ممدوح الولي يكتب: الرعاية الاجتماعية بمصر ملف مهمل

والخطير في إهمال الملف الاجتماعي هو وقوع كثير من النساء المعيلات في الخطأ المتعدد الأشكال ، بسبب صعوبة تدبير احتياجات الأبناء، وهو ما يفرز أعداداً كبيرة من أطفال الشوارع.
ممدوح الولي*
![]() |
قالت وزارة التخطيط المصرية في بيان خطتها للعام المالي الحالي، أن توفير الرعاية الاجتماعية للفئات المهمشة في المجتمع يعد أحد الأهداف الرئيسية للدولة تحقيقا للعدالة الاجتماعية .
وذكر بيان الخطة نوعيات تلك الفئات المهمشة وهى : ذوو الاحتياجات الخاصة والمرأة والطفل، والأسر محدودة الدخل، وهى فئات تشكل النصيب الأكبر من سكان مصر .
ورغم ذلك فقد كان نصيبها من الاستثمارات الحكومية البالغة 75 مليار جنيه خلال العام الحالي ، 60 مليون جنيه يتم انفاقها من خلال ديوان عام وزارة التضامن المسؤولة عن الملف الاجتماعي ، ومديريات الشؤن الاجتماعية المنتشرة بالمحافظات .
وذكر بيان الخطة أن هناك عددًا من التحديات التي تواجه تقديم خدمات الرعاية الاجتماعية، أبرزها عدم وجود تعداد وحصر بعدد الأشخاص ذوى الاعاقة والاحتياجات الخاصة في مصر ، وكذلك صعوبة حصر أعداد النساء المعيلات ، وهن السيدات اللاتي يقمن بالإنفاق على الأسرة بعد وفاة الزوج أو بعد الطلاق .
وانتشار ظاهرة أطفال الشوارع، والبعد الجغرافي للوحدات الحكومية التي تقوم بتقديم الخدمات الاجتماعية للفئات المهمشة عن أماكن سكنهم ، مما يؤد الى عدم وصول خدماتها الى المستحقين .
وهكذا تعترف وزارة التخطيط التي يتبعها إداريا الجهاز المركزي للإحصاء المسؤول عن البيانات والاحصاءات في مصر ، بأنه لا يوجد تعداد للمعاقين ، ولا للمرأة المعيلة ، ولم تعترف بعد بعدم وجود تعداد لأطفال الشوارع وهو أمر معروف .
وفى ذلك دلالة واضحة على غياب الاهتمام الرسمي بتلك الفئات المهمشة ، خاصة وأن هناك مراكز معلومات للتنمية المحلية منتشرة بجميع القرى المصرية ، منذ سنوات طويلة يمكنها القيام بتلك الاحصاءات .
وتتحدث الخطة عن تنفيذ عدد من البرامج التأهيل المهني للمعاقين، تشمل دور الحضانة ومراكز التدريب اللغوي ، ومراكز العلاج الطبيعي ومراكز التأهيل الشاملة ومؤسسات التثقيف الفكري، ومؤسسات متعددي الإعاقة، ومؤسسة رعاية وتأهيل الصم وضعاف السمع، ومؤسسات رعاية وتأهيل المكفوفين، ووحدة رعاية وتأهيل حالات الشلل الدماغي، ووحدات رعاية وتأهيل حالات التوحد، ومركز التقويم المهني ومركز التوجيه النفسي وغيرها من المشروعات وفقا لأنواع الاعاقة .
وبالعودة الى موازنة العام المالي الحالي 2015/2016 ، تبين بلوغ موازنة المجلس القومي للإعاقة 18 مليون جنيه، منها لتنفيذ المشروعات العديدة التي ذكرها بيان وزارة التخطيط عشرة ملايين جنيه فقط !
والغريب أنه رغم زيادة السكان وبالتالي زيادة حالات الإعاقة، فقد انخفضت موازنة المجلس القومي للإعاقة عن العام المالي السابق بنحو 5ر1 مليون جنيه .
ومما يؤكد استحالة تنفيذ مشروعات خطة العام المالي الحالي للرعاية الاجتماعية في ضوء تخصيص 60 مليون جنيه لها فقط ، هو تعدد تلك المشروعات والتي تشمل الى جانب مشروعات الإعاقة السابق ذكرها ، مجمعات خدمات الأسرة والطفولة .
حيث تستهدف الخطة الانتهاء من انشاء 91 نادى اجتماعي وثقافي، ومجمعين لخدمات الأسرة والطفولة ، وثماني حضانات للرضع ومؤسستين للإيواء وناديين للطفل ومكتبة للطفل .
وشملت مشروعات الخطة خلال العام أيضا تطوير 9 مراكز لتنمية المرأة الريفية ، وتجهيز 28 مركزا للخدمات بالقرى ، تشمل توفير ورش إنتاجية وفصول دراسية وحجرات رياضية .
كما شملت الانتهاء من تأسيس وتشغيل 7 مراكز للأسر المنتجة بالمحافظات، والانتهاء من تأسيس وتشغيل 9 مراكز للإغاثة في حالة حدوث كوارث ونكبات طبيعية ، واستكمال ثلاثة ملاجئ للإيواء بالمحافظات، وثلاثة مراكز للتكوين المهني بالمحافظات ، وكل ذلك بستين مليون جنيه بما يشير الى أن معظمها ستكون مجرد مشروعات على الورق فقط !
وتبدو المفارقة أنه في نفس العام المالي ، بلغت مخصصات السجون بالموازنة 1 مليار و127 مليون جنيه ، بزيادة 272 مليون جنيه عن مخصصات السجون بالعام المالي السابق .
وفيما يخص الاهتمام بالمرأة والتي يصل عددها لحوالي نصف السكان، الى جانب الأطفال، فقد بلغت موازنة المجلس القومي للطفولة والأمومة ، حوالى 42 مليون جنيه، منها 15 مليونا لأجور العاملين بالمجلس، وقد انخفضت مخصصات المجلس عن العام المالي السابق بنحو ستة ملايين جنيه
ونظرا لكون مديريات الشؤن الاجتماعية بالمحافظات وفروعها بالقرى هى الأداة التي يتم توصيل الخدمات الاجتماعية من خلالها، فقد بلغ نصيبها ملياري جنيه موزعة على 27 محافظة ، لكن المشكلة أن أجور العاملين بتلك المديريات تستحوذ على نسبة 92 % من مخصصاتها .
وعلى المستوى القومي بلغت مخصصات المجلس القومي لمكافحة وعلاج الإدمان ، بموازنة العام المالي الحالي أقل من 3 ملايين جنيه ، أكثر من ثلثها أجور للعاملين بالمجلس، وبما يؤكد استحالة نجاح جهود التصدي للإدمان في ضوء تعدد نوعياته وانتشاره بين فئات عديدة .
وكانت موازنة العام المالي الحالي قد خصصت 125 مليون جنيه لدعم التأمين الصحي على المرأة المعيلة ، والتي أشارت بيانات حكومية قبل سنوات، الى بلوغ عددهم 5ر2 مليون سيدة بنصيب حوالى 50 جنيها للمرأة خلال العام .
والخطير في إهمال الملف الاجتماعي هو وقوع كثير من النساء المعيلات في الخطأ المتعدد الأشكال ، بسبب صعوبة تدبير احتياجات الأبناء، وهو ما يفرز أعداداً أكبر من أطفال الشوارع، ومن جرائم الأحداث ورواد الملاجئ والسجون ، وتزايد حالات السرقة والدعارة والإدمان ، والنقمة على المجتمع وضعف الولاء له وتزايد الاستعداد للإضرار به .
__________________________
* نقيب الصحفيين المصريين سابقاً
المقال لا يعبر عن موقف أو راي الجزيرة مباشر وإنما يعبر عن رأي كاتبه