إسماعيل هنية.. مسيرة سياسية ونضالية تُوجت بالشهادة
“أبو العبد”.. قائد حماس لحق بأبنائه وأحفاده الشهداء
لحق إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، بأبنائه وأحفاده ومجموعة من أفراد عائلته الذين استشهد عدد كبير منهم خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة.
وقد تعرَّض هنية لمحاولات اغتيال عدة، إذ جُرحت يده في سبتمبر/أيلول 2003 إثر غارة إسرائيلية استهدفت بعض قياديي حماس، من بينهم الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة. كما تعرَّض موكبه لإطلاق نار في غزة يوم 20 من أكتوبر/تشرين الأول 2006 أثناء صدام مسلح بين حركتي فتح وحماس، واستهدفت إسرائيل منزله في غزة بالقصف، خلال حروبها على غزة سعيًا لاغتياله.
المولد والنشأة
وُلد هنية ولقبه (أبو العبد) في عام 1963، بمخيم الشاطئ للاجئين في قطاع غزة. تعلَّم في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وحصل على الثانوية العامة من معهد الأزهر، ثم التحق بالجامعة الإسلامية في غزة عام 1987 وحصل منها على درجة البكالوريوس في الأدب العربي، ثم شغل وظائف عدة في الجامعة الإسلامية، قبل أن يصبح عميدًا لها عام 1992.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلحظة انفجار أجهزة “بيجر” في لبنان وإصابة حامليها (فيديو)
إصابة السفير الإيراني في لبنان جراء الانفجار المتزامن لأجهزة “بيجر”
“أين نذهب؟”.. نازحو خان يونس يواجهون خطر تجمّع مياه الأمطار (فيديو)
ومنذ مرحلة الشباب، كان هنية ناشطًا طلابيًّا في الجامعة الإسلامية. وانضم إلى حماس عند تأسيسها خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 (انتفاضة الحجارة).
هنية والشيخ أحمد ياسين
كان هنية من أوائل المدافعين عن دخول حماس معترك السياسة. وفي عام 1994، قال إن تشكيل حزب سياسي سيمكّن حماس من التعامل مع التطورات الناشئة.
أصبح هنية أحد تلامذة الشيخ أحمد ياسين مؤسس حماس، الذي كان أيضًا لاجئًا مثل عائلة هنية من قرية الجورة القريبة من عسقلان. وفي عام 1994، قال في تصريحات صحفية إن الشيخ ياسين كان نموذجًا يُحتذى به بالنسبة للشباب الفلسطيني، وإنه “تعلَّم منه حب الإسلام والتضحية من أجله وعدم الركوع للطغاة والمستبدين”.
كما تولى عام 1997 رئاسة مكتب الشيخ أحمد ياسين، بعد إفراج إسرائيل عنه.
اقرأ أيضًا: عائلة إسماعيل هنية.. مسيرة من العطاء وركب من الشهداء
مسيرة سياسية ونضالية
اعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي هنية عام 1987 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ولبث في السجن 18 يومًا، ثم اعتُقل للمرة الثانية عام 1988 لمدة ستة أشهر.
وسُجن للمرة الثالثة عام 1989 بتهمة الانتماء إلى حركة حماس، حيث أمضى ثلاث سنوات معتقلًا، وبعدها نُفي إلى منطقة مرج الزهور في جنوبي لبنان، لكنه عاد إلى غزة بعد قضائه عامًا في المنفى إثر توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، وأصبح رئيس الكتلة الإسلامية في الجامعة الإسلامية بغزة.
وعندما سأله صحفيون عام 2012 عما إذا كانت حماس قد تخلت عن النضال المسلح، أجاب هنية بالنفي القاطع، وقال إن المقاومة ستستمر بجميع أشكالها الشعبية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية.
ترأّس هنية قائمة التغيير والإصلاح التي حصدت أغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني في الانتخابات التشريعية بداية 2006، وأصبح رئيسًا للحكومة الفلسطينية التي شكلتها حماس. لكن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أقاله في 14 من يونيو/حزيران 2007، بعد سيطرة حماس على غزة.
وفي 6 من مايو/أيار 2017، انتُخب هنية رئيسًا للمكتب السياسي لحماس، بعد انتخابات أجراها مجلس شورى الحركة.
دبلوماسية مكوكية
كان هنية يتنقل بين تركيا وقطر هربًا من قيود السفر المفروضة على قطاع غزة المحاصر، وهو ما ساعده على التفاوض في محادثات وقف إطلاق النار. وكان لهنية دور فعال في بناء القدرات القتالية لحماس عبر طرق عدة، منها تعزيز العلاقات مع إيران.
وقال هنية في تصريحات لقناة الجزيرة، بعد فترة وجيزة من شن مقاتلي حماس الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول “نقول لكل الدول بما فيها الأشقاء العرب: هذا الكيان لا يستطيع أن يحمي نفسه أمام هؤلاء المقاتلين، لا يقدر أن يوفر لكم أمنا ولا حماية، وكل التطبيع والاعتراف بهذا الكيان لا يمكن أن يحسم هذا الصراع”.
ومنذ ذلك الوقت، بذل هنية جهودًا مكثفة من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، والتقى مسؤولين في مصر التي تتوسط أيضًا في محادثات وقف إطلاق النار، كما زار إيران وتركيا.
أمر اعتقال
بات هنية هدفًا للمحكمة الجنائية الدولية، بعدما أعلن المدعي العام للمحكمة كريم خان تقديمه طلبًا للمحكمة لاستصدار أمر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع في حكومته يوآف غالانت، إضافة إلى هنية، ومحمد الضيف قائد كتائب القسام -الجناح العسكري للحركة، وقائد حماس في غزة يحيى السنوار، بتهم “ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”، عقب اندلاع معركة طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة في السابع من أكتوبر ردًّا على الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين ومقدساتهم، وبدأت تل أبيب في اليوم ذاته حربًا مدمرة على القطاع خلّفت عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين.
صمود وثبات
اغتال الاحتلال الإسرائيلي 3 من أبناء هنية في 10 من إبريل/نيسان الماضي، عندما كانوا في سيارة مع 5 من أبنائهم.
وفي العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، استشهدت حفيدة هنية مع 20 من أهلها وأقاربها، جراء استهداف إسرائيل لهم في مدرسة البراق، بعدما نزحوا من مخيم الشاطئ للاجئين. وبعد نحو 10 أيام، استشهد جمال الحفيد الأكبر لهنية بعد تنفيذ ضربة جوية إسرائيلية على منزله.
واعتقلت الشرطة الإسرائيلية إحدى شقيقات هنية قرب مدينة بئر السبع في النقب، في الأول من إبريل الماضي، بتهم تشمل التواصل مع أعضاء في حماس.
وتلقى هنية نبأ استشهاد أبنائه وأحفاده بثبات، أثناء قيامه بجولة لزيارة مصابين فلسطينيين يعالَجون في الدوحة، وقال “مصالح شعبنا الفلسطيني مقدَّمة على أي شيء، وأبناؤنا وأولادنا هم جزء من هذا الشعب”.
وأضاف “كل أبناء شعبنا وكل عائلات سكان غزة دفعوا ثمنًا باهظًا من دماء أبنائهم وأنا واحد منهم”، مشيرًا إلى أن ما لا يقل عن 60 من أفراد عائلته استشهدوا في الحرب.
آخر تصريحات هنية.. يوم عالمي لنصرة غزة
كانت آخر تصريحات هنية قبل اغتياله، دعوته إلى جعل الثالث من أغسطس/آب المقبل يومًا عالميًّا “محوريًّا ومشهودًا وفاعلًا” لنصرة غزة، عبر تسيير مظاهرات واحتجاجات بأنحاء العالم.
وشدد على ضرورة “المشاركة الشعبية الوطنية والعربية والإسلامية والعالمية الفاعلة فيه، وعلى ديمومة كل أشكال التظاهر والمسيرات واستمرارها بعد الثالث من أغسطس، حتى إجبار الاحتلال الصهيوني على وقف عدوانه وجرائمه، ضد شعبنا وضد أسرانا في سجون الاعتقال النازية”.
واغتيل إسماعيل هنية بغارة إسرائيلية استهدفت مقر إقامته في طهران، مع ختام شهر يوليو/تموز 2024، وذلك بعد ساعات من مشاركته في احتفال تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان.