إيتمار بن غفير.. قصة صعود متطرف من شوارع المستوطنين إلى مركز صنع القرار في إسرائيل

إيتمار بن غفير، محامٍ وناشط سياسي إسرائيلي، يُعرف بانتمائه إلى اليمين المتطرف، وهو رئيس حزب “القوة اليهودية” (عوتسما يهوديت) وأحد أعضاء الكنيست الإسرائيلي. شارك في محاولات عدة لاقتحام المسجد الأقصى، وتولى منصب وزير الأمن القومي الإسرائيلي في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022.
المولد والنشأة
وُلد بن غفير في القدس المحتلة يوم 6 مايو/أيار 1976، لعائلة ذات أصول شرقية، إذ ينحدر والده من العراق ووالدته من كردستان العراق. عمل والده في شركة للمحروقات إلى جانب الكتابة، بينما كانت والدته ناشطة في حركة “إيتسل”، التنظيم الصهيوني الذي أسس عام 1931 وشارك في عمليات عدائية ضد الفلسطينيين.
الحياة الشخصية
متزوج من أيالا نمرودي، التي ينتمي فرعها العائلي إلى التيار الأرثوذكسي، وله 5 أبناء. تقيم عائلته في مستوطنة “كريات أربع” المقامة على أراضي مدينة الخليل.

تاريخ من التطرف والعنصرية
برز إيتمار بن غفير منذ مراهقته بانتمائه إلى حركات متطرفة معادية لوجود العرب في فلسطين، وانضم في سن 16 عامًا إلى حركة الشباب التابعة لحزب “مولديت”، ثم إلى حركة “كاخ”، التي أسسها الحاخام المتطرف مائير كاهانا عام 1972.
وبعد إنهاء دراسته الثانوية، التحق بمدرسة “الفكر اليهودي”، وانضم إلى جيش الاحتلال الإسرائيلي، إلا أنه أُعفي من الخدمة الإلزامية بعد عامين بسبب مواقفه اليمينية المتشددة، وعلّق على ذلك في تصريح لصحيفة إسرائيلية قائلًا “لقد خسرني الجيش الإسرائيلي”.
دخل بن غفير المعترك السياسي عام 1995 وهو في الـ19 من عمره، عقب توقيع اتفاقية أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين في سبتمبر/أيلول 1993، وظهر حينها في مشهد أثار الجدل، حيث حمل زخرفة ممزقة من سيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إسحاق رابين، وقال أمام “الكاميرات”: “استطعنا الوصول إلى السيارة، وسنصل إلى رابين أيضًا”، في تهديد واضح سبق اغتيال رابين بأسابيع عدة.
وبعد أسابيع من تلك الحادثة، تعرض إسحاق رابين للاغتيال، فيما تولى إيتمار بن غفير قيادة حملة للمطالبة بالإفراج عن قاتله.

تطرف مستمد من “الكهانية”
تأثر إيتمار بن غفير بالأفكار المتشددة لمدرسة الحاخام مائير كاهانا، مؤسس حركة “كاخ”، التي حصلت على مقعد في الكنيست الإسرائيلي عام 1984 قبل أن تُصنّف لاحقًا كحركة إرهابية وفاشية، وتُعرف هذه المدرسة الفكرية باسم “الكهانية”، التي تمزج بين القومية المتطرفة والتدين السياسي والممارسات العنيفة.
ووفقًا للفكر الكهاني، يؤمن بن غفير بأن العرب في فلسطين أعداء يجب طردهم بالقوة، ويرفض أي شكل من أشكال التعايش، كما يدعو إلى هجرة يهود العالم جميعهم إلى فلسطين.
اشتهر بوضع صورة باروخ غولدشتاين، منفّذ مجزرة المسجد الإبراهيمي التي راح ضحيتها 29 مصليًا في 25 فبراير/شباط 1994، على جدار منزله، واصفًا إياه بـ”البطل”.
وفي أعقاب تلك المجزرة، حظرت إسرائيل حركة “كاخ”، وأدرجتها ضمن المنظمات الإرهابية.

المسار القانوني والعمل السياسي
درس إيتمار بن غفير القانون في كلية أونو الأكاديمية للحقوق، وتخرج عام 2008، ثم عمل مساعدًا برلمانيًا لعضو حزب الاتحاد الوطني اليميني مايكل بن آري، ثم حاول الانضمام إلى نقابة المحامين الإسرائيليين، لكن طلبه قوبل بالرفض بسبب سجله الجنائي وتورطه في مظاهرات وأنشطة متطرفة.
وفي عام 2006، تولى الدفاع عن مراهقين متهمين بالمشاركة في حادثة الحرق العمد في قرية دوما، التي أسفرت عن مقتل زوجين وطفلهما، كما دافع عن بنتزي غوبشتاين، رئيس جماعة “لاهافا”، وهي حركة متشددة تدعو إلى منع الزواج بين اليهود وغير اليهود، وفي عام 2007، أُدين بالتحريض على العنصرية بعد رفعه لافتة كُتب عليها “اطردوا العدو العربي”.
وردًا على رفض نقابة المحامين منحه العضوية، قاد حملة احتجاجية حتى تم قبوله عام 2012، حيث تمكن من اجتياز اختبار النقابة بعد محاولات عدة.
واصل بن غفير الدفاع عن المستوطنين المتطرفين، ومن بينهم مجموعة “شباب التلال”، المتورطة في بناء مستوطنات غير قانونية، وفيما اعتبرهم معظم الإسرائيليين جناة خارجين عن القانون، وصفهم بن غفير بأنهم “ملح الأرض”.
المسار الانتخابي والتصعيد السياسي
في الانتخابات التشريعية الـ19 للكنيست، دعم مايكل بن آري مساعده إيتمار بن غفير وصديقه باروخ مارزل، بوضعهما على قائمة الحزب الذي أسسه في يناير/كانون الثاني 2013، إلا أن الحزب فشل في تحقيق عدد الأصوات الكافي لدخول الكنيست.
وفي انتخابات الكنيست الـ21، ترأس بن غفير قائمة “القوة اليهودية”، التي حصلت على حوالي 83 ألف صوت، لكنه لم يتمكن من تجاوز نسبة الحسم، وفي الانتخابات الـ23، رفض نفتالي بينيت، رئيس حزب “اليمين الجديد”، ضم بن غفير إلى تحالف الصهيونية الدينية.
وفي الدورة الانتخابية الـ24، وبدعم من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، نجح بن غفير في دخول الكنيست بعد انتخابات مارس/آذار 2021، وأثار الجدل بتصريحاته التي دعا فيها إلى “إزالة أعداء إسرائيل من أرضنا”، في إشارة إلى الفلسطينيين.
وفي الانتخابات الـ25، التي جرت في أكتوبر/تشرين الأول 2022، سعى بن غفير للحصول على حقيبة وزارية، وأكد شريكه بتسلئيل سموتريتش أنه يسعى لتولي وزارة الدفاع أو الأمن الداخلي، وبفضل الدعم القوي من نتنياهو، تم تعيينه وزيرًا للأمن القومي في ديسمبر/كانون الأول 2022، وأصبح عضوًا في الحكومة الأمنية الإسرائيلية، وتولى الإشراف على الشرطة المحلية وشرطة الحدود العسكرية.
ووصفت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية فوزه مع حزبه في انتخابات 2022 بأنه “اليوم الأسود في تاريخ إسرائيل”.

الاستقالة وتغيير الهوية السياسية
في 21 يناير/كانون الثاني 2025، دخلت استقالة وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير حيز التنفيذ، وذلك بعد مرور 48 ساعة على تقديمها رسميًا اعتراضا على وقف إطلاق النار في غزة وصفقة التبادل مع المقاومة الفلسطينية.
وعقب استقالته، قام بن غفير بتحديث تعريفه الشخصي على منصة “إكس”، حيث أزال لقبه الوزاري وأعاد التعريف بنفسه كزعيم حزب “القوة اليهودية”.
كما نشر على منصة “تلغرام” مقطع “فيديو” يوثق لحظة جمع مقتنياته من مكتبه في وزارة الأمن القومي، وعلق قائلًا “ننهي عامين من العمل في هذا المكتب”.