ابتسام تريسي تكتب: كلُّ طويلٍ لا يخلو من الهَبلِ

صورة هولاند الملتقطة في نيويورك مع السيسي تظهر انسجاماً كبيراً بين الاثنين من حيث الطول ولم يخطئ أحدهما يد الآخر فتصافحا بمودة!
ابتسام تريسي*
![]() |
مقولة كنّا نتداولها كثيراً، تحيل سامعها إلى كاريكاتير يرتبط بطول القامة ربّما يكون مرجعه طريقة المشي وحركة الساقين والذراعين، بالإضافة إلى مواقف محرجة كثيرة ترافق الطويل من ارتطام رأسه بحافة الأبواب الواطئة، أو الرفوف الموجودة في المطابخ، وقد استغلّ رسامو الكاريكاتير الأمر بجعلهم رأس الطويل يطلُّ من فوق سحابة أو يرتطم بطائرة.
تتمة المقولة: “وكلُّ قصير لا يخلو من الفِتَنِ” فأين الحقيقة في هذه المقولة؟
هذه المقولة الشعبية ليست قاعدة أو نظرية، وقد شذّ عنها كثيرٌ من الشخصيات التاريخية التي تميّزت بقامة طويلة، وقامت بإنجازات مهمة في التاريخ. مثل مالكولم اكس زعيم المسلمين الأفارقة في أمريكا والذي كان مرشحاً لإكمال مسيرة “مارتن لوثر كنغ” لو لم يتم اغتياله على أيدي متطرفين من البيض، والرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر قائد ثورة تموز، والجنرال ديغول.
اليابانيون مثلاً كانوا يحددون الانتماء الطبقي بطول القامة – كما جاء في قصة الحضارة – لول ديورانت_ فالمعروف أنّ طوال القامة ذوو أصول أرستقراطية، أمّا البدناء قصار القامة فهم من عامة الشعب.
وتكاد هذه المقولة تدخل في باب الطرفة لعدم مصداقيتها، خاصة إذا كانت الشخصيات محور الحديث شخصيات تحكم بلد بحجم مصر، وسوريا وفرنسا!
يتميز رئيسا مصر وفرنسا بقصر القامة، وليس هولاند الرئيس الفرنسي الحالي وحده قصير القامة إلى درجة ملفتة للنظر وتثير شهية كتّاب المواد الساخرة، بل سبقه أيضاً الرئيس ساركوزي الذي تزوج من عارضة أزياء تفوقه في الطول وكان ينتعل حذاءً ذا كعب عالٍ كي يُقلّص الفرق بين طوله وطولها. ساركوزي وهولاند والسيسي لا نستطيع جمع هؤلاء الرؤساء الثلاثة في خانة واحدة إن أردنا التحدث عن الحكم والسياسة؛ لكن يجمعهم شيء واحد فقط كثرة المواقف المضحكة التي التقطتها الكاميرا لهم والمواقف المحرجة التي وضعوا أنفسهم فيها إلى درجة عكسوا فيها المقولة.
مؤخراً انتشرت صورة على مواقع التواصل لهولاند وهو يقلّد إحدى لاعبات منتخب فرنسا لكرة السلة وساماً، وفي الصورة يظهر هولاند وهو يرفع يديه لتصلا إلى صدر اللاعبة حيث سيعلّق الوسام! واللاعبة تبتسم! وربما انتعلت حذاءً بكعب عالٍ متعمدة لتزيد من حرج الرئيس
الصور المحرجة لهولاند معظمها تتعلّق بالمصافحة، يظهر وهو يمدّ يده للآخرين وهم يتجاهلونه أو العكس.. إحدى الصور يمدّ يده للمرزوقي والآخر مشغول بتحية الجماهير!
والثانية يمدّ يده لمصافحة الرئيسة الكورية وهي مندهشة لذلك! ويظهر في صورة يمد يده للأخضر الإبراهيمي والأخضر مشغول في وقفته وابتسامته. أجمل صور هولاند تلك التي يبدو فيها بحركة وجه عجيبة تشبه حركة الممثل الإنجليزي “مستر بن”. وبعيداً عن الحركة هناك مواقف كثيرة للرئيس الفرنسي تحمل ملامحه فيها شبهاً من مستر بن، وتؤهله لأن يكون ممثلاً كوميدياً ومنها لقطة لزعماء أجانب ينظرون إلى السماء في نسق واحد يراقبون طائرة وهولاند الوحيد الذي ينظر إلى جهة أخرى!
أمّا صورة هولاند الملتقطة في نيويورك مع السيسي فتظهر انسجاماً كبيراً بين الاثنين من حيث الطول ولم يخطئ أحدهما يد الآخر فتصافحا بمودة!
السيسي الذي يتقمصه مرّة عبد الحليم حافظ فتراه يمسك المايك بحنان ويهيم في الملكوت وتتعطل لغة الكلام معه، وتارة تتقمصه شخصية يونس شلبي في مدرسة المشاغبين فلا يكاد يقول جملة واحدة مفهومة، ومرة نراه طبيباً وأخرى فناناً شاملاً، وأكثر صوره إثارة للتعليقات الطريفة تلك التي يظهر فيها وهو ينظر من شبّاك الطائرة كعاشق مفارق حبيبته، وصورته التاريخية وهو يحيي “الجماهير” المحتشدة أمام مقرّ إقامته في العاصمة الألمانية برلين. “والمحتشدة” هنا تعبير مجازي اضطرّ إليه ناشر الخبر مع أنّ صورة الجماهير المحتشدة تكذبه بوضوح، فهي تكاد تقتصر على العشرات فقط!
في المقابل بشار الأسد بألقابه الكثيرة، الطويل، عريض الوساد “كناية عن رقبته الطويلة”، الزرافة، والبطة، وكلّ الألقاب التي أطلقها عليه السوريون منذ بداية الثورة السّورية حتّى الآن، لا توازي اللقب الأخير بعد الحوار الذي أجراه تلفزيون التشيك معه والذي صرّح خلاله أنّ: “بين اللاجئين السوريين إرهابيون”! ليس غريباً على بشّار الأسد أن يكون مخبراً عن شعبه وأن يقوم بهذا الدور علناً وعلى شاشة تلفزة أجنبية فهذا الشبل من ذاك الأسد وقد كان أبوه قبله مخبراً.. لكنّ بشّاراً تفوّق على أبيه بأن انحدر إلى رتبة فسفوس – وهو تعبير عامي يعني المخبر . حافظ الأسد كان داهية ولم يكن حتى المقربين منه يعرفون خفايا شخصيته، بينما الولد مكشوف للعامة من الشعب، وقد عرّته الثورة تماماً فلم يعد خافياً على أحد مدى تعطشه للدماء ومدى حقده وطائفيته وأمراضه النفسية التي لا تعّد ولا تحصى والتي توّجها بصفة مخبر.
____________________________
* روائية سورية
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه