في ذكرى تأسيس “تمرد” .. نادم علي المشاركة

ربما الندم الوحيد الذى أشعر به في مسيرة عامة متواضعة مشاركتى في”حركة تمرد”التى تمر هذه الأيام الذكرى الثانية لتأسيسها ومساهمتى في جمع مئات من الاستمارات لسحب الثقة من الدكتور محمد مرسي
أحمد قناوي*
![]() |
جئت الى القاهرة بمجموع كبير من الثانونية العامة واخترت كلية الحقوق، وحصلت في العام الأول على أول دفعتي في حقوق القاهرة.
في العام التالي كنت قد حسمت أمرى بالعمل في المحاماة لسببين: الأول أنى فعلاً أعشق عملاً حراً حيث لا وصاية ولا أوامر. والثاني معرفتى أن التعينات في سلك القضاء ليس شرطاً فيها التفوق، ولكن لها شروطاً أخرى قد لاتتوافر لابن فلاح مصري بسيط.
وشاركت في النشاط الطلابي وأصبح لي ملف في جهاز آمن الدولة. وحين ترجع بي الذاكرة لاختياري لا أشعر أبداً بالندم، وحين أصبحت محامياً تحت التمرين كنت على الفور ضد النقيب أحمد الخواجة حيث لم أكن أتصور أو أوافق على نقيب تبوأ مقعده، وأنا في الصف الأول الابتدائي وإلى الآن، حتى انتهى الأمر باعتقالي في عام 1989 .
وقام وقتها زكي بدر وزير الداخلية، الذي أشرف بنفسه على عملية اقتحام نقابة المحامين، والقبض علي، وعلى عدد من الزملاء، بتفريقنا في عدد من سجون مصر، تبدأ بسجن قنا وتنتهى بأبي زعبل ، كرد على دعوات صدرت في مظاهرات للمحامين باقتحام السجن، وإطلاق سراحنا عنوة. وانتهى الامر بقرار من مجلس نقابة المحامين بفصلي من عضوية النقابة ضمن قائمة من المحامين.
كان يتبوأ تلك الاسماء الدكتور المرحوم محمد عصفور أحد أساطين المحامين في ذلك الوقت، والنائب أحمد ناصر، والدكتور عبد الله رشوان وغيرهم .
ولم أندم ابداً على مشاركتى بفاعلية انتهت باعتقالي، وتوجت بشطبي من نقابة المحامين وقتها قبل أن نحصل على حكم قضائي بالغاء القرار المعيب. ولم أندم أبداً على انحيازي لكتلة الاشتراكيين في حزب العمل الاشتراكى في مواجهة المرحوم المهندس ابراهيم شكري الذي حول بوصلة الحزب الاشتراكى إلى بوصلة الإسلام السياسي، في نقلة توصف في أقل القليل بالانتهازية .
ولم أندم أبداً لأنني أسست الجمعية الوطنية للتغيير في نقابة المحامين وكنت منسقها، وجمعت العديد من التوكيلات قدمتها للدكتور محمد البرادعي .
ولم أندم أبداً على اختياري للدكتور محمد مرسي في انتخابات الإعادة مع أحمد شفيق شأن 8 ملايين مصري قرروا الانحياز للدكتور مرسي ضد أحمد شفيق، فلم يكن من المتصور قيامنا بثورة أزاحت مبارك ثم انتخب صديقه وأحد أعمدة نظامة للرئاسة، وكنت أري أن المقاطعة في تلك اللحظة لن تخدم إلا مرشح نظام مبارك وقتها أحمد شفيق .
ولم أندم كذلك على معارضتى للدكتور محمد مرسي، وكنت أحضر اجتماعات لجنة الحريات بنقابة المحامين، وكان يحضرها عدد من رجال الإخوان، وكنت أكيل الرفض لسياسات الدكتور محمد مرسي . وحتى في نقابة المحامين طيلة أكثر من ربع قرن كنت رافضاً لقوائم الإخوان الانتخابية واعتبرها بمثابة النهاية لنقابة المحامين، لكن عندما فرضت الحكومة الحراسة على نقابة المحامين وقفت رافضاً لها، وكنت في ذات الوقت ضد القوميين الذين اعتبروا فرض الحراسة نصراً لهم في نقابة المحامين، وكنت أحد الداعين لأخر اعتصام انتهى برفع الحراسة عن النقابة، ولم أندم ابداً على تلك المواقف بل اعتبرها مواقف أفخر بها .
ربما الندم الوحيد الذى أشعر بة في مسيرة عامة متواضعة مشاركتى في “حركة تمرد” التى تمر هذه الأيام الذكري الثانية لتأسيسها ومساهمتى في جمع مئات من الاستمارات لسحب الثقة من الدكتور محمد مرسي ، ليس لأن الدكتور محمد مرسي كان لايجب الخروج عليه وسحب الثقة منه، ولكن لأن حسن النية في العمل العام قد يفضي إلى تهلكة وقد أفضي .
فقد انتهى الحال بشباب الثورة في السجون، وأن دماء أريقت في رابعة، والنهضة كمذبحة لاتخطئها عين، وهو أمر رفضتة منذ يومه الأول، وانتهى الحال بمصر بلا مؤسسات، والتعبير عن ذلك وصل إلى حد القول: لا نحتاج إلى مؤسسات !!.
وانتهى الحال بما كان مرسي يعتبره من المحرمات كرفع الاسعار مثلاً فأصبح أمراً دائماً. انتهى الأمر، وهناك قمع لم تعرفه مصر منذ عقود أفضي في أحد جوانبه عن سقوط أكثر من 140 مواطنا قتلي من التعذيب في عام واحد داخل أقسام الشرطة .
وانتهى الأمر إلى مزيد من تراجع مصر في قضايا سد النهضة وغيرها عربياً وإقليماً ودولياً . وانتهى الأمر والسجون مكتظة ، وبكوارث لم تعرفها مصر ليس أقلها انقطاع قياسي للكهرباء، وحالة تسمم أكثر من 1600 مواطن مصري حتى اللحظة في محافظة الشرقية. انتهى الامر بغياب المشاركة السياسية بل وبرفضها وحتى بتجريمها .
انتهى الأمر بعدد من التشريعات لم تعرفها مصر من قبل سواء تلك المقيدة للحريات، أو تلك التى تحد من المشاركة، أو التى تسن بهدف وحيد وهو الجباية .
ربما يكون عذراً أننا لم نتوقع أن يصل الأمر في أشد الحالات تشاؤماً إلى هذا الحد ، ربما يكون عذراً أخطاء الإخوان الكارثية في الإدارة السياسية، وتصورهم للحظات أن جماعة مهما كان حجمها وقوتها يمكن أن تكفي رئيس وهو تصور ساهم في قدر كبير مما حدث .
ربما يكون عذراً الخوف على هوية بلد ابدع فناُ وغناء وأدباً حتى أصبح قوة ناعمة لاتقل أهميتها عن القوة العسكرية والاقتصادية . ربما يكون عذراً ذلك التاريخ الذى صاغت الجماعة بة مسيرتها من جماعة عنف إلى جماعة بزنس وفي الحالتين الوطن والفقراء كاناً الثمن .
لكن بمراجعة دقيقة لمكتسبات ما قبل 30 يونيو سيكون مفيداً أن نذكر أنة للمرة الاولي في مصر تتبلور معارضة مدنية كان من الممكن البناء عليها بما يعصم من عصف أى قوى .
ربما نذكر انتخابات النقابات الفرعية لنقابة المحامين علي سبيل المثال في عهد الدكتور مرسي، وأن تلك الانتخابات منى الإخوان فيها بهزيمة ساحقة رغم كونهم في السلطة. ربما نذكر ذلك القدر من التناقض بين الرئاسة وأجهزة الدولة ما مكن الجميع من التحرك بحرية كبيرة. ربما نذكر أن استقلالاً إعلامياً في مواجهة السلطة سمح بتنوع لا سقف له في مواجهتها.
كل ذلك كان كفيلاً بالاستغناء عن الاصطفاف مع قوي سلطة سواء عسكرية أو أمنية لفرض جدول تغيير بدت آثاره واضحة الآن على نحو يفرض قراءة المشهد بكامله بصورة آخري لنستخلص عبراً أن القوي المدنية على تنوعها كانت كفيلة وحدها، دون أن تتكلف مصر كل هذه الكلفة الغالية، بالحفاظ على هوية مصر .
فما حدث هو عملية تلقيح صناعي لجنين مشكوك في نسبة بدا للوهلة الأولي حين خطى أول خطواته على الأرض أنه مشوه، وسنعانى ونظل ندفع ثمن هذه العملية بعد فرح صاخب لعروس بدا في النهاية أنها تعرضت للاغتصاب، من خلال إجراءات بدت من حيث الشكل أنها عقد زواج
_____________________
*كاتب مصري ومحام بالنقض
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه
