مجزرة الكيماوي في غوطة دمشق.. جريمة دون محاسبة
لا تخنقوا الحقيقة
تقع الغوطة الشرقية على بُعد 10 كيلومترات شرق العاصمة السورية دمشق، وكان يعيش فيها نحو 400 ألف مدني قبل اندلاع الثورة السورية، وبلغ عدد سكانها مع خروجها من سيطرة النظام نهاية عام 2013 نحو 800 ألف بسبب عمليات النزوح إليها.
وتُعَد الغوطة من أولى المناطق التي خرجت منها شرارة الثورة السورية في مارس/آذار 2011، فقد كانت إحدى المدن المشاركة في الاحتجاجات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي تصدت قواته لتلك الاحتجاجات بالاعتقالات والقتل والتهجير.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبشار الأسد.. طبيب العيون والوريث غير المتوقع الذي تحول إلى رئيس سوريا المخلوع
تكليف البشير بتشكيل حكومة سورية جديدة للمرحلة الانتقالية
“ليتك معنا”.. سوريون يفتقدون منشد الثورة عبد الباسط الساروت (فيديو)
ثم شهدت قرى وبلدات الغوطة الشرقية مواجهات بين قوات النظام وفصائل المعارضة، وفرضت قواته عليها حصارا محكما في عام 2013 خلّف أزمة إنسانية، مما تسبب في نقص خطير للمواد الغذائية والأدوية.
استعدادات المجزرة
في 3 من ديسمبر/كانون الأول 2012، حذر الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما نظام بشار الأسد من اللجوء الى استخدام أسلحة كيميائية ضد شعبه، معتبرا أن ذلك يُشكل “خطأ جسيما” ستكون له “عواقب”.
وقال أوباما “أقول بكل وضوح للأسد والذين يطيعون أوامره إن العالم أجمع يراقبكم، إن اللجوء إلى أسلحة كيميائية غير مقبول وسيكون غير مقبول بتاتا”.
وقال الأمين العام للائتلاف السوري المعارض آنذاك بدر جاموس، إنه في يوم 10 من أغسطس/آب 2013 دخلت قافلة صواريخ يُرجَّح أنها نسخ سورية معدلة لصواريخ “صقر-15″ المصرية و”زلزال” الإيرانية إلى مقر اللواء “155” في جبال القلمون، الذي يُعَد مركز تخزين وإطلاق الصواريخ الباليستية.
تختنق الأنفاس وتأتي الذكريات سراعاً وتكبر الجراح جراحاً مع كل عام…على أبواب الذكرى الحادية عشرة لكيماوي غوطتي دمشق أكبر مجزرة بالسلاح الكيماوي في القرن 21 ارتكبها نظام الأسد.
تبقى أصواتاً عالية تطالب بالعدالة…وتبقى الحقيقة راسخة في عقولنا ووجداننا ومحفورة بذاكرتنا…نحملها حتى… pic.twitter.com/Y795zwD5Dk— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) August 18, 2024
وأضاف “بتاريخ 20 من أغسطس/آب 2013، ومنذ ساعات الفجر وحتى المساء، كانت تدور معارك عنيفة في مناطق عين ترما وجوبر وزملكا بريف دمشق، بين قوات النظام وقوات الجيش الحر، وقبل ساعات من القصف، وبالتحديد قبل منتصف الليل بخمس دقائق، وبعد خمس غارات جوية متتالية على هذه الأحياء، توقف القصف فجأة من قبل الطيران الحربي، واستمر الطيران المروحي بالتحليق، حتى تم القصف بالسلاح الكيماوي، وتمت العملية تحت إشراف العميد في الجيش النظامي غسان عباس”.
رواية المعارضة عن تفاصيل المجزرة
ذكر الائتلاف السوري المعارض أن قوات النظام، من اللواء 155 بالقلمون، أطلقت في الساعة 2:31 فجر 21 من أغسطس 2013 مئات الصواريخ من نوع أرض-أرض محمَّلة بغازات سامة يُرجَّح أنها من نوع “السارين”.
وعند الساعة 2:40 فجرا قصفت بلدة عين ترما وتحديدا منطقة الزينية، وبعدها بدقيقتين أطلقت 18 صاروخا على مناطق متفرقة في الغوطة الشرقية، وسقط صاروخ بين زملكا وعربين، ثم استهدفت منطقة المعضمية في الغوطة الغربية، واستمر إطلاق الصواريخ حتى الساعة 5:21 فجرا، وبدأت الحالات تصل إلى المستشفى عند الساعة 6:00 صباحا.
رواية نظام بشار عن المجزرة
نفى نظام بشار وقوفه وراء الهجوم، واتهم المعارضة بالمسؤولية عنه، وقال إن اتهامه بارتكاب مجزرة هو “محاولة لجر التدخل العسكري الخارجي إلى بلاده”، وأضاف أنه عثر على أسلحة كيميائية في أنفاق تحت سيطرة المعارضة المسلحة في ضاحية جوبر.
ضحايا مجزرة الغوطة
أعلنت المعارضة السورية أن عدد ضحايا مجزرة الغوطة بلغ 1400 قتيل، وهو أقرب إلى الرقم الذي ذكره تقرير للمخابرات الأمريكية، بينما ذكرت منظمة أطباء بلا حدود أن العدد 355 قتيلا من بين قرابة 3600 حالة نُقلت إلى المستشفيات.
وقالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقريرها الصادر بمناسبة الذكرى العاشرة للمجزرة عام 2023، إن عدد القتلى في الهجوم على الغوطة بلغ 1114 شخصا اختناقا بينهم 1119 مدنيا بينهم 99 طفلا و194 امرأة و25 من مقاتلي المعارضة المسلحة، كما أصيب 5935 شخصا بأعراض تنفسية وحالات اختناق.
من المسؤول عن مجزرة الغوطة؟
في 24 من أكتوبر/تشرين الأول 2022، حددت الولايات المتحدة أسماء 3 ضباط في قوات نظام بشار متورطين في قصف الغوطة الشرقية بالأسلحة الكيماوية عام 2013، وأفاد بيان الخارجية الأمريكية بأن الولايات المتحدة حظرت دخول ثلاثة مسؤولين عسكريين تابعين لنظام بشار متورطين في قصف الغوطة الشرقية بغاز الأعصاب (السارين) هم العميد عدنان عبود حلوة واللواء غسان أحمد غنام واللواء جودت صليبي مواس، وكذلك أفراد عائلاتهم المباشرون.
وحمَّل تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان (2023) مسؤولية استخدام الأسلحة الكيميائية إلى رأس النظام السوري بشار الأسد، الذي يتولى قيادة الجيش والقوات المسلحة، وأكد أنه لا يمكن القيام بمهام أقل من ذلك بكثير دون علمه وموافقته، بسبب أن النظام السوري نظام شديد المركزية.
وأكدت أن القرار مركزي وتورطت فيه مؤسسة الجيش والأمن، وبشكل رئيس قيادة شعبة المخابرات العسكرية العامة، وقيادة شعبة المخابرات الجوية، ومكتب الأمن القومي.
وتشير قاعدة بيانات الشبكة إلى تورط 387 شخصا من أبرز ضباط الجيش وأجهزة الأمن والعاملين المدنيين والعسكريين، يجب وضعهم جميعا على قوائم العقوبات الأمريكية والأوروبية.
مطالبات بمحاسبة المتورطين
دعا الائتلاف الوطني السوري إلى مساءلة جنائية لرأس النظام السوري، وتحقيق دولي نزيه، ودعا وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري النظام السوري إلى تسليم كامل مخزونه من الأسلحة الكيميائية في مقابل عدم تنفيذ ضربة عسكرية ضده.
وفي 28 من أغسطس 2013، أعلن باراك أوباما أن إدارته توصلت إلى استنتاج أن نظام بشار الأسد استخدم أسلحة كيميائية، وقال إنه لم يتخذ قراره بعد بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري.
وقال أوباما “لدينا خيارات عدة منها الخيار العسكري. علينا أن نحسب التداعيات التي ستنتج عن هذه الضربة”. وأضاف أن الأسد يجب أن يتحمل عواقب ما اقترفه من أفعال شائنة. ورأى أن العمل العسكري سيكون رسالة إلى الأسد حول عواقب استخدام السلاح الكيميائي.
وأمميا، صدر القرار “2118” لعام 2013 الذي أعلن انضمام النظام السوري إلى اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيميائية، وطالب بسحب وتفكيك الترسانة الكيميائية السورية، وهدد بمعاقبة النظام بموجب الفصل السابع في حال استخدام الأسلحة الكيميائية مجددا.
استمرار المجازر الكيماوية بعد الغوطة
تراجعت إدارة أوباما عن استهداف النظام السوري، بموجب اتفاق مع روسيا نص على تجريد النظام السوري من الأسلحة الكيميائية، ثم أعلنت تفكيك كامل الأسلحة الكيميائية التي صرّح النظام بامتلاكها (1300 طن).
وعاد النظام السوري إلى استهداف مناطق وبلدات سورية عدة، وتسبب في مجزرتي إبريل/نيسان 2017 بخان شيخون ودوما، واستخدم فيهما السلاح الكيماوي، كما ذكر تحقيق مشترك للأمم المتحدة ومنظمة الأسلحة الكيميائية.
وبعد مجزرة خان شيخون بأسبوع، قامت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بشن ضربات صاروخية على أهداف مرتبطة بقدرات النظام السوري في مجال الأسلحة الكيميائية منذ عام 2017.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، شكلت الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية فريقا للتحقيق وتحديد المسؤولية عن الهجمات الكيميائية في سوريا، وقامت البعثة بالتحقيق، وحددت 37 واقعة تم فيها استخدام المواد الكيمياوية في الفترة بين سبتمبر/أيلول 2013 وإبريل/نيسان 2018.
وخلصت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة لمجلس حقوق الإنسان (UNI) بشأن سوريا إلى وجود أسباب منطقية للاعتقاد أن الأسلحة الكيمياوية قد استُخدمت في 18 حالة أخرى.