسطس 2001.
كان والده علي الزبري عاملًا في سكة حديد وميناء حيفا، وكان أحد المشاركين في ثورة 1936، ثم انتقل للعمل مزارعًا في بلدة عرابة منذ عام 1948.
اقرأ أيضا
list of 4 items“بمسيرة متطورة”.. “المقاومة الإسلامية” في العراق تقصف أهدافًا “حيوية” في إسرائيل (فيديو)
الشرطة تعتقل ناشطين يهود اعتصموا أمام بورصة نيويورك تضامنًا مع غزة (فيديو)
بالاشتراك مع سرايا القدس.. القسام تبث مشاهد لقصف قوات الاحتلال في محور نتساريم (فيديو)
درس أبو علي مصطفى المرحلة الأولى في بلدته، ثم انتقل عام 1950 مع أسرته إلى عمّان بالمملكة الأردنية، وبدأ حياته العملية وأكمل دراسته فيها.
بداية المسيرة وتأسيس الوحدة الفدائية الأولى
انتسب وهو في السابعة عشرة من عمره إلى حركة القوميين العرب، التي أسسها جورج حبش الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وذلك عام 1955، واعتقل بعد عامين وتحديدًا عام 1957، وقضى 5 سنوات في السجن.
بعد خروجه من المعتقل تسلّم قيادة منطقة الشمال في الضفة الغربية، وشارك في تأسيس “الوحدة الفدائية الأولى” التي كانت معنية بالعمل داخل فلسطين، وفي دورة عسكرية لتخريج الضباط الفدائيين في مدرسة “أنشاص” المصرية عام 1965.
وقاد أبو علي مصطفى منظمة الحركة في منطقة شمال الضفة الغربية، حتى أعيد اعتقاله عام 1966، بعد أحداث معركة السموع، وبقي في السجن ثلاثة أشهر، لينتقل بعدها إلى عمّان ويعمل في مصنع للكرتون، ثم يعاود تفرغه للعمل الكفاحي بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967.
ومع انطلاق الجبهة الشعبية قاد الدوريات الأولى نحو الأراضي المحتلة عبر نهر الأردن، لإعادة بناء التنظيم ونشر الخلايا العسكرية، وتنسيق النشاطات بين الضفة وقطاع غزة، وكان ملاحقًا من قوات الاحتلال واختفى عدة شهور في الضفة في بدايات التأسيس.
تولى أبو علي مصطفى مسؤولية الداخل في قيادة الجبهة الشعبية، ثم المسؤول العسكري لقوات الجبهة في الأردن حتى عام 1971، وكان قائدها أثناء معارك المقاومة في سنواتها الأولى ضد الاحتلال، كما شارك في أحداث معركة الكرامة عام 1968، ثم غادر سرًّا إلى لبنان، وفي المؤتمر الوطني الثالث عام 1972 انتخب نائبا للأمين العام للجبهة.
مهن بسيطة وزواج في ذكرى يوليو
قبل أن يتفرغ للعمل الكفاحي، عمل ساعيا في بنك الإنشاء والتعمير، وعمل في منجرة، ومحل للزجاج، وفي مصنع للكرتون، كما عمل في أعمال أخرى بسيطة ومتعددة وقد أسهم انتماؤه للفقراء والطبقة العاملة إسهاما عميقا في تكوين فكره وشخصيته وسلوكه، وأكسبه ذلك حسا فطريا بقضايا الكادحين وهمومهم.
بعد الزواج في 23 يوليو/تموز 1964، حيث ربط تاريخه بذكرى ثورة يوليو 1952، انتقل هو وأسرته إلى مدينة جنين، وسكن في الحارة الشرقية، وافتتح محلا تجاريا للمواد الزراعية، ثم حوّله إلى مطعم شعبي للفول والحمص والفلافل.
التوجهات الفكرية
أدرك أبو علي مصطفى أن عملية التحرر عملية قومية وعملية اجتماعية مترابطتان؛ مما شكل لديه قدرة على المزاوجة بين النضال العسكري التحرري للأرض، والنضال الفكري الثقافي التحرري للإنسان، والعمل من خلال الفقراء، ومقاومة الظلم والاستبداد الاجتماعي من خلال نقل الوعي إلي قوة الفعل السياسية الاجتماعية المنظمة.
وكان يؤمن بأن المقاومة المسلحة لإسرائيل يجب ألا تتوقف، وكان يقول “معركتنا وصراعنا مع إسرائيل مسألة استراتيجية لا تخضع لأي اعتبارات، حتى وإن كانت الظروف الآن تتحدث عن تسوية أو سلام، فنحن لا نعتبر ما هو قائم تسوية ولا سلاما، نحن نعتبر أن من حق الشعب الفلسطيني المشرد والواقع تحت الاحتلال أن يناضل بكل الأشكال بما فيها الكفاح المسلح، لأننا نعتبر أن الثابت هو حالة الصراع، والمتغير قد تكون الوسائل والتكتيكات.. هذه سياستنا”.
قال عنه جورج حبش: “كانت علاقتنا وثيقة تقوم على أساس الإحساس العميق بالهموم الوطنية والقومية، بالهم الجمعي، وهموم الشعب الفلسطيني بأكمله في الداخل والخارج في الوطن والشتات، في المدن والقرى والمخيمات. كانت علاقة حميمة تتضح مع كل حوار وكان إلى جانبي مؤسسًا في الحركة والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين”.
لماذا أسس أبو على مصطفى الجبهة الشعبية؟
في أعقاب هزيمة 1967 قام بالاتصال بجورج حبش لاستعادة العمل من جديد، والتأسيس لمرحلة الانطلاق والعمل العسكري، التي بموجبها كان أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وتبنت الجبهة نهجًا يساريًّا منبثقًا من حركة القوميين العرب، وتكونت بعد الاتفاق بين منظمة أبطال العودة وشباب الثأر وجبهة تحرير فلسطين التي كان يقودها الضابط الفلسطيني السابق في الجيش السوري أحمد جبريل، وانشق جبريل بعد عام واحد فقط من تكوين الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وكون “الجبهة الشعبية القيادة العامة”.
ثم انشق عنها فريق بقيادة نايف حواتمة في فبراير/شباط 1969 وكون “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين”.
وقامت الجبهة الشعبية بالتنسيق مع عدد من فصائل حركات المقاومة الفلسطينية الأخرى بتكوين ما أطلقت عليه “جبهة القوى الرافضة للحلول الاستسلامية” التي عرفت اختصارا بـ”جبهة الرفض”.
وقاد أبو علي مصطفى العديد من الدوريات إلى فلسطين، في محاولاته لإعادة بناء الخلايا العسكرية، والتنسيق بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وتولى مسؤولية الداخل في قيادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومسؤولها العسكري في الأردن، وشارك في أحداث أيلول الأسود 1970م، وحرب جرش وعجلون 1971م.
أبو علي مصطفى ومنظمة التحرير الفلسطينية
في إطار مواقفه من الكيانات الفلسطينية، نظر أبو علي مصطفى إلى منظمة التحرير الفلسطينية كيانًا مختلفًا عن السلطة، ودعا إلى المحافظة على وحدة المنظمة، حيث كان يرى أنه بالإمكان أن تكون أداة وحدة سياسية للشعب الفلسطيني.
ويقول عن ذلك: “نحن نميز بين سلطة هي امتداد لأوسلو واتفاقات أوسلو ومنظمة التحرير التي هي حصيلة إنجاز وطني فلسطيني، وبالتالي نحن مطالبون بأن نعمل على إعادة بنائها، وإعادة بناء مؤسساتها”.
محاولات اغتيال الشهيد أبو علي مصطفى
لم تكن المحاولة التي تم فيها اغتيال “أبو علي مصطفى” هي الأولى، فقد تعرض لعدة محاولات، فأثناء وجوده في منطقة الأغوار بالأردن، تعرضت سيارته لقصف مدفعي كثيف، وتمكن من إلقاء نفسه خارج السيارة والاختباء بمزارع الموز المجاورة حتى زال الخطر.
وأثناء وجوده في لبنان، كان يقيم في منطقة الكولا ببيروت، ويسكن شقة في بناية من 12 طابقًا، وتم ركن سيارة مفخخة بالمتفجرات أسفل البناية، لكن يقظة جهازه الأمني جعلته يكتشف أمرها.
العودة إلى الضفة والاغتيال عام 2001
بعد توقيع اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، قرر العودة إلى الضفة، وسُمح له بالعودة سنة 1999، ونال الرقم الوطني بصفته مواطنًا فلسطينيًّا من بلدة عرّابة.
وعند “جسر العودة” قال مقولته الشهيرة: “عدنا لنقاوم لا لنساوم”، واتهمته إسرائيل بالمسؤولية عن عدد من عمليات التفجير خلال عامي 2000 و2001، ورتبت لاغتياله، وهو ما حدث بالفعل في 27 أغسطس/آب 2001، حين اغتالته طائرات حربية إسرائيلية بقصف مكتبه في رام الله.