“قرص الغلة” والمنشور الذي حيّر المصريين.. وصفة غريبة لإنقاذ المنتحرين وتحذيرات من “الترند القاتل”
زيت البرافين في مواجهة القاتل الصامت

أثار منشور تداوله آلاف المستخدمين على فيسبوك ضجة واسعة في مصر بعدما زعم صاحبه أنه تمكّن من إنقاذ ابن عمه الشاب من موت محقق، بعد أن حاول الأخير الانتحار بابتلاع ما يعرف بـ”قرص الغلة”.
وقال كاتب المنشور إنه استعان في إنقاذ ابن عمه بتطبيق الذكاء الاصطناعي “تشات جي بي تي” الذي أرشده إلى استخدام زيت البرافين لتعطيل سمّية القرص القاتل، الذي لا يكاد ينجو مستعمِله.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبالذكاء الاصطناعي.. اللحظات الأخيرة من حياة مواطن مصري ضحى بحياته لإنقاذ حي سكني (فيديو)
بتقنية الذكاء الاصطناعي.. تقرير يوثق أول اقتحام للأقصى بعد احتلال القدس عام 1967 (شاهد)
“iOS 26” وابتكارات ثورية.. أبل تكشف عن مفاجأة “الزجاج السائل” وذكاء اصطناعي يغير قواعد اللعبة
وصفة علاجية مثيرة للجدل
الوصفة العلاجية الغريبة، التي قال متخصصون إنها ليس لها سند علمي للتعامل مع حالة شديدة الخطورة مثل “تسمم الفوسفين” جراء ابتلاع مبيد حشري يعرف في ريف مصر باسم “قرص الغلة”، وصفها البعض بأنها مبالغة و”جهل”، ونظر إليها آخرون باعتبارها حالة يجب تحليلها علميا.
وفي منشوره قال صاحب الوصفة المثيرة للجدل، إنه سأل “تشات جي بي تي” عن التصرف الأمثل لإنقاذ ابن عمه (17 عاما) فنصحه فورا باستخدام زيت البرافين، الذي عطّل سمية القرص، وبعد مرور 24 ساعة زال الخطر، ونجا قريبه من الموت، حتى إنه تناول “طاجن وبيتزا” بمجرد أن استفاق، على حد تعبيره.
ماذا قال “تشات جي بي تي”؟
سألنا تطبيق “تشات جي بي تي” عن العلاج لمن تناول حبة الغلة المميتة؟ وكانت الإجابة أنه “لا يوجد ترياق (antidote) مباشر معروف للفوسفين حتى الآن”.
واستدرك التطبيق في إجابته أن العلاج من تسمم الفوسفين يعتمد بروتوكولا طبيا معروفا لحالات التسمم يعتمد على غسل المعدة، والرعاية الداعمة المكثفة، وإعطاء المصاب أدوية داعمة.
هل من سند علمي للعلاج بزيت البرافين؟
وتعليقا على ما تناوله المنشور المثير للجدل، قال الدكتور محمود محمد عمرو، مؤسس المركز القومي للسموم وأستاذ الطب المهني البيئي والأمراض الصدرية بالقصر العيني، إن إعطاء حالة الشخص المصاب بالتسمم أي نوع من الزيوت قد يساهم في تحجيم انتشار السم وامتصاصه في الجسم، لكنه لا يعني إنقاذ المريض.
واعتبر خبير السموم في تصريحات خاصة للجزيرة مباشر، القول إن زيت البرافين ينقذ حالة التسمم بمبيد حبة الغلة القاتلة “لا أساس علميا له”، مؤكدا أن الإنقاذ الحقيقي للمصاب يتمثل في نقله سريعا إلى المستشفى لإجراء غسيل المعدة، وإنعاش الوظائف الحيوية، واتباع البروتوكول الطبي.
أما زيت البرافين الذي زعم صاحب المنشور أنه ساهم في إنقاذ ابن عمه، فهو مادة زيتية شفافة عديمة اللون والرائحة تستخلص من البترول أثناء عملية التكرير، ويطلق عليه “الزيت المعدني”، ويستخدم طبيا لعلاج الإمساك أو لترطيب الجلد، كما يدخل في صناعة الكريمات ومستحضرات ترطيب البشرة.
هذا ما قد ينتج عن “الإنقاذ العشوائي”
وحذر خبير السموم الدكتور محمود محمد عمرو مما سماه “الإنقاذ العشوائي” وغير العلمي الذي يلجأ إليه بعض الناس، مشيرا إلى أنه “بمجرد نزول هذا المبيد في المعدة يتحول إلى غاز مثل البوتاغاز يساعد على انفجار المعدة أو يصل للمخ ويوقفه عن العمل، وبالتالي لا داعي للتجارب غير العلمية التي تهدد حياة الشخص”.
وأوضح أنه في الوقت نفسه “لا يمكن حظر هذه المبيدات لمنع حالات الانتحار، وإلا اضطررنا لمنع مئات الأنواع الأخرى القاتلة أيضا، لكن الحل الأمثل يكون في التوعية الدينية وتثقيف الشباب بخطورتها وحرمة الانتحار عبر إعلام هادف لا يسعى وراء الشهرة وما يسمونه ’الترند‘”.
هل كان التسمم بـ”حبة الغلة”؟
من جانبها، قالت الدكتور نرمين حمدي، أستاذ السموم بكلية الطب في جامعة القاهرة، إنها تابعت المنشور الذي تحدث عن إنقاذ المريض بزيت البرافين، وأوضحت أن جامعة أسيوط نفت أن تكون الحالة التي تحدث عنها المنشور تناولت “قرص الغلة” وأنه كان تسمم بنوع آخر من السموم وهو ما ساهم في إنقاذ الحالة.
وأضافت للجزيرة مباشر “هناك بروتوكول متبع في المستشفيات لعلاج حالات التسمم” مؤكدة أن “إعطاء المصاب بالتسمم أي نوع من الزيوت هو بمثابة إسعاف أولي وليس علاجا، والأهم هو منعه من تناول أي سوائل أخرى”.
وقالت الطبيبة إن “عمليات الإنقاذ تتم بأسلوب علمي حسب حالة الشخص وكمية السموم التي تناولها، وحالته الجسمانية”.

“حبة الغلة” أداة انتحار
حبة الغلة المعروفة علميا باسم فوسفيد الألمونيوم (Aluminum Phosphide) هي مادة شديدة السمية، تستخدم مبيدا حشريا لحفظ الحبوب والغلال من القوارض والحشرات بشكل خاص، وينتشر استخدامها بين المزارعين في المناطقة الريفية في دلتا وجنوب مصر منذ عشرات السنين.
وفي السنوات الأخيرة تفشت حالات الانتحار بابتلاع تلك الحبة القاتلة، حتى أصبح بعضهم يوثق انتحاره بها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وتتفاعل حبة الغلة عند ابتلاعها مع رطوبة المعدة وتطلق غاز الفوسفين (PHs) وهو غاز سام يؤدي إلى فشل في القلب والتنفس، وتلف الأعضاء الحيوية، وغالبا ما يؤدي إلى الوفاة خلال ساعات.
ما يلفت الانتباه إلى ظاهرة الانتحار باستخدام قرص الغلة هو سهولة الحصول عليه، ورخص ثمنه، حيث يتم تداوله تجاريا تحت مسميات مختلفة، بعضها محلي الصنع، وبعضها مستورد، وخصوصا من الصين، وهو متاح في الصيدليات، ومتاجر المبيدات الزراعية في الريف المصري.
وفي ظل ضغوط اقتصادية يواجهها البعض، وزيادة تداول المراهقين الأحاديث عن الانتحار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت تلك الحبة توصف بـ”القاتل الصامت” حيث تقتل من يتناولها خلال ساعات، وربما دون شعور مَن حوله.
دعوات إلى حظر القرص القاتل
ومع انتشار ظاهرة الانتحار بقرص الغلة تزايدت الدعوات إلى حظر استخدامه ومنع استيراده، ومنذ 2022 أعلنت الحكومة في مصر قصر بيعه على الصيدليات، ولكن على أرض الواقع لا يزال من الممكن الحصول على تلك الحبوب القاتلة من خارج الصيدليات، بحسب مزارعين.
كما وضعت وزارة الزراعة قيودا على بيعها في صورة حبات مفردة، وأوجبت سؤال المشترين من المزارعين عن الغرض من استخدامها قبل بيعها.
وقال مواطن من محافظة أسيوط جنوبي مصر، تمتلك عائلته أرضا زراعية، إن هذه الحبة التي يلجأ إليها البعض للتخلص من حياتهم، ومنهم شبان صغار الأسنان، يمكن الحصول عليها بعيدا عن الصيدليات، وسعرها لا يتجاوز عشرة جنيهات (أقل من ربع دولار)، ويتداولها الفلاحون أحيانا وأصحاب الأراضي فيما بينهم لاستخدامها في حفظ الغلال.
وعن انتشار حالات الانتحار باستخدام تلك الحبة قال المواطن، الذي يعمل مدرسا، للجزيرة مباشر، إنه لم يشهدها في بلدته بشكل خاص، لكنه سمع عن حالات كثيرة في قرى ومحافظات أخرى، حتى إن بعض طلابه سألوه عن تلك الحبة وهل هي فعلا مميتة بشكل سريع، لكنه غيّر دفّة الحديث معهم إلى التأكيد على حرمة الانتحار.
ولا توجد تقديرات رسمية للمنتحرين بتلك الحبة، لكن كلية الطب بجامعة المنوفية على سبيل المثال طالبت بتجريم تداولها، وأعلنت مصرع 116 شخصا بهذا القرص في مركز السموم خلال عام 2022 وحده.