من برنارد لويس إلى دونالد ترامب.. هذه أبرز مخططات تهجير سكان غزة وتفكيك الشرق الأوسط

خطة ترامب ليست الأولى

خطة ترامب بشأن غزة ليست الأولى (الجزيرة مباشر)

أثارت خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن الاستياء على قطاع غزة وتهجير سكّانه، جدلًا عالميًّا واستهجانًا وردودًا من الشرق والغرب تتنبأ بمصير المقترح الجديد، فهل كان جديدًا حقًّا؟ وهل هي المرة الأولى التي تُطرح فيها تلك الرؤية خلال العقود الماضية؟ في هذا التقرير نسلط الضوء على جذور الحكاية.

في مطلع سبتمبر/أيلول 1992، نشر المفكر والمؤرخ البريطاني الأمريكي برنارد لويس (1916-2018) مقالًا في مجلة فورين أفيرز بعنوان “إعادة التفكير في الشرق الأوسط”، طرح فيه إعادة تشكيل خريطة المنطقة العربية، مقترحًا استراتيجية تقوم على تفكيك الدول إلى كيانات أصغر على أسس عرقية وطائفية، ويؤدي “التهجير” دورًا محوريًّا في تنفيذ هذا المخطط.

الجذور التاريخية للرؤية

لكن جذور هذه الرؤية لم تبدأ في التسعينيات، بل تعود إلى منتصف القرن العشرين، عندما عاد لويس إلى التدريس في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، بعدما خدم في سلاح المدرعات الملكية والاستخبارات العسكرية ووزارة الخارجية البريطانية، فجمع بين التحليل الأكاديمي والتكتيكات السياسية والدبلوماسية، وكان أحد أهم عيون الغرب على الشرق.

كان لويس أحد العقول التي وضعت أسس السياسات الغربية اتجاه الشرق الأوسط، فهو لم يكتفِ بوضع النظريات لإعادة توزيع السكان، بل دعم سياسات مباشرة لتحقيق هذه الأفكار، مستخدمًا التهجير أحد الحلول “المقبولة” التي وجدت طريقها إلى صُنّاع القرار، في واشنطن وتل أبيب.

وكان من أخطر تطبيقات هذه الرؤية ما يتعلق بقطاع غزة، حيث بدا مقترح تهجير سكان القطاع متقاطعًا مع أفكار لويس، وهو ما يوضح السياق الاستراتيجي الأوسع الذي يتحرك فيه صُنّاع القرار اليوم.

المفكر والمؤرخ البريطاني الأمريكي برنارد لويس

التهجير.. مسلسل درامي

شهد النزوح الفلسطيني منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 ارتفاعًا غير مسبوق، حيث اضطر حوالي 1.9 مليون فلسطيني -يمثلون نحو 90% من سكان غزة- إلى ترك منازلهم، وهو ما يتجاوز بكثير أعداد المهجرين خلال نكبة 1948 التي شهدت تهجير 700 ألف فلسطيني، وهذه التغيرات الديموغرافية تعيد تشكيل الواقع السكاني الفلسطيني، وتؤثر في توزيع السكان، وتزيد الضغط على المناطق المستقبلة للنازحين، وسط أوضاع إنسانية متفاقمة.

وفي هذا السياق، استعرض نضال العزة، مدير مركز “بديل”، خلال حديثه للجزيرة مباشر، المسار التاريخي لمشاريع التهجير والتوطين التي استهدفت اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة 1948.

وأوضح أن “المشاريع تباينت بين مبادرات رسمية وخطط دولية حاولت دمج اللاجئين في الدول العربية، وتعويضهم ماليًّا، ومنع عودتهم إلى ديارهم”.

المحاولات المبكرة لتوطين اللاجئين

وقال العزة إن أولى تلك المحاولات كانت مشروع جورج ماك، الذي قدّمه مستشار وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط عام 1949، وكان يستهدف توطين اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم بتمويل أمريكي، مع السماح بعودة 100 ألف لاجئ فقط إلى الأراضي المحتلة، مقابل الاعتراف العربي بإسرائيل، لكن المشروع فشل، كما فشل مقترح بعثة الأمم المتحدة في العام نفسه، رغم الوعود الأمريكية بتمويله.

مشاريع أممية

وفي عام 1951، قدّم المفوض العام السابق لوكالة الأونروا الأممية، جون بلاندفورد، مشروعًا جديدًا للأمم المتحدة، يدعو إلى دمج اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المستضيفة، لكنه لم يرَ النور، وفي عام 1953، طُرح مشروع سيناء، الذي استهدف إيجاد أنماط سكانية جديدة للفلسطينيين، ووافقت الحكومة المصرية على دراسته مبدئيًّا، ثم تتسبب الرفض الشعبي الفلسطيني في تجميده نهائيًّا، وفقًا لما ذكره نضال العزة.

خطط أمريكية

بعد ذلك تكررت المحاولات بصيغ مختلفة، حيث طُرحت 3 مشاريع متتالية لتوطين الفلسطينيين بعيدًا عن وطنهم. كان أبرزها المشروع الذي قدّمه وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس، والذي اقترح خيار “العودة الرمزية” لعدد محدود من اللاجئين الفلسطينيين “إذا سمحت الظروف”، على أن يتم تعويض البقية ماليًّا لتوطينهم في دول عربية، مع وعود أمريكية بتمويل مشاريع زراعية لاستصلاح الأراضي لاستيعابهم.

التوطين المتعدد المحفزات

وفي عام 1955، اقترح المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، إيريك جونستون، توطين الفلسطينيين في الضفة الشرقية لنهر الأردن، عبر مشاريع تنموية تهدف إلى استيعاب الأعداد المطلوبة، لكن الفلسطينيين رفضوا المقترح، كما رفضوا بعد ذلك بعامين، في 1957، مشروعًا طرحه الرئيس الأمريكي جون كينيدي، قبل وصوله للرئاسة، يقضي بتخيير اللاجئين بين العودة تحت مظلة حكومة الاحتلال الإسرائيلي، أو الحصول على تعويض مالي لمن لا يرغب في العودة، مع توطينهم في الخارج عبر حوافز اقتصادية.

مشاريع إضافية ودور الأمم المتحدة

وفي عام 1957 أيضًا، تبنّى عضو الكونغرس الأمريكي هيوبرت همفري مشروعًا مماثلًا، لكنه لم يُكتب له النجاح. وفي 1959، قدم الأمين العام للأمم المتحدة، داغ همرشولد، مقترحًا أكثر خطورة، يقضي بالاستغناء عن مساعدات الأونروا بشكل كامل، وتحويل أموالها إلى مشاريع توطين ودمج اقتصادي للفلسطينيين في البلدان التي لجؤوا إليها. غير أن هذا المشروع اصطدم برفض الدول المضيفة، التي رفضت التعاون مع المخطط الأممي، وفقًا لما ذكره نضال العزة.

مخططات إسرائيلية

ومع استمرار هذه المحاولات، طرح رئيس حكومة الاحتلال ليفي أشكول عام 1965، مشروعًا يهدف إلى إعادة توجيه جزء من الموارد الإقليمية لتوطين اللاجئين الفلسطينيين ودمجهم في الدول العربية، مع إعلان الاحتلال استعداده للمساهمة المالية في العملية، إلى جانب القوى الكبرى، لكن المشروع لم يلقَ قبولًا، مثل المشاريع السابقة، التي سعت إلى تصفية قضية اللاجئين على حساب حقوقهم التاريخية.

العودة لمشاريع التهجير بعد نكسة 67

وبعد هزيمة يونيو/حزيران 1967، عادت محاولات التهجير إلى الواجهة، إذ طرح الوزير الإسرائيلي، إيغال ألون، خطةً لتهجير الفلسطينيين إلى الأردن ومصر، مستغلًا حالة الانكسار العربي بعد الهزيمة، لكنها فشلت أيضًا، وكان الهدف من هذه الخطة إعادة رسم الخريطة الديمغرافية للمنطقة، بما يخدم المصالح الاستراتيجية للاحتلال، لكن الفلسطينيين أفشلوها مجددًا، مدعومين بمعارضة إقليمية ودولية.

مقترحات أخرى

في عام 1969، طُرحت خطة باراغواي، التي هدفت إلى نقل 60 ألف فلسطيني من قطاع غزة إلى دول أمريكا اللاتينية، بدعم أمريكي مباشر، ضمن استراتيجية أوسع لتفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها، لكنها انهارت سريعًا.

وبحلول عام 1970، عاد وزير الدفاع الإسرائيلي حينها، أرييل شارون، ليطرح خطة لإفراغ قطاع غزة من سكانه، عبر نقلهم إلى سيناء، مروّجًا لها بذرائع إنسانية، بزعم أن المشروع يستهدف تخفيف الكثافة السكانية، وتحييد ما اعتبره “مخاطر أمنية” على إسرائيل.

غير أن الخطة واجهت مقاومة شعبية فلسطينية، كما اصطدمت بعوائق لوجستية، وصعوبات سياسية، وضغوط دولية، حالت دون تنفيذها.

خطة ورؤية واغتيال

وفي عام 1993، قدم الدبلوماسي الكندي، مارك بيرون، رؤية بلاده لحل أزمة اللاجئين الفلسطينيين، عبر توطينهم في الدول التي يقيمون فيها، ضمن تسوية سياسية أوسع. وبعد عامين، طُرحت فكرة تشكيل لجنة دولية تتولى تأهيل اللاجئين وإدماجهم في أماكن وجودهم، لكن اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين عام 1995، جمّد المشروع، تمامًا كما حدث مع المقترح الذي طرحه الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.

مخططات حديثة وصفقة القرن

في عام 2002، استضافت اليونان مباحثات سرية بين مسؤول ملف القدس في منظمة التحرير الفلسطينية، سري نسيبة، والرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، عامي أيالون، تناولت مقترحًا لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة، مقابل إسقاط حق عودة اللاجئين، مع اقتراح حلول بديلة تشمل توطينهم في أماكن إقامتهم الحالية، أو في بلد ثالث، مع السماح بعودة جزء محدود منهم إلى فلسطين، غير أن هذا المشروع لم يجد طريقه إلى التنفيذ.

وفي العام التالي، كُشف النقاب عن وثيقة جنيف، التي تضمنت رؤية لحل نهائي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر إحلال هيئة دولية جديدة محل وكالة الأونروا تتولى مسؤولية إعادة تأهيل اللاجئين ودمجهم في البلدان التي يقيمون فيها. لكن الوثيقة لم تُترجم إلى خطوات عملية، تمامًا كما فشل مشروع يوشع بن آريه، الذي طُرح في 2004، لتبادل الأراضي بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

مشروع غيورا أيلاند ومخططات ما بعد 2007

بعد عام 2007، برز مشروع غيورا أيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الذي كان يقوم على مقايضة أراضٍ في سيناء بأخرى في صحراء النقب، لإنشاء دولة فلسطينية موسعة. لكن المشروع لم يلقَ قبولًا، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، إذ أثارت الخطة تساؤلات حول عدالة المبادلة، ومخاطر فقدان مصر لسيادتها على أراضٍ استراتيجية.

ورغم إخفاق هذا الطرح، عاد المشروع إلى الواجهة مرة أخرى في 2011، لكن هذه المرة مصحوبًا بحوافز اقتصادية وتجارية، لإقناع مصر بالتنازل عن 720 كيلومترًا مربعًا من شمال سيناء لمشروع التوطين، مقابل تخلي الفلسطينيين عن 12% من الضفة الغربية لصالح إسرائيل.

وكانت الخطة تراهن على تفاقم التوتر في سيناء، لكن سيناريو الانفلات الذي راهن عليه برنارد لويس، لم يتحقق.

صفقة القرن ومحاولات فرض التسوية

ومع تعثّر هذا المخطط، تباطأت مساعي التهجير، لكن الفكرة عادت إلى الساحة من جديد بين عامي 2018 و2020، عبر ما عُرف بـ”صفقة القرن”، التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، متضمنة شقين أحدهما اقتصادي والآخر سياسي، بهدف فرض تسوية تتجاهل الحقوق التاريخية للفلسطينيين. غير أن الصفقة قوبلت برفض واسع، فلسطينيًّا وعربيًّا، ومع خسارة ترامب في الانتخابات الأمريكية، جُمّد المشروع كليًّا.

غير أن السيناريو ذاته عاد للظهور بعد معركة “طوفان الأقصى” -التي أطلقتها المقاومة ردًّا على تصاعد انتهاكات الاحتلال ضد الفلسطينيين ومقدساتهم- إذ بدأت مراكز الأبحاث الإسرائيلية، مثل معهد مسجاف، طرح رؤى جديدة حول “الحل النهائي” لقطاع غزة، وصولًا إلى إعلان وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، خطة لإفراغ غزة من سكانها عبر “الهجرة الطوعية”، وهو مصطلح يخفي خلفه مخططًا واضحًا لتكرار محاولات التهجير التي فشلت مرارًا، لكنها لم تتوقف عن الظهور بأسماء جديدة.

هاجس القنبلة الديموغرافية

أما ما طرحه ترامب مؤخرًا، فليس مجرد مبادرة عابرة، بل هو امتداد طبيعي لعقود من التفكير المستمر في تهجير الفلسطينيين، وفقًا لنضال العزة، فالمسألة تشكّل جوهر السياسات الإسرائيلية والغربية منذ عام 1948.

ويؤكد العزة أن الأرقام التي أوردها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وحتى المركز الإسرائيلي للإحصاء، تعكس بوضوح الواقع الديموغرافي، وهو أن الفلسطينيين في أراضي 1948، والضفة الغربية، وقطاع غزة، يزيدون في العدد بنسبة نصف بالمئة عن الإسرائيليين اليهود، دون احتساب ملايين اللاجئين الفلسطينيين في الخارج. وهذه المعادلة الديموغرافية هي المحرّك الأساسي لمشاريع التهجير المستمرة، إذ ترى إسرائيل أن التفوق السكاني الفلسطيني يمثّل “قنبلة ديموغرافية” تهدد مستقبل “الدولة اليهودية”.

متظاهر يحمل لافتة وعلم فلسطيني خلال احتجاج على بناء مستوطنات إسرائيلية في بيت دجن بالضفة المحتلة (رويترز)

استراتيجيات الضغط والابتزاز

وقال العزة للجزيرة مباشر “لأننا نمثّل خطرًا ديموغرافيًّا، فهاجس تهجير الفلسطينيين يطارد إسرائيل بشكل دائم. الحل الاستراتيجي الذي توصي به معاهد الأبحاث الإسرائيلية هو تهجير حوالي مليوني فلسطيني، تحديدًا من الضفة الغربية، للحفاظ على التفوق اليهودي وإنقاذ حلم الدولة اليهودية الخالصة”.

وأشار العزة إلى أن مشاريع التهجير والتوطين جميعها تشترك في نقطة جوهرية واحدة، وهي: عدم السماح بعودة الفلسطينيين إلى الأراضي المحتلة عام 1948، بل تقديم إغراءات اقتصادية ومالية لإقناعهم بالاندماج في الدول المضيفة، أو البحث عن وطن بديل. ونبّه إلى أنه “إذا لم تنجح الإغراءات، تلجأ إسرائيل والدول الداعمة لها إلى أساليب الضغط السياسي والاقتصادي، من خلال تجميد المساعدات، وفرض عقوبات مالية، والابتزاز السياسي المتواصل”.

ولكن رغم كل هذه الضغوط، لا يزال الفلسطينيون متمسكين بحقهم في البقاء على أرضهم ورفض الدمج القسري؛ مما يجعل مشاريع التهجير، رغم تكرارها، تواجه مقاومة شعبية تحول دون تحقيقها حتى اليوم”.

المخطط الاحتيالي مستمر

ويقول سمير الأمير عضو الهيئة الإدارية في مركز “لاجئ”، للجزيرة مباشر إن مقترح التهجير “ليس مجرد فكرة عابرة، بل استراتيجية متكاملة تستهدف تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها، وهو نهج متكرر اتبعه الاحتلال منذ النكبة”.

وأضاف المسؤول بمركز “لاجئ”، وهو منظمة فلسطينية مستقلة لتعزيز الصمود الثقافي والتعليمي والاجتماعي، أن “الجانب الأمريكي حاول خلال العدوان الأخير تمرير هذه الخطة بوسائل تحايلية”، مشيرا إلى أن “ما يحدث هو عملية مدروسة لخلق بيئة سياسية تجعل الطرح التهجيري كأنه خيار مطروح للنقاش”.

ووضع الأمير هذه التطورات في سياق سياسي أوسع محذرًا من أن “ما يفعله ترامب ونتنياهو تلاعب إستراتيجي محسوب، فنتنياهو، بعد فشله العسكري وغرقه في قضايا الفساد داخل إسرائيل، يحاول الهروب إلى الأمام بمساعدة صديقه ترامب، عبر إغراق الساحات المحلية والإقليمية والدولية بفكرة جديدة تشغل الإعلام والرأي العام بقضية التهجير عبر مناورة قانونية لتجنّب المحاسبة الداخلية والدولية عن تداعيات الحرب”.

نتنياهو اثناء لقاء مع ترامب في نيويورك خلال فترة رئاسته السابقة
نتنياهو أثناء لقاء مع ترامب في نيويورك خلال فترة رئاسته السابقة (رويترز)

أوجه التشابه والاختلاف

ويؤكد رئيس المجلس الأوروبي الفلسطيني للعلاقات السياسية، ماجد الزير، أن “جوهر مخططات التهجير جميعها هو تفريغ الأرض الفلسطينية من سكانها الأصليين، تمهيدًا لفرض السيطرة الكاملة لدولة الاحتلال”، ويرى أن “ما نشهده اليوم ليس جديدًا، بل هو امتداد لمحاولات مستمرة لنقل الفلسطينيين قسرًا خارج وطنهم”.

وأوضح الزير للجزيرة مباشر أن “الولايات المتحدة تتصدر هذه المشروعات، سواء عبر الإدارات المتعاقبة أو من خلال وزراء الخارجية وأعضاء الكونغرس، الذين يروجون لتوطين الفلسطينيين في الدول العربية، وخصوصًا الأردن لسكان الضفة الغربية، وسيناء المصرية لسكان غزة” مشيرًا إلى أن “التمويل اللازم لتنفيذ هذه المخططات ظل حاضرًا في أجندة الداعمين الأمريكيين والإسرائيليين، لكن العامل الحاسم كان دومًا في قدرة ومقاومة الفلسطينيين”.

أما عن أوجه الاختلاف في هذه المرحلة، فيرى الزير أن “الشعب الفلسطيني، بعد 80 عامًا من المعاناة والتهجير، بات أكثر تماسكًا وصلابة”، وأن “مقترح التهجير هذه المرة يأتي بعد صمود بطولي في غزة منذ أكتوبر 2023، وسط انكشاف عالمي لحقيقة ما يجري، وامتداد غير مسبوق لحركة التضامن الدولي، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي”.

ضد القانون والإنسانية

وتتعارض خطة ترامب بشكل مباشر مع الأطر القانونية الدولية، بحسب أستاذ القانون في الجامعة العربية الأمريكية أحمد الأشقر الذي قال “خطة ترامب تمثل تهجيرًا قسريًّا، وانتهاكًا للقانون والأعراف الدولية المستقرة، وخروجًا صريحًا على اتفاقية جنيف الرابعة -المادة 49- التي تحظر النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص المحميين من الأراضي المحتلة إلى أراضي الدولة المحتلة أو إلى أي دولة أخرى بغض النظر عن الدوافع”.

وأضاف الأشقر للجزيرة مباشر أن “تصريحات ترامب حول التهجير الدائم تشكل إبعادًا محظورًا، وانتهاكًا لميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية” الذي ينص على أن “النفي أو النقل القسري للسكان يُعد جريمة ضد الإنسانية، إذا وُجِّه ضد مدنيين كجزء من هجوم ممنهج، وأن النقل القسري خلال النزاعات المسلحة ضمن جرائم الحرب”.

النازحون يواصلون العودة إلى شمال قطاع غزة
النازحون يواصلون العودة إلى شمال قطاع غزة رغم الدمار (الفرنسية)

حلول مقترحة للمواجهة

وعدّد سمير الأمير، مظاهر الضعف والقوة التي تحكم المشهد الفلسطيني، مشيرًا إلى أن “الانقسام الفلسطيني الداخلي، وتشتت المواقف السياسية للأنظمة العربية، والمواقف الدولية التي لا تزال مجرد أصوات لا تجد آذانًا مصغية لدى الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية، جميعها عوامل سلبية، لكن الرهان على صمود وتضحيات الشعب الفلسطيني”.

لكن نضال العزة، أوضح أن “الاصطفاف الفلسطيني، والرفض الشعبي، والموقف العربي الرسمي عوامل مهمة في إسقاط مشاريع التهجير والتوطين”، وأن “الرفض لا ينبغي أن يقتصر على الشعارات، بل يتجلى في التمسك بالقانون الدولي وقرار حق العودة رقم 194، إلى جانب ضرورة إبقاء قضية اللاجئين مسؤولية دولية وعدم اختزالها في المسؤولية العربية وحدها”.

بدوره أكد الأشقر أن “العواقب المحتملة لنجاح خطة ترامب ستكون بمثابة تصفية علنية وفعلية للقضية الفلسطينية”، وإزاء هذا التهديد الوجودي، يرى أن للمؤسسات الأممية دورًا محوريًّا في منع التهجير، واستثمار الأدوات القانونية العديدة لمواجهة المخطط، عبر المحاكم الدولية.

من ناحية أخرى لفت ماجد الزير، إلى أن “إسرائيل باتت مكشوفة أكثر من أي وقت مضى، عبر الدعاوى القضائية المتزايدة التي تلاحقها؛ مما جعل من الصعب عليها تسويق روايتها التقليدية، في ظل تغير المزاج الدولي؛ مما أدى إلى إعادة الزخم لدعم القضية الفلسطينية”.

ويبقى أن محاولات توطين اللاجئين الفلسطينيين ترتبط بالتحولات الجيوسياسية، واليوم، تظل القضية حساسة في ظل اتفاقيات التطبيع، والعدوان على فلسطين، والأزمات الاقتصادية في الدول المضيفة.

ورغم إعلان ترامب التمهل في تنفيذ مقترحه، فإن المعارضة الفلسطينية، والرفض الإقليمي، والمخاطر الديموغرافية، والتحديات القانونية واللوجستية، تجعل نجاحه شبه مستحيل، ليبقى مصيره الفشل المحتوم كسابقيه.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان