الحرس الثوري الإيراني.. من حارس للثورة إلى قوة تتحكم في مفاصل الدولة

توسعت مهام الحرس الثوري الإيراني ليصبح أحد أبرز أعمدة الدولة الإيرانية الحديثة
توسعت مهام الحرس الثوري الإيراني ليصبح أحد أبرز أعمدة الدولة الإيرانية الحديثة (غيتي)

أُنشئ الحرس الثوري الإيراني، بمرسوم من قائد الثورة الإسلامية روح الله الخميني في 5 مايو/أيار 1979، بعد أشهر قليلة من عودته إلى طهران وسقوط نظام الشاه محمد رضا بهلوي، وذلك بهدف “حماية الثورة والنظام الجديد من التهديدات الداخلية والخارجية”.

وفي خطوة تهدف إلى منع تكرار تجربة الانقلابات العسكرية، نصّ المرسوم التأسيسي على أن يكون الحرس الثوري كيانا مستقلا عن وحدات الجيش التقليدي الذي كان تابعًا لنظام الشاه، مما منح هذه القوة طابعا عقائديا وولاء مباشرا للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية.

وتوسعت مهام الحرس الثوري الإيراني ليصبح أحد أبرز أعمدة الدولة الإيرانية الحديثة، إذ يتمتع بنفوذ واسع يشمل القطاعات الأمنية والاستخبارية والعسكرية، إضافة إلى حضوره في المجالات الصناعية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

وقد أوكلت إليه رسميًّا، وفق تقارير رسمية، مسؤولية حماية المنشآت النووية، كما يؤدّي دورًا محوريًّا في السياسة الخارجية الإيرانية، لا سيما من خلال “فيلق القدس”، ذراعه الخارجي.

دور دستوري وهيكلة مستقلة

ويُحدد الدستور الإيراني لعام 1979 (المعدل عام 1989) في مادته الـ150 دور الحرس الثوري الإيراني باعتباره قوة دائمة “لحراسة الثورة ومكاسبها”، ويؤكد أن القانون هو المرجع في تنظيم وظائفه ومسؤولياته بالمقارنة مع باقي القوات المسلحة، مع التأكيد على “التعاون والتنسيق الأخوي” بينهما.

ورغم طبيعته العسكرية، لا يُعد الحرس الثوري جزءًا تنظيميا من القوات المسلحة الإيرانية التقليدية، إذ يتمتع بقيادة مستقلة، ويتلقى أوامره مباشرة من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، ويقدم تقاريره إليه دون المرور بأي سلطة وسيطة.

ومع مرور الوقت، تطور الحرس الثوري ليصبح قوة محورية في إيران، تتداخل مع مختلف القطاعات السياسية والأمنية والاقتصادية، ويمارس تأثيرا كبيرا في صناعة القرار في البلاد.

قاسم سليماني القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني (غيتي – أرشيفية)

مكونات الحرس الثوري

تشير تقديرات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، إلى أن عدد قوات الحرس الثوري يبلغ نحو 350 ألف عنصر، في حين يقدره معهد الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن بنحو 120 ألفا. وتتحدث تقارير إعلامية عن نحو 125 ألف مقاتل موزعين على وحدات برية وجوية وبحرية.

ويُشرف الحرس الثوري على كيانين أساسيين:

قوات التعبئة الشعبية “الباسيج”

وهي قوة شبه عسكرية تضم ما لا يقل عن 90 ألف عنصر من المتطوعين، من بينهم طلاب جامعيون، وتُعنى بمواجهة ما يُصنف بأنه “أنشطة مناهضة للنظام”.

كما تضطلع بأدوار تعبوية وثقافية ودينية واجتماعية، إلى جانب مسؤوليات أمنية مثل مكافحة الشغب ومراقبة الالتزام بالقيم الدينية، لا سيما عبر “شرطة الأخلاق”.

وتذهب بعض التقديرات إلى أن عدد عناصر “الباسيج” يتجاوز بكثير الأرقام الرسمية، ويُحتمل أن يصل إلى الملايين ممن يتلقون تدريباتهم وتوجيهاتهم من الحرس الثوري.

فيلق القدس

يعد الذراع الخارجية للحرس الثوري، وقدرت تقارير إعلامية عدد أفراده بنحو 15 ألف مقاتل، ويتولى تنفيذ عمليات خارج إيران. وكان يقوده سابقًا اللواء قاسم سليماني حتى اغتياله عام 2020. ويقوده حاليا اللواء إسماعيل قآني.

الحرس الثوري الإيراني يقول أنه لم يستخدم أحدث ما لديه من سلاح في الهجوم على إسرائيل
الحرس الثوري الإيراني يقول إنه لم يستخدم أحدث ما لديه من سلاح في الهجوم على إسرائيل (رويترز)

القدرات العسكرية

يمتلك الحرس الثوري الإيراني ترسانة عسكرية متطورة تشمل أنظمة صواريخ قادرة على حمل رؤوس عنقودية، ويُعد من أبرز الجهات الإيرانية التي طورت صواريخ باليستية مثل صواريخ “شهاب 1 و2 و3” التي يصل مداها إلى نحو 3000 كيلومتر، إضافة إلى “شهاب 4 و5” اللذين تُقدّر تقارير أن مداهما يتجاوز 5 آلاف كيلومتر.

كما يمتلك الحرس منظومات متقدمة للطائرات المسيّرة والدفاع الجوي، إلى جانب قدرات في مجال الحرب الإلكترونية، ويواصل العمل على تطوير أسلحة محلية في إطار استعراض ما يسمى بـ”قوة الردع”، مستخدمًا الإعلام والحرب النفسية للكشف عن نماذج جديدة من الأسلحة والتأكيد على التصنيع المحلي.

وتتهم دول غربية، على رأسها الولايات المتحدة، الحرس الثوري بالضلوع في دعم وتطوير البرنامج النووي الإيراني، وتعتبره جزءًا من منظومة تهدد الأمن الإقليمي والدولي، خصوصًا في ظل تصاعد التوتر حول أنشطة إيران النووية.

حضور ميداني في ساحات القتال

شارك الحرس الثوري بشكل رئيسي في الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، كما تدخل في عدد من النزاعات الإقليمية، منها دعمه لمقاتلي حزب الله في حرب لبنان عام 2006، وتدخله المباشر في الحرب السورية منذ عام 2011 إلى جانب قوات الرئيس المخلوع بشار الأسد.

كما أدّى الحرس الثوري دورًا فاعلًا في العراق بعد عام 2014، إذ قدم دعما مباشرا لقوات “الحشد الشعبي” في مواجهتها لتنظيم الدولة الإسلامية، ونفّذ هجمات صاروخية أبرزها قصف القنصلية الأمريكية في أربيل عام 2022، ردًّا على مقتل ضابطين بارزين من الحرس بغارة إسرائيلية على دمشق، هما العقيد إحسان كربلائي بور والعقيد مرتضى سعيد نجاد.

قادة الحرس الثوري خلال مناورة عسكرية للقوات البرية (رويترز)

إمبراطورية اقتصادية متشعبة

يمتد نفوذ الحرس إلى الاقتصاد الإيراني، إذ تدير مؤسساته مشاريع استراتيجية كبرى تشمل النفط والغاز والبنى التحتية والاتصالات والصناعات البتروكيميائية. ومن أبرز أذرعه الاقتصادية مؤسسة “خاتم الأنبياء”، التي توصف بأنها “أكبر متلقٍّ لعقود الدولة”، وتشرف على مشاريع واسعة النطاق مثل بناء السدود وشبكات السكك الحديدية والمجمعات الصناعية.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “لوس أنجلوس تايمز”، يرتبط الحرس الثوري بشبكة من أكثر من 100 شركة محلية مؤثرة، وتُقدّر عائدات ذلك السنوية بأكثر من 12 مليار دولار.

ويعزو بعض الباحثين هذا التمدد الاقتصادي إلى المادة 147 من الدستور الإيراني المعدل عام 1989، التي تتيح للحكومة استخدام كوادر الجيش ومعداته في مهام الإغاثة والتنمية والتعليم والإنتاج في أوقات السلم، شريطة عدم المساس بالجاهزية العسكرية.

وفي يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران، اغتالت إسرائيل القائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي بغارات جوية نفذتها على مواقع في إيران فجر اليوم نفسه، ليتولى اللواء محمد باكبور قيادة الحرس خلفًا له.

المصدر: الجزيرة مباشر + مواقع إلكترونية

إعلان