حادث “فتيات العنب” يعيد رعب الإسفلت.. هل تصبح الطرق العدو الأول للمصريين؟

فتيات في طريقهن المعتاد إلى العمل بمزارع العنب (منصات التواصل)

فتح حادث سير مأساوي أسفر عن مصرع 18 فتاة من محافظة المنوفية في دلتا مصر، الباب على مصراعيه لجدل لم يتوقف حول نزيف الطرق المستمر وسقوط مزيد من الضحايا.

وفي طريق العودة إلى القاهرة وبعد مشاركته في تشييع إحدى قريباته من الضحايا بقرية “السنابسة” بالمنوفية، يطلب فتحي البحيري ومرافقوه من السائق أن يسلك طريقا آخر غير الذي شهد الحادث المروع، قائلا للجزيرة مباشر إن الطرق القديمة أكثر أمانًا رغم الزحام الشديد.

“شهيدات لقمة العيش”

وذكر البحيري أن “الطريق الإقليمي” الذي شهد مصرع “شهيدات لقمة العيش” يحصد الأرواح بشكل مستمر منذ افتتاحه قبل سنوات قليلة، موضحًا أن عيوب التنفيذ بدأت تظهر فيه، وأبقت فقط على تشغيل لحارة واحدة باتجاهين متعاكسين.

لكن عيد حنفي -وهو سائق من المنوفية- يعتبر الطرق الجديدة أفضل، ويرجع كثرة الحوادث إلى مخالفة قواعد المرور. كما يتحدث للجزيرة مباشر عن اضطرار الشاحنات إلى السير عكس الاتجاه بسبب “مشاكل في تنفيذ مطالع ومنازل الطريق مع هبوط أرضي متكرر”.

“فتيات العنب”

ووسط أجواء من الحزن والغضب شيّع الآلاف بقرية السنابسة جنائز 18 فتاة كنّ في طريقهن إلى العمل بمزارع العنب القريبة حيث اصطدمت حافلتهن الصغيرة بشاحنة ضخمة كانت تسير عكس الاتجاه على الطريق الذي يعمل بطاقة تشغيل حارة واحدة، طبقا لشهود عيان.

ويقول السائق عيد حنفي إن “السير عكس الاتجاه أمر معتاد” حيث يتفهم الجميع -كما يقول- تعثر الحركة على الطريق بسبب عمليات الصيانة المستمرة منذ أكثر من عام ونصف. أما الطبيب عبد الحفيظ سميح فيقول إن مشهد جنائز الفتيات الـ18 يخلع القلب.

 

اتهامات للسائقين

ويلقي سمير الكردي وهو أحد مقاولي الطرق -في حديثه للجزيرة مباشر- باللائمة على سلوك السائقين، متهما “العديد” منهم بتعاطي المخدرات.

ورفض الكردي اتهامات الفساد وغش الخامات لكنه اعترف بوجود مخالفات ممن سماهم “مقاولي الباطن”. وذهب إلى أنه تم تصميم الطرق على “أعلى المستويات”، قائلًا إن ظهور عيوب بالطرق أمر معتاد.

بدوره قال مسؤول بوزارة النقل -اشترط عدم ذكر اسمه- إن الطرق تحسنت بشكل غير مسبوق، وذكر للجزيرة مباشر أن 90% من الحوادث سببها أخطاء السائقين.

وتحدث المسؤول عن تعمّد السير عكس الاتجاه وشيوع تعاطي المخدرات بين السائقين، مشيرًا إلى أن التحقيقات أكدت ذلك بحادث فتيات قرية “السنابسة”. وأضاف “لو كانت هناك مشكلة بتنفيذ الطرق وتصميمها فالدولة ملزمة بإصلاحها”.

السير عكس الاتجاه يفتح الباب للعديد من حوادث الطرق بمصر (الجزيرة مباشر)

سوء حالة المركبات

ومن زاوية أخرى يرى مجدي شاكر-وهو مهندس طرق بمنطقة الباجور بالمنوفية- إن سوء حالة المركبات لا يقل خطورة عن سلوكيات مستخدمي الطرق، موضحًا للجزيرة مباشر أن بعض المركبات تستخدم في أغراض مخالفة لترخيصها مثل استخدام عربات نقل البضائع في نقل الركاب وزيادة الحمولة عن الحد المسموح.

كما اعتبر شاكر أن منظومة الأمان تتضمن عوامل أخرى أكثر أهمية، مثل جودة الرصف والتصميم ودورية الصيانة.

ويرجع شاكر سوء حالة الطرق إلى “التسرع” في تنفيذها “مما يدفع للاعتماد على مقاولي تنفيذ من الباطن من غير ذوي الكفاءة”. وأشار إلى صعوبة سد جميع منافذ الفساد التي تنتهي إلى التنفيذ بجودة لا تتجاوز 70% من المطلوب.

الشاحنات الثقيلة تسببت في العديد من حوادث الطرق في مصر (منصات التواصل)

وفي هذا السياق، يرى السياسي والمهندس الاستشاري ممدوح حمزة عبر فيسبوك أن “المقاول والاستشاري متضامنان بحكم القانون لمدة 10 سنوات”.

التموجات الطولية بالطرق

ويذهب محمد حافظ أستاذ هندسة السدود والسواحل الطينية في جامعة “INTI-IU Malaysia” إلى أن العديد من الطرق بمصر غير مطابقة للمواصفات الهندسية وبها منحنيات خطيرة وتفتقر إلى عوامل السلامة، موضحًا للجزيرة مباشر أن الحمولات الزائدة على الطرق خاصة من سيارات النقل الثقيل تؤدي إلى تدهور حالتها وزيادة الحوادث.

كما تحدث عن ضرورة رصد ظاهرة “الرتلة” أو التموجات الطولية (Rutting)  بطرق مصر، معتبرًا أنها من أخطر مشاكل الرصف وتظهر على شكل أخاديد أو انخفاضات طولية واضحة في مسارات عجلات المركبات خاصة على الطرق التي تشهد حركة مرورية كثيفة أو مرور شاحنات ثقيلة.

وأشار حافظ إلى دراسات تكشف عن أن حوالي 55% إلى 80% من التموّجات تحدث بالطبقة العليا من الرصف الإسفلتي نتيجة مرور الأحمال الثقيلة مع ارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى قلة جودة الخلطة الإسفلتية ونوع التدرج الحجري المستخدم ودرجة الدمك ونسبة الإسفلت. كما أن ضعف الطبقات السفلية أو سوء الصيانة يعزز من ظهور الظاهرة.

وهنا يدعو حافظ إلى تحديد أولويات الصيانة وتحسين جودة الطرق بتطوير الخلطات الإسفلتية واختيار تدرجات حجرية مناسبة وزيادة سمك طبقات الرصف مع استخدام شبكات حديدية أو مواد “جيوسينثيتيك” (Geosynthetics) لتعزيز القوة.

التموجات الطولية ظاهرة تصيب الطرق في مصر بسبب ضعف جودة الرصف (مواقع التواصل)

انعدام العدالة الاجتماعية

وتقول الحركة المدنية الديمقراطية إن الحادث الذي وقع قبل أيام بمحافظة المنوفية ليس مجرد مأساة مرورية، بل هو صورة موجعة لانعدام العدالة الاجتماعية، وغياب الحد الأدنى من مقومات الأمان والكرامة للعاملات في مصر.

واعتبر بيان الحركة أن ما حدث كان نتيجة مباشرة لسياسات اقتصادية واجتماعية تُهمّش الإنسان، وتُقصي الحقوق، وتُمعن في سحق الطبقات الأضعف، بينما تنشغل السلطة بتزيين الواجهة وإخفاء الخراب الحقيقي الذي ينهش المجتمع من الداخل”.

وفي زيارته الأولى لتفقد موقع الحادث الأخير على الطريق الإقليمي، نفى وزير النقل كامل الوزير التهرب من المسؤولية وقال للصحفيين “لا أحد فوق المحاسبة”، لكنه ألقى باللائمة على السائقين ممن يتعاطون المخدرات وأضاف متسائلًا “أين الجريمة التي ارتكبناها؟”.

وطبقا لوزارة النقل فقد نفذت الحكومة خطة لتطوير منظومة النقل باستثمارات تزيد على 2 تريليون جنيه مشيرة إلى التخطيط لإنشاء طرق جديدة بطول إجمالي يبلغ 7000 كيلومتر ضمن المشروع القومي للطرق.

وأمام المنتدى الدولي للنقل بإسطنبول وبالتزامن مع حادث الطريق الإقليمي، قال كامل الوزير إن مصر تسعى لنقلة نوعية في قطاع النقل عبر استراتيجيات ذكية ومستدامة.

ووفق النشرة السنوية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، الصادرة في مايو/أيار الماضي عن حوادث الطرق، بلغ عدد الإصابات عام 2024  في مصر 76362 إصابة (بزيادة 7.5% عن عام 2023)، وبلغ عدد من فقدوا حياتهم جراء الحوادث في العام نفسه 5260 شخصا.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان