الجيش السوداني.. مئة عام من التحولات
يحتل الجيش السوداني المرتبة الـ76 عالميا في قائمة أقوى جيوش العالم من بين 145 دولة، حسب المراجعة السنوية لموقع غلوبال فاير لعام 2024. ويأتي تصنيف قوة الجيوش بناء على معايير عدة، منها المساحة الجغرافية، والتعداد السكاني والعتاد العسكري والموقع الجغرافي، والقوة البشرية في سن التجنيد الرسمي المعتمد داخل الدولة.
نشأة الجيش السوداني وتكوين جيش المهدي
مع بداية القرن الـ19 الميلادي، وتولي محمد علي مقاليد الأمور في مصر والسودان، كانت القوات السودانية والقوات المصرية تأتمر بإمرة محمد علي باشا، ومن بعده أولاده وأحفاده، لكن الاتهامات بسوء الإدارة، والاحتلال البريطاني لمصر والسودان، وقيام الثورة المهدية أدت إلى تحول الأوضاع في البلاد.
فمع انتصار الثورة المهدية عام 1881، دخل السودان في حقبة جديدة، وكان جيش المهدي يعكس التكوين القبلي في البلاد، وكان يتكون مما عُرف بالرايات، واستفاد من الأفراد الذين خدموا مع الزبير باشا ود رحمة، الذي كان تاجرا للرقيق في أواخر القرن التاسع عشر، وأصبح فيما بعد باشا وحاكما للسودان، وكذا بعض التجار الذين طردهم من الجنوب الحاكم الإنجليزي للخرطوم آنذاك غوردون باشا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالسودان.. الخزانة الأمريكية تفرض عقوبات على شقيق حميدتي
حميدتي يتهم مصر بمساعدة الجيش السوداني في الحرب
إبراهيم محمود: المعركة الأولى هي أن تنتصر القوات المسلحة السودانية
وقد أعاد الإمام محمد أحمد المهدي تنظيم جيشه على النحو التالي: فرسان الاستطلاع، قوة الاقتحام الرئيسية، وقوة النيران، كما قام بتكوين رئاسة ميدانية تتناسب مع توسع الجيش تتكون من الخلفاء الثلاثة وقاضي الإسلام وأمين بيت المال.
تأسيس قوة دفاع السودان 1925
تأسست أول نواة للجيش السوداني عام 1925، خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر والسودان، وتكونت من عدد من الجنود السودانيين تحت إمرة ضباط من الجيش البريطاني المحتل.
وبعد انفصال السودان عن مصر عام 1956، بدأ تكوين جيش وطني جديد، ابتداء بفرقة للمشاة، ثم تأسست القوات البحرية والجوية، وعُرف باسم الجيش السوداني، ثم تعديل الاسم إلى “قوات الشعب المسلحة” قبل تعديله مرة أخرى إلى “القوات المسلحة السودانية”.
ومنذ تأسيس “قوة دفاع السودان” شاركت في الحرب العالمية الثانية ضد الإيطاليين في إريتريا وإثيوبيا، وحرب الصحراء الغربية لدعم الفرنسيين في “العلمين”، لوقف تقدم “ثعلب الصحراء” الجنرال الألماني رومل.
كما شارك الجيش السوداني في حروب فلسطين 1948 و1973، إلى جانب مشاركاته في عمليات الأمم المتحدة في كل من الكونغو وتشاد وناميبيا، وضمن “قوات الردع العربية” في لبنان، وكذلك في “عاصفة الحزم” باليمن.
الجيش السوداني وأهم العمليات العسكرية قبل الاستقلال
شاركت وحدات سودانية ضمن الجيش المصري في حروب محمد علي باشا، والي مصر والسودان بين عامي 1854 و1856، كما استقدمت السلطنة العثمانية وحدات من المقاتلين السودانيين للمشاركة في حرب القرم ضد الإمبراطورية الروسية بين عامي 1853 و1856.
كما شاركت في المكسيك عام 1862، عندما طلبت كل من فرنسا وإنجلترا وإسبانيا إرسال فرقة من السودانيين لحماية رعاياها ضد العصابات المكسيكية.
في الحرب العالمية الأولى، أرسلت بريطانيا فرقتين من الجنود السودانيين إلى جيبوتي بناء على طلب من فرنسا لتحل محل الجنود السنغاليين هناك.
وأثناء الحرب العالمية الثانية، شاركت قوات الدفاع السودانية ضد الإيطاليين الذين كانوا يحتلون إريتريا، وذلك عندما حاولوا احتلال مدينة كسلا في شرقي البلاد.
كذلك شاركت القوات السودانية في حملة الصحراء الغربية لدعم الفرنسيين حيث انتشرت في واحة الكفرة وواحة جالو في الصحراء الليبية بقيادة القائد البريطاني أرشيبالد ويفل، وفي العلمين لوقف تقدم الجنرال الألماني رومل الملقب “ثعلب الصحراء”.
وشارك الجيش السوداني في حرب فلسطين عام 1948.
الجيش السوداني وأهم العمليات العسكرية بعد الاستقلال
شارك الجيش السوداني في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، عندما أرسلت الحكومة السودانية قوة قوامها لواء مشاة إلى شبه جزيرة سيناء.
كما شارك في عمليات حفظ السلام والاستقرار في الكونغو عام 1960 وتشاد عام 1979 وناميبيا في 1989.
كذلك شاركت القوات السودانية في عملية إعادة الحكومة المدنية الشرعية في جمهورية جزر القمر عام 2008، وفي “عاصفة الحزم” باليمن 2015.
القوات المسلحة في دستور السودان 2005
تناول الباب التاسع من الدستور السوداني 2005 القوات المسلحة، وأجهزة تنفيذ القانون والأمن الوطني، وتناول الفصل الأول منه القوات المسلحة القومية، ونصت المادة 144 على أن تظل القوات المسلحة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان منفصلة، وتكون قوات مسلحة نظامية واحترافية وغير حزبية، وتُعامَل معاملة متساوية باعتبارها القوات المسلحة القومية السودانية.
وتكون مهمة القوات المسلحة القومية السودانية حماية سيادة البلاد، وتأمين سلامة أراضيها، والمشاركة في تعميرها، والمساعدة في مواجهة الكوارث القومية، وذلك وفقا لهذا الدستور. يبيّن القانون الظروف التي يجوز فيها للسلطة المدنية الاستعانة بالقوات المسلحة في المهام غير العسكرية.
وتدافع القوات المسلحة القومية السودانية والوحدات المشتركة/ المدمجة عن النظام الدستوري واحترام سيادة حكم القانون والحكم المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان الأساسية وإرادة الشعب، وتتحمل مسؤولية الدفاع عن البلاد في مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية في مناطق انتشارها، وتشارك في التصدي لحالات الطوارئ المحددة دستوريا.
وتناولت المادة 145 ما تُسمى الوحدات المشتركة أو المدمجة، حيث نصت على أن “تتكون من أعداد متساوية من القوات المسلحـة السودانية والجيش الشعبي لتحرير السودان، وتشكل الوحدات المشتركة/ المدمجة النواة لقوات السودان في مرحلة ما بعد الاستفتاء إذا ما أكدت نتيجته الوحدة؛ وإلا فيتم حلها وتلحق العناصر المكونة لها بقواتها الأصلية”.
وتكون القيادة والسيطرة على الوحدات المشتركة/ المدمجة بوساطة مجلس الدفاع المشترك الذي يتم تشكيله وفقا لما أُقر في اتفاقية السلام الشامل، ويتولى مجلس الدفاع المشترك مهمة التنسيق بين القوات السودانية المسلحة والجيش الشعبي لتحرير السودان (المادة 146).
القوات المسلحة في مشروع دستور 2022
نص الباب العاشر على أن القوات المسلحة مؤسسة نظامية قومية احترافية غير حزبية، مؤلفة ومنظمة هيكليا طبقا للقانون، تضطلع بواجب حماية الوطن ووحدته وسيادته والحفاظ على أمنه وسلامة أراضيه وحدوده.
وتتخذ القوات المسلحة عقيدة عسكرية تلتزم بالنظام الدستوري وبالقانون، وتقر بالنظام المدني الديمقراطي أساسا للحكم، وتتبع للقائد الأعلى للقوات المسلحة، وتحتكر الدولة إنشاء القوات المسلحة، ويحدد القانون الحالات التي يجوز فيها لمجلس الوزراء اللجوء إلى إشراك القوات المسلحة.
ويحظر تكوين مليشيات عسكرية أو شبه عسكرية، كما يحظر مزاولة القوات المسلحة الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي والمهام العسكرية وفقا للسياسة التي تضعها الحكومة الانتقالية.
الجيش والانقلابات العسكرية
منذ استقلال السودان عام 1956، قامت قوات الجيش بنحو 25 محاولة انقلاب عسكري على السلطة السياسية في البلاد، نجح في 5 منها في الوصول إلى السلطة:
الأولى: في 17 من نوفمبر/تشرين الثاني 1958، بقيادة الفريق إبراهيم عبود.
الثانية: في 25 من مايو/أيار 1969، بقيادة العقيد جعفر نميري.
الثالثة: في 6 من إبريل/نيسان 1985، عندما تم تكليف المشير عبد الرحمن سوار الذهب -وزير الدفاع حينذاك- برئاسة مجلس عسكري مؤقت لحكم السودان بعد الانتفاضة.
الرابعة: في 30 من يونيو/حزيران 1989، بقيادة العميد عمر البشير، الذي أصبح رئيسا للسودان على مدى 30 عاما.
الخامسة: في 11 من إبريل/نيسان 2019، بقيادة الفريق أول أحمد عوض بن عوف وزير الدفاع ونائب الرئيس عمر البشير حينذاك، وتم تشكيل مجلس عسكري مؤقت لحكم السودان بعد انقلاب 19 ديسمبر/كانون الأول 2019.
حجم القوات المسلحة السودانية وتسليحها
احتل السودان المرتبة الـ76 عالميا بين 145 جيشا في تصنيف غلوبال فاير لعام 2024، وذكر التصنيف أن هناك نحو 16.67 مليونا في سن الخدمة العسكرية، الجاهز منهم للعمل العسكري نحو 1.3 مليون، ويبلغ عدد العاملين العسكريين النشطين نحو 92 ألفا، إضافة الى 85 ألف جندي في قوات الاحتياط، بجانب نحو 17.5 ألفا قوات شبه عسكرية، و13 ألفا قوات جوية، و1500 قوات بحرية.
وتضم القوات الجوية السودانية 170 طائرة حربية، الجاهز منها 94 طائرة، من بينها 45 مقاتلة، و18 طائرة هجومية و23 طائرة شحن عسكري، إضافة إلى 11 طائرة تدريب.
بجانب 73 مروحية من بينها 43 مروحية هجومية، ويمتلك السودان 74 مطارا صالحا للاستخدام العسكري، وذلك قبل أحداث التمرد الذي شهدته البلاد في 15 إبريل 2023.
ويمتلك الجيش السوداني 233 دبابة، الجاهز منها 128، و3648 مركبة قتالية الجاهز منها 2006 مركبة، و75 مدفعا ذاتي الحركة، و343 مدفعا صاروخيا، الجاهز منها 189 مدفعا، بجانب 20 منصة إطلاق صواريخ و750 مدفعا يُجر يدويا.
وتصل ميزانية الدفاع السودانية إلى نحو 4 مليارات دولار سنويا.
التمرد العسكري في إبريل/نيسان 2023
في 15 من إبريل/نيسان 2023، تعرّض الجيش السوداني لتمرد عسكري قادته قوات الدعم السريع التي رفضت الاندماج مع الجيش، وبدأت مواجهات عسكرية بين الطرفين في محيط مطار مَرَوي شمالي السودان، ثم امتدت لتشمل كل ولايات البلاد، بما في ذلك العاصمة الخرطوم.
وأدّت هذه المواجهات إلى سقوط آلاف القتلى وإصابة عشرات الآلاف وتشريد الملايين من المواطنين بين نازحين في الداخل ومهاجرين ولاجئين في الخارج.