بنغلاديش.. أرض البنغال والأنهار والانقلابات

منذ تقسيم الهند عام 1947 عانت بنغلاديش من الحروب الأهلية والانقلابات العسكرية والاحتجاجات كان آخرها موجة واسعة من المظاهرات، في يوليو/تموز 2024، شارك فيها الملايين من الشباب وطلاب الجامعات، حتى أطيح برئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد وفرّت، بينما تولّى الجيش إدارة أمور البلاد في انتظار تشكيل حكومة جديدة.

موقع بنغلاديش وجغرافيتها

تقع بنغلاديش جنوب شرقي آسيا، تحدها الهند من 3 جهات هي الغرب والشمال والشرق، ولها حدود في أقصى الجنوب الشرقي مع ميانمار، ويحدها من الجنوب خليج البنغال.

تبلغ مساحتها نحو 147 ألف كيلومترا مربعًا، ويزيد عدد سكانها عن 171 مليون إنسان، يتوزعون من حيث الدين بين نحو 90% مسلمين، و10% هندوس وديانات أخرى.

وتقع بنغلاديش داخل “دلتا الجانج” الخصبة التي فرعاها نهرا (الجانج) و(البراهمبوترا)، لذلك تعرف أيضا بأرض الأنهار، لكنها تتعرض للفيضانات السنوية الناتجة عن الرياح الموسمية والأعاصير الحلزونية.

معنى اسم بنغلاديش

كلمة بنغلاديش تتكون من كلمتي (دش) أو (دك)، وتعني باللغة السنسكريتية أرض، و(بنغال) تطلق على الشعب الذي يقيم بالمنطقة، وبهذا فالاسم يعني “أرض البنغال”.

وبعد حصولها على الاستقلال عن باكستان، أصبحت بنغلاديش أول دولة في جنوب آسيا تتبنى دستورا علمانيا عام 1972، والهند في عام 1976، رغم أن المجلس العسكري بقيادة ضياء الرحمن أزال المبادئ العلمانية المنصوص عليها في وثيقة الدستور من خلال مرسوم الأحكام العرفية في عام 1977.

انتشار الإسلام في بنغلاديش

يرتبط تاريخ بنغلاديش بالهند إلا أن حدودها الطبيعية من الأنهار والمجاري المائية والغابات جعلتها إقليما شبه معزول لصعوبة الوصول إليه، كما يتميز بثقافته الخاصة.

دخلها الإسلام عن طريق التجار العرب والمسلمين في القرن الأول الهجري، وتشير بعض الروايات إلى أنها فتحت في أواخر القرن السادس الهجري أي مطلع القرن الثالث عشر الميلادي.

وبعد الفتح الإسلامي ظهرت فيها مجموعة من الإمارات الإسلامية المستقلة، التي توحدت خلال القرن الرابع عشر الميلادي على يد شمس الدين إلياس شاه، وهو قائد عسكري استولى على الإمارة في البنغال الغربية وتوسع نحو البنغال الوسطى والشرقية، قبل أن تخضع المنطقة لاحقا لحكم المغول.

تاريخ بنغلاديش الحديث

في عام 1757 احتلت بريطانيا، بعد انتصارها في معركة بلاسي بقيادة روبرت كلايف على البنغال بقيادة سراج الدولة، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، قدمت بريطانيا مقترحا لانسحاب وتقسيم البلاد إلى اتحاد فيدرالي يتكون من 3 مناطق على أساس الأغلبية الدينية، مع حكومة مركزية تدير شؤون الخارجية والدفاع والاتصالات والمالية.

وهو ما رفضته المكونات الكبرى ونشبت الحرب الأهلية في البلاد، حتى تم الإعلان عن استقلال شبه القارة الهندية في يوليو/تموز 1947، مع تقسيمها إلى دولتين، باكستان والهند، لكن تم ترسيم الحدود بشكل أسهم في تفكيكها مستقبلا، حيث تم تكوين دولة باكستان (1947) من إقليمين يفصل بينهما أكثر من ألفي كيلومتر، هما باكستان بموقعها الحالي شمال غرب الهند بينما تقع بنغلاديش التابعة لها جنوب شرق الهند.

وبسبب هذا التقسيم، وفي ظل الحروب مع الهند التي تفصل بين الإقليمين، والخلاف بين نظام الحكم في باكستان وسكان بنغلاديش بسبب فرض محمد علي جناح لغة الأوردو عام 1948، تنامت الرغبة في الانفصال لدى البنغال.

وأدى تفاقم الصراع بين الهند وباكستان على إقليم كشمير وحرب 1971 بمنزلة تدخل هندي لدعم انفصال بنغلاديش، حيث استهدفت مواقع ومقرات في بنغلاديش، حتى تم إعلان استقلالها عن باكستان، وفي 12 يناير/كانون الثاني 1972 أدى شيخ مجيب الرحمن اليمين الدستورية كأول رئيس وزراء للبلاد.

اللغة والثقافة في بنغلاديش

اللغة البنغالية هي إحدى اللغات الهندية الآرية في شرقي شبة القارة الهندية، وقد تطورت من اللغة السنسكريتية ولغة ماغادهي، وينتمي الشعب البنغالي إلى سلالة الهنود الإيرانيين، ويتركز معظم البنغاليين في بنغلاديش وولايات البنغال الغربية وولاية ترايبورا في شمالي الهند.

اقتصاد بنغلاديش

تعد بنغلاديش من بين الدول الأقل نموا في العالم، وتتميز اقتصاد البلاد بالاكتفاء الذاتي في إنتاج الحبوب الغذائية، وهي الثالثة في إنتاج الملابس الجاهزة في العالم، ويبلغ عدد مستخدمي الهاتف الجوال في البلاد أكثر من 130 مليون مستخدم.

وبنغلاديش مصدر للمنتجات الزراعية مثل: الموز والمانجو والبطاطا والفواكة الاستوائية والبصل والأرز والشاي والأسماك، والجوت، والأناناس وغيرها.

وقد وصل الناتج المحلي الإجمالي نحو 446 مليار دولار عام 2023، وكان 460 مليار دولار عام 2022، وبلغ الناتج الفردي السنوي نحو 2560 دولارا في 2023، وكان 2688 دولارا في 2022.

وبلغت نسبة البطالة نحو 5% في عام 2023، ووصل التضخم إلى 9.72% منتصف عام 2024.

الأحزاب السياسية في بنغلاديش

يوجد في البلاد نحو (42) حزبا سياسيا مسجلا لدى لجنة الانتخابات، وتتمثل الأحزاب الرئيسية في:

(1) حزب عوامي، تأسس عام 1949، ورئيسة الحزب، الشيخة حسينة واجد، التي تولت رئاسة الوزراء في البلاد نحو عشرين عاما حتى استقالتها في 2024.

(2) الحزب الوطني: تأسس 1976، رئيسة الحزب الحالية خالدة ضياء.

(3) الحزب القومي: رئيس الحزب الحالي الجنرال حسين محمد إرشاد، تاريخ التأسيس 1986.

(4) حزب الجماعة الإسلامية: تأسس عام 1941، وتولى رئاسته مطيع الرحمن نظامي الذي أعدم في 11 مايو/أيار 2016، ورئيس الحزب الحالي مقبول أحمد.

خمسة عقود من الانقلابات

في 15 أغسطس/آب 1975 اغتيل مجيب الرحمن ومعظم أفراد عائلته في انقلاب عسكري، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1975 وقع انقلاب قاده اللواء ضياء الرحمن إلى السلطة، ثم اغتيل هو الآخر في 30 مايو/أيار 1981 ليخلفه نائبه المدني عبد الستار.

وعاد الجيش إلى الحكم عبر انقلاب قاده الفريق أول حسين محمد إرشاد في 24 مارس/آذار 1982، وبعد 8 سنوات من الحكم تم إجباره على التنحي في ديسمبر/كانون الأول 1990.

وفي انتخابات 1991، فاز الحزب الوطني البنغالي الذي تقوده خالدة ضياء، فأصبحت أول رئيسة وزراء في جمهورية بنغلاديش، وفي انتخابات 1996 فاز حزب رابطة عوامي الذي تقوده حسينة واجد، لكن خالدة عادت للمنصب عام 2001 حتى 2006.

وبين عامي 2006 و2008، شهدت البلاد موجة من عنف وعدم الاستقرار السياسي وتم اعتقال خالدة ضياء وحسينة واجد، وتم تشكيل حكومة انتقالية وأجريت انتخابات في أواخر 2008 فاز بها حزب حسينة، فعادت إلى منصب رئيسة الوزراء، وتم الإعلان في 11 يناير/كانون الثاني 2024، عن فوزها للمرة الخامسة بمنصب رئيسة وزراء البلاد.

حتى جاءت مظاهرات يوليو/تموز 2024 لتطيح بها، وتفر إلى الهند، ويتولى الجيش تسيير الأمور في البلاد، مؤقتا.