أول تجربة استمطار اصطناعي عبر تلقيح السحب في إحدى أكثر العواصم تلوثا

OTTENSTEIN, AUSTRIA - SEPTEMBER 16: Water is being released over the dam wall from the artificial Ottenstein reservoir to counter the high water levels on September 16, 2024 in Ottenstein, Austria. There have been extreme weather and flood warnings as heavy rainfall sweeps the Czech Republic, Poland, Germany, Austria and Slovakia. (Photo by Christian Bruna/Getty Images)
الاستمطار هو تقنية تهدف إلى تعزيز هطول الأمطار عبر تلقيح السحب بمواد تساعد على تكثيف بخار الماء وتحويله إلى قطرات مطر (أرشيفية)

في خطوة غير مسبوقة، أطلقت العاصمة الهندية نيودلهي، الثلاثاء، أول تجربة واسعة لتلقيح السحب في محاولة لمواجهة أزمة تلوث الهواء المتفاقمة في المدينة، حيث يهدف المشروع إلى توليد أمطار صناعية للمساعدة في خفض مستويات الملوثات السامة المنتشرة في أجواء المدينة، التي تعد من أكثر مدن العالم من حيث تلوث الهواء.

وتحت إشراف خبراء من المعهد الهندي للتكنولوجيا في كانبور، أقلعت طائرة من طراز “سيسنا 206” من مهبط المعهد لتنفيذ عملية تلقيح السحب فوق العاصمة، فيما انطلقت رحلة ثانية من ميروت. وخلال هذه العمليات، نشرت الطائرات مواد كيميائية مثل “يوديد” الفضة و”كلوريد الكالسيوم” في السحب بهدف تحفيز تكوين قطرات المطر للمساعدة في تنظيف الهواء من الجزيئات الملوثة، ومع ذلك لم تُسجَّل أي أمطار حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

وتهدف هذه المبادرة التي وافقت عليها المديرية العامة للطيران المدني إلى تقليل الملوثات المحمولة في الجو مؤقتا، وإزالة الضباب الدخاني الكثيف الذي يغطي العاصمة في موسم الشتاء.

تتحول أزمة التلوث في دلهي، التي يقطنها أكثر من 30 مليون نسمة، إلى ظاهرة سنوية متكررة تتفاقم مع بداية فصل الشتاء، حين تبلغ مستويات التلوث ذروتها، وتغرق العاصمة في ضباب دخاني كثيف يخنق الحياة اليومية.

ووفقا لبيانات الهيئة المركزية لمكافحة التلوث (CPCB)، تجاوز مؤشر جودة الهواء (AQI) حاجز 400 نقطة طوال الأسبوع الماضي، وهو مستوى يُصنَّف ضمن فئة “الخطر جدا”، ومن بين 38 محطة مراقبة في المدينة، سجلت الغالبية جودة هواء تتراوح بين “سيئ” و”سيئ للغاية”.

وقال وزير البيئة في نيودلهي، مانجيندر سينغ سيرسا، في بيان: “نظرا إلى تدهور جودة الهواء، أُجريت أول تجربة لتلقيح السحب بعد ظهر يوم الثلاثاء فوق أجزاء من دلهي. ومع ذلك، تراوحت نسبة الرطوبة في السحب بين 15% و20% فقط، ما جعل فرص هطول الأمطار ضئيلة للغاية”.

وأضاف الوزير: “أن تجربة ثانية أُجريت في الساعة الخامسة مساء في محاولة جديدة لتحفيز الأمطار.

ووفقا لمتحدث باسم حكومة دلهي، فقد وقّعت العاصمة مذكرة تفاهم مع المعهد الهندي للتكنولوجيا في كانبور (IIT Kanpur) في شهر سبتمبر/أيلول الماضي لإجراء 5 تجارب مماثلة ضمن مشروع تجريبي، جميعها مخصصة للمناطق الواقعة في شمال غرب دلهي، بتكلفة تُقدّر بـ3.21 (كرور روبية) ما يعادل نحو 385 ألف دولار أمريكي تقريبا، ومن المقرر تنفيذ هذه التجارب بين 1 أكتوبر/تشرين الأول و30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حسب الخطة الحكومية.

ما هو تلقيح السحب؟

تلقيح السحب هو علمية تهدف إلى تحفيز هطول الأمطار من خلال إدخال مواد كيميائية معينة إلى السحب. تُعرف هذه التقنية أيضا باسم الاستمطار الصناعي، ويتم فيها إطلاق مواد مثل “يوديد” الفضة و”كلوريد الكالسيوم” أو الثلج الجاف في الغلاف الجوي من أجل “خداع السحب”، ودفعها لإنتاج المطر.

ووفقا لمسؤول حكومي يشرف على العملية، يقوم هذا الأسلوب على إدخال جزيئات تعمل كبذور داخل السحب، بحيث يتكثف بخار الماء حولها ليبدأ تشكل قطرات المطر.

في السحب الباردة، حيث تكون درجة الحرارة أقل من الصفر المئوي، وعندما تُطلق جزيئات “يوديد” الفضة في الهواء فإن هذه الجزيئات تجذب ذرات الماء والجليد وتساعدها على التراكم، وعندما تصبح ثقيلة بما يكفي، تسقط نحو الأرض، وتذوب أثناء مرورها عبر طبقات الهواء الدافئة لتتحول إلى أمطار.

أما في السحب الدافئة، حيث تكون درجة الحرارة فوق الصفر المئوي، فيُستخدم محلول كيميائي مثل “كلوريد الصوديوم” أو “كلوريد البوتاسيوم” كعامل تلقيح يساعد قطرات الماء الصغيرة على الاندماج، مما يعزز تشكل المطر.

تُستخدم هذه التقنية عادة في المناطق الجافة التي تعاني من نقص المياه، أو في التحكم في الطقس للحد من البَرَد أو الضباب الكثيف، ويمكن تنفيذها عبر الطائرات أو الصواريخ أو أجهزة أرضية مخصصة لذلك، لكن رغم التقدم في هذا المجال، يشير الخبراء إلى أن الأدلة العلمية حول فاعلية تلقيح السحب على مستوى العالم ما تزال محدودة، ما يجعل من الصعب قياس تأثيرها الحقيقي بدقة.

لماذا تحتاج دلهي إلى أمطار اصطناعية؟

تُعدّ نيودلهي من بين أكثر العواصم تلوثا في العالم، وتعاني المدينة من مستويات مرتفعة من التلوث على مدار العام، نتيجة لعوامل متعددة، أبرزها التلوث الحضري الناجم عن انبعاثات المركبات، والدخان الصناعي، وغبار مواقع البناء، وهي الأسباب الأساسية التي تجعل هواء دلهي خانقًا ومليئًا بالملوثات. إلى جانب ذلك، يؤدي حرق بقايا المحاصيل من قبل المزارعين في ولايتي البنجاب وهاريانا المجاورتين إلى تفاقم سوء جودة الهواء في العاصمة.

ومع ذلك، تشير التقارير إلى أن عدد حرائق الحقول هذا العام كان أقل من المعتاد، إذ انخفضت بنسبة 77.5% بسبب الفيضانات وتأخر موسم الحصاد في الولايتين، لكن أزمة الهواء تفاقمت مجددا خلال مهرجان ديوالي، بعد أن أُطلقت كميات ضخمة من الألعاب النارية والمفرقعات في انتهاك لتعليمات المحكمة العليا التي سمحت فقط ببيع المفرقعات “الخضراء” بين 18 و20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، واستخدامها لساعات محدودة يومي 19 و20 من الشهر نفسه، ولكن تم تجاهل هذه القيود بالكامل تقريبا، واستيقظ سكان دلهي في اليوم التالي على طبقة كثيفة من الدخان السام غطت المدينة.

خلال مهرجان ديوالي، بلغ مؤشر جودة الهواء أحد أسوأ مستوياته المسجّلة، وسط ضباب دخاني خانق يلف العاصمة منذ أيام، وفي محاولة لمواجهة هذه الأزمة، أجرت سلطات دلهي تجربة استمطار السحب في نيودلهي في خطوة غير مسبوقة لمكافحة التلوث.

انتقادات أحزاب المعارضة:

أصرّت رِيكا غوبتا، رئيسة وزراء دلهي على أن “استمطار السحب أصبح ضرورة ملحّة لمعالجة الضباب الدخاني المزمن الذي يخنق العاصمة. الأمطار الاصطناعية أصبحت حاجة حقيقية لدلهي، وهذه هي التجربة الأولى من نوعها. نريد أن نرى إن كان يمكن أن يساعدنا في السيطرة على هذه الأزمة البيئية الخطرة”.

وتابعت: “سكان دلهي يضعون ثقتهم في الحكومة، ونحن نؤمن بأن التجربة ستنجح، لتفتح الطريق أمام حلول طويلة المدى لمواجهة التحديات البيئية”.

من جانبه، أعلن وزير البيئة مانجيندر سينغ سيرسا أن 5 تجارب للأمطار الاصطناعية ستُجرى خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، في حال توفرت الظروف الجوية المناسبة، وأكد أن التجارب تتم بحذر شديد وتحت إشراف خبراء، معربا عن ثقته في نجاح المشروع.

في المقابل، انتقدت أحزاب المعارضة المشروع بشدة، ووصف سوراب بهارادواج، زعيم حزب “عام آدمى”، الخطوة بأنها إهدار لأموال دافعي الضرائب، وقال الناشط البيئي جايدهار غوبتا إن الحكومة تتهرب من معالجة الأسباب الجذرية للتلوث عبر حلول مؤقتة واستعراضات تقنية، وأضاف: “بدلا من تنفيذ إصلاحات حقيقية تحدّ من الانبعاثات، تلجأ الحكومة إلى اختصارات قد تُفاقم المشكلة على المدى الطويل”.

أما البروفيسور كريشنا أشوتا راو، من مركز علوم الغلاف الجوي، فوصف المشروع بأنه “نموذج كلاسيكي لإساءة استخدام العلم وتجاهل المبادئ الأخلاقية”، مشبها إياه بـ”أبراج الضباب الدخاني” التي أنشأتها الحكومة السابقة بتكلفة مليارات الروبيات، دون أن تُحدث أي تأثير ملموس في جودة الهواء.

وحذّر خبراء آخرون من مخاطر صحية محتملة ناجمة عن “يوديد” الفضة المستخدم في تلقيح السحب، مشيرين إلى احتمال تسربه إلى الماء والهواء والتربة، مما قد يزيد السمية ويهدد الصحة العامة.

ويعتقد العديد من العلماء أن تأثير تلقيح السحب في أفضل الأحوال سيكون مؤقتا ومحدودا، إذ تساءل أحدهم: “إذا كانت دلهي تعيش في هواء سام لمدة 9 إلى 10 أشهر كل عام، فهل يمكن تكرار مثل هذه التجارب يوميا؟”.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان