الملاجئ.. خط الدفاع الإسرائيلي الأخير في مواجهة الصواريخ

تمثل الملاجئ الإسرائيلية جزءا أساسيا من البنية التحتية الدفاعية التي تعتمد عليها إسرائيل لحماية السكان من الهجمات الصاروخية.
وهي عبارة عن مبانٍ مصفحة من الخرسانة والمعادن، تتوزع بين ملاجئ خاصة داخل المنازل، وأخرى مشتركة في المباني السكنية، فضلا عن ملاجئ عامة موزعة في المدن والقرى.

كيف نشأت فكرة الملاجئ؟
ويرتبط تاريخ إنشاء هذه الملاجئ بإعلان قيام دولة الاحتلال عام 1948، حيث أُدرجت ضمن خطط الطوارئ الأولى. وفي عام 1951 أقرّ قانون الدفاع المدني الذي ألزم السلطات ببناء ملاجئ عامة في جميع المناطق. وتطورت أنظمتها لاحقا في السبعينيات، لتشمل ملاجئ تحت الأرض أكثر تحصينا.
ومع تعرض تل أبيب لهجوم صاروخي عراقي عام 1991، أصبح القانون يفرض على المطورين العقاريين إنشاء غرفة محصنة في كل مبنى جديد، ويشترط ذلك للحصول على رخصة البناء.
وفي أعقاب ذلك الهجوم، الذي أسفر عن مقتل 74 شخصا، أنشأت إسرائيل “الجبهة الداخلية” لتكون هيئة عسكرية بديلة للدفاع المدني، تتولى الإشراف على بناء الملاجئ العامة وصيانتها والتدريب على استخدامها.
رغم ذلك، لا يزال الجدل قائما داخل إسرائيل بشأن فاعلية هذه الملاجئ، إذ تشير تقديرات رسمية إلى أن 65% فقط من السكان يمكنهم الوصول إليها في حالات الطوارئ.
كما حذّر مسؤولون أمنيون من أن الضربات المباشرة قد تؤدي إلى انهيار بعض الملاجئ ومقتل من بداخلها، رغم التحصينات العالية.
وبعد حرب يوليو/تموز 2006 مع حزب الله، وسّعت إسرائيل خطتها الدفاعية لتشمل بناء المزيد من الملاجئ في شمال البلاد، ومع تصاعد تهديد الصواريخ من غزة، امتدت الخطة لتشمل مناطق أوسع من الداخل الإسرائيلي.

أنواع الملاجئ في إسرائيل
تشير إحصائيات رسمية صدرت عام 2021 إلى أن عدد الملاجئ في إسرائيل يقدّر بنحو مليون ملجأ، منها حوالي 700 ألف ملجأ خاص، وفقا لتقرير أعدّه قسم الأبحاث في الكنيست الإسرائيلي.
وتتنوع أنواع الملاجئ بحسب موقعها ووظيفتها؛ فالملجأ الخاص بشقة واحدة يُعرف باسم “مماد”، بينما يُطلق على الملجأ الجماعي داخل العمارات السكنية “مماك”، أما الملاجئ العامة التابعة للبلديات فتعرف باسم “ميكلت”.
كما توجد غرف محصنة مخصصة لاستخدامات الأجهزة الأمنية والحكومية، وقد زاد الاعتماد عليها عقب عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث أصبحت الاجتماعات الأمنية والحكومية تُعقد غالبا داخل هذه الغرف المحصنة في تل أبيب.
لوائح تنظيمية صارمة
وتخضع الملاجئ في إسرائيل للوائح تنظيمية صارمة من حيث البناء والمواصفات، إذ تُشيد الجدران والأسقف من الخرسانة المسلحة، وتُصمم الأبواب والنوافذ من معادن مصفحة لتكون قادرة على مقاومة الانفجارات والتصدي للشظايا الصاروخية.
كما تُجهز هذه الملاجئ بأنظمة تهوية وتكييف تلائم الاستخدام العادي والطارئ، وتتوفر في بعضها تجهيزات إضافية تشمل معابد، وحانات، وأماكن للرقص، وقد أشارت مصادر إسرائيلية إلى وجود ملاجئ معدّة لمواجهة هجمات كيميائية.
ويحدد القانون الإسرائيلي مساحة الملاجئ الخاصة، بحيث لا تقل عن 5 أمتار مربعة ولا تتجاوز 12.5 مترا مربعا، ضمن معايير تضمن أقصى درجات الحماية للسكان في حالات الطوارئ.

تفاوت معايير الحماية
تُعدّ الملاجئ في إسرائيل خط الدفاع الأخير في حال فشل منظومات الدفاع الجوي المتعددة المستويات في اعتراض الهجمات الصاروخية، سواء تلك القادمة من خارج الغلاف الجوي أو من داخله، وتُخصّص هذه الملاجئ للاحتماء خلال الطوارئ والحروب.
وتشرف الجبهة الداخلية التابعة للجيش الإسرائيلي على تنظيم تدريبات دورية للسكان بهدف تعليمهم كيفية التصرف فور سماع صفارات الإنذار، وتحديد الوقت المتاح للوصول إلى أقرب ملجأ، الذي يتراوح بين 10 ثوان و60 ثانية وفقًا لموقع كل مدينة أو حي. كما تقدم الجبهة إرشادات للتعامل مع الحالات التي لا يتوفر فيها ملجأ قريب.
وتوصي قيادة الجبهة السكان بتجهيز ملاجئهم الخاصة والمشتركة بكميات من المياه، والأطعمة الجافة، والمستلزمات الطبية الأساسية تكفي لعدة أيام، بينما تقتصر تجهيزات الملاجئ العامة على توفير المياه فقط.
غير أن توزيع الملاجئ في إسرائيل يكشف عن تفاوت كبير بين المناطق، إذ تُظهر تقارير رسمية أن المناطق التي يسكنها الفلسطينيون داخل إسرائيل (فلسطينيو 48) تفتقر إلى هذه التحصينات بشكل شبه تام. وفي بعض الحالات، سقطت قذائف وشظايا على هذه المناطق دون أن يتم تشغيل صفارات الإنذار لتحذير السكان.
وتصنّف السلطات الإسرائيلية العديد من القرى العربية ضمن ما يُعرف بـ”المناطق المفتوحة”، مما يجعلها مفضلة لاعتراض الصواريخ فيها، في ظل غياب الحماية المماثلة المتوفرة في المدن اليهودية، وهو ما يثير انتقادات واسعة داخل المجتمع العربي بشأن معايير الحماية المتبعة.